الخميس، 7 أبريل 2016

قيد من فنّ




أعتقد بأنّه
 لم يكن كلود مونيه (١٨٤٠-١٩٢٦م) ليقبل بعمل فنّي  لكازيمير ماليفيتش (١٨٣٧-١٩٣٥م) لو كان مسؤولا في صالون باريس. وهو الذي يعدّ رمزا للتغيير على صعيد فهم الفنّ بلوحته "انطباع غروب الشمس" -كما في الصورة والمعروضة في متحف مارموتان-. من بعد الحرب البروسيّة الفرنسيّة ١٨٧٠م كان هنالك قيّمون على صالون باريس متزمّتون و يرفضون التغيير في قيم الفنّ بنفوس صارمة صرامة خطوط لوحات آنجر وشارلز جلير وجان ليون جيروم.  الأمر الذي حرم مونيه ورفاقه من عرض الكثير من لوحاتهم في صالون باريس.

لكن مالذي سيجعل مونيه يرفض عرض لوحة ماليفيتش الغير معتادة بمقاييس ذلك الزمان وهو الذي كان أحد أهمّ الفنانين الإنطباعيين الذين قادوا التغيير في عالم الفنّ؟

اللوحة التي أعنيها لماليفيتش هي "مربّع أسود" ولست في حاجة لاحضار صورتها إذ يكفي أن أقول بأنّها صورة لمربّع أسود بالوسط على قطعة قماش بيضاء. ولايمكن بأيّ حال من الأحوال أن نقول بأنّ اللوحة رائعة و لاتوصف إذ أنّ أبسط الوصف يصوّرها لنا. 

لاأخفيكم سرّا بأنّ لوحات ماليفيتش تروق لي وربّما  أكون بحاجة لأن أتأكّد بأنّ هذا المربّع أو هذه الدائرة أو تلك الأشكال الهندسيّة اللطيفة رسمت على قطعة قماس بيد مالفيتش حتّى أعجب بها!

عندما كانت أعمال مونيه - الذي افترضنا بأنّه قيّم معرض يرفض عمل ماليفيتش كما نتصوّر- ترفض، هل رفضت بسبب معايير الفنّ؟ وهل كان مونيه سيرفض عمل ماليفيتش بسبب معايير الفنّ كذلك؟
يقول المسؤولون: هذا ليس بفن. ويقول مونيه هذا ليس بفنّ. الجدير بالذكر لماليفيتش شيء يروق للعين وكذلك أعمال أقرانه من روّاد الفنّ الحديث مثل كاندينيسكي. من الذي قرّر الفنّ من الجمال؟ وهل الفنّ هو كلّ ماهو جميل بكلّ بساطة؟ 

معايير الفنّ تتغيّر، فكيف تغيّر العالم الذي كان يرى في لوحات رفاييل وتيتيان وكارافاجيو أجمل ماصنعته يد البشر ليرى في مربّع ماليفيتش فنّا يباع بالملايين؟!

للفنّ معايير وللجمال معايير أشمل فهنالك لوحات جميلة باعتراف المعاصرين -مجموعة الانطباعيين التي منها مونيه- لكنّها لم تقبل كعمل فنّي جدير بالعرض والإحترام. بكلّ بساطة لأنّها كسرت قيودا محضورة واليوم  باتت أعمال فنيّة معتبرة لأنّها كسرت القيود.

فلو عرضت لوحة مونيه "انطباع غروب الشمس" للبيع  في العصر الحالي لحصلت على مبلغ يساوي قيمة جميع الأعمال التي عرضت في صالون باريس بسنتها ١٨٧٢م، السنة التي لم يكن مونيه ليحلم بعرضها عندهم. 

الثورة على القيود هو ماجعلها جذّابة للغاية. لكن ماهو محيّر أنّ النقّاد ومحبّي الفنّ في سبيل خدمة الأعمال الفنيّة التي تحطّم القيود قاموا بدورهم بتحطيم القيود سلفا مما يعني أنه لن يكون هنالك عمل يحطّم قيدا في يوم ما، السبب لأنّ هذه اليود لم تعد موجودة. مما جعلنا نشاهد اندفاعا ثوريّا -قد يكون أهوجا-بحيث بات يحطّم قيودا افتراضيّة بصورة لايمكن تصوّرها. لم تعد هنالك معايير يسهل التصادم معها لذلك وجدت أعمال تتصادم مع المتلقّي نفسه! من خلال أعمال قد تكون مقزّزة. مثل لوحات ميلي براون التي تشرب سوائل ملوّنة لتستفرغها بالنهاية. أو سرير لتريسي امين تركته منفوش على وضعه ومزيّنا بالكسل وبعض بقايا السجائر ومخلّفات ليلة كئيبة ليفوز هذا العمل بجائزة تيرنر ويباع بالملايين!. 
  
بات الفنّ عدوانيّا أكثر من كونه جميلا. تماما مثل الحريّة التي تعني حريّة الشتم والوصف بأقذر الألفاظ في الصحف وإلى درجة أن تعتبر الأعمال الإباحيّة في هذا الزمن عملا في إطار الحريّة الشخصيّة.