الاثنين، 21 أكتوبر 2013

أفراحٌ تأخذنا إليهم



الثلاثيّ  المرح : فابيانو , أدريانو , ألفيس .
من بين جميع صور احتفالات الفرق التي لاأشجّعها علقت في هذه بذاكرتي . من أجمل الأفراح التي شاهدتها. فرحة ساحرة جعلتني أشاركهم فرحتهم وكأنّني معهم.    

مارأيته في "موسم الهجرة إلى الشمال"






"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح - رحمه الله -  عندما بدأت بالرواية مصحوبا بالحماس الذي غرسه المديح الذي نالته الرواية  بشكل كبير . كنت أتوق لمعرفة الكثير عن السودان أكثر من الذي كنت سأعرفه من كتب الجغرافيا وبعض كتب التاريخ التقليديّة التي تتناول البلد كجسد يتمّ تشريحه في حين تستطيع الرواية تناول البلد كجسد ينبض بالحياة . على كلّ حال ليس من حقّ القارئ أن يملي على المؤلف ما يجب عليه كتابته. له أن يتأمل ويتمنّى .  
 لكن وجدت في الرواية مصطفى سعيد المحبط الناقم . محبط من حال بلاده وناقم على البلاد التي احتضنته . بصراحة شخصيّة مصطفى سعيد تشبه كثيرا عينات ممن يسمّون بالمثقّفين العرب . يأتون إلى بلدانهم محمّلين بكمّ كبير من الثقافة والمعرفة والفلسفة وكلّ ما هو غربيّ , ومحمّلين كذلك - على ما يبدو -  بالنقمة ومليئين بالضيق . يتذمّرون من تخلّف بلدانهم ولا يفعلون شيئا إلا الثرثرة للوسائل الغربيّة والأجنبيّة يشكون من تخلّف بلدانهم وبوجه آخر  يصدحون بالكثير من الكلمات الموجّهة ضد الغرب الاستعماري ويتّهمونه بإلقاء بلدانهم في قعر التخلّف الذي جعل بلدانهم عاجزة عن الخروج منه . ألا يبدو بأنّ أحدهم يحاول أن يميّز ذاته عن شماله ويمينه وينأى بنفسه عن كلّ لوم ؟. هنالك شيء يتغذّون عليه وقد لا تكون الشهرة على أية حال وقد يكون البحث عن التميّز المدفوع بالنرجسيّة . جانبهم الغربيّ يقتات على تخلّف بلدانهم فيملؤون كتبهم  بالكلام النظري الذي يفسّر ويحلّل بأسف حال بلدانهم وجانبهم الشرقي يقتات على تركة الغرب الإستعماري وأطماعه فيملؤون كتبهم بالخطابات الرنّانة الرافضة لكلّ ماتركه الاستعمار والواقفة بالمرصاد لأطماع الغرب وصيد أخطائه. بالنهاية نكاد نرى شخصا يحاول أن يكون من عالم لا ينتمي لا للغرب ولا للشرق ! . انتماؤه الغربي يتجلّى من خلال التنظير المليء بالمثاليّة وانتماؤه الشرقي يتجلّى من خلال الخطب الرنّانة . كأنّهم مصابون بالتوحّد , يصعب عليهم العيش بأمل في بلدانهم الشرقيّة وكذلك في بلدان ثقافتهم الغربيّة . إنّهم لا يشبهون كثيرا البسطاء في بلدانهم رغم أنّهم يودّون لو كانوا أمام الناس منهم . المثقفين العرب لا يهتمّون كثيرا بالإرث الشعبي لبلدانهم وقد يسمّونه تخلّفا لا إرثا  ولطالما كانت كلمة "العادات والتقاليد" مقرونة على ألسنتهم بالتخلّف والتعصّب , في حين قد نجد العديد من الغربيين يهتمّون بالثقافة الشعبيّة للبلدان العربيّة وإرثهم . يبدو الأمر وكأنّهم لم يعودوا إلى بلدانهم بثقافة غربيّة بل عادوا وكأنّهم يحملون قلب ذلك الرجل المستعمر الذي لا يرى بالشرق إلا الفوضى ولا ينظر إليهم إلا من فوق عتبات عالية من الوهم . إن كان للإستعمار عيوب كبرى فهذه إحداها . باتت الشهادات العليا في يد من لايريد مدّ يده لبلده بل مدّ لسانه . وإن كنّا نكره في الغرب بحثه عن عيوبنا وتصيّدنا فهم قد أعفوا نفسهم على ما يبدو من فعل ذلك تاركين الأمر بيد غيرهم وبالقرب منّا . لماذا يسيؤون كثيرا للأشياء التي نتعلّق بها؟ . ديننا وعاداتنا وتقاليدنا  مصدر تخلّفنا كما يرون! . إن كان هنالك أشياء دفعت العربي للانتفاض ومقاومة الاستعمار والمحتلّ فهي هذه الأشياء التي تعلّقنا بها . الدين ومن ثمّ العادات والتقاليد . الآباء الذين حاربوا ضد المعتدين كانوا متعلّقين كثيرا بها وكانت مصدر إلهامهم . ما أكثر رجال الدين والأناس البسطاء والذين يعيشون وفق قانون أعلى وهو الدين وقانون أدنى وهي العادات والتقاليد في حروب الإستعمار ومقاومتها , اكثر من غيرهم . هنالك تداخل بين القانون الأعلى والأدنى ويحصل الخلط كثيرا ولكن ذلك ليس مبرّرا للانقضاض عليهما. مصطفى سعيد عاد لبلده السودان ومثله الآلاف وعشرات الآلاف عادوا عبارة عن صناديق محمّلة ربّما بالكثير مما يفيد بلدانهم ولكنّها بالنهاية بقيت صناديق جامدة و عنيدة  تكدّست بها بلداننا . جيل واحد من المغتربين اليابانيين استطاعوا النهوض باليابان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أكثر مما فعله أجيال من العرب المغتربين العائدين . هل نحن بحاجة إلى مثقّفين ؟ . وهل كانت كثرتهم عاملا لاستقرار البلد أو تقدّمه؟. فلنرى الإجابة ونرى ما كان يفعله المتخاصمون بالجزيرة العربيّة الخالية من أي مثقّف - تقريبا - قبل قرن وما حدث في بلدان عربيّة أخرى مليئة بالمثقفّين.

إنهم يشبهون الغراب الذي حاول أن يقلّد مشية الحمامة , فأصبح كائنا يشبه الغراب ولا يتصرّف مثلهم. رحلت بنادق الغرب التي كانت مصدر القمع الدموي للعرب وأتت من بعدها بنادق غربيّة بأيدي عربيّة وللأسف كذلك هنالك بنادق غربيّة بألسنة عربيّة. لعلّ مصطفى سعيد كان ضحيّة للتجاذبات التي انهالت على عواطفة فكان كالجريح الذي انقضّ على ماحوله يأسا.