الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

-٥-



-٥-

ما أكثر الأشياء التي حلمت بها وكم شعرت بها قريبة، سهلة الوصول. بعد أن جهّزت نفسي للرحيل نحو أحلامي التي آملتها اخترت القطار الخاطئ! وأقرب محطّة تعيدني إلى حيث كنت مسافتها: ماتبقّى من عمري. الآن لاأدرك حتّى إن كان الطريق إليها لايزال موجودا.

تحيّة لكلّ من وصل إلى هنا

صديقي يامن تقرأ ما أكتبه لست قارئي لأنّني لست كاتبا. وأنت صديقي لأنّك تعطي قيمة للوقت والتفكير الذي قضيته في كتابة ماأكتبه هنا. إنّ محاولة قراءة قصّة قصيرة قد لاتشوّقك كثيرا لحين إكمالها عملٌ انسانيّ يستحقّ التقدير. فنحن كثيرا مانبثّ شكوانا حتّى في كتاباتنا عن الأمور التي تفرحنا. عندما نكتب عن شيء أفرحنا بالواقع نحن نحاول أن نقول: تلك الأشياء أفرحتنا، أي أنها لم تعد موجودة. هكذا نعبّر عن مافي أعماقنا. إلى قارئ لايدرك بأنّه أصبح صديقا لنا.   

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

ماهو أوّل فيلم شاهدته؟

ماهو أوّل فيلم رأيته؟ سؤال اعتيادي لكنّ السؤال الأهمّ، إلى أيّ حدّ أثّر فيك ذاك الفيلم؟ بصراحة في مرحلة الطفولة من الصعب تحديد تلك التأثيرات بدقّة لكن عن نفسي سأتحدّث عن أقدم فلمين شاهدتهما. 








فيلم (قطار الرعب) لعلّه أوّل فيلم شاهدته. كان ذلك على القناة الثانية. الفيلم ممتاز صراحةً وجميل كقصّة ونهاية. خاصة وأنّ الفيلم لم يكشف كثيرا عن الأشكال المرعبة الأمر الذي كان سيترك نوعا من التشويه. إذ أنّه مع تقدّم السينماء ستبدو تلك الأشكال ساذجة وهو ماتحاشاه هذا الفيلم. 
ماهو تأثيره علي؟ بصراحة لم أعد أستطيع أن أمشي وحدي دون أن أتخيّل بأنّ أحدا ما يمشي خلفي! كان أشبه بالشبح الذي ظلّ سنين طويلة، حتّى كبرت بما فيه الكفاية ليتركني بسلام. 





فيلم (رجل الظلمات) الفيلم قصّته مؤثرة جدّا ونهايته مؤثّرة. أمريكي فعلا ليس مثل فيلم (قطار الرعب). شاهدته أيضا على القناة الثانية. 
ماهو تأثير الفيلم عليه؟ أحمّله كامل المسؤوليّة في حرماني من القدرة على النوم وحيدا في الظلام أيّام طفولتي. كنت قد شاهدت قطار الرعب، لكن هذا الفيلم لا أدري لماذا بقي رعبه متسلّطا.


 الفيلم الأوّل رعبه معتمد على القصّة والأجواء. أمّا الثاني فيعتمد بالدرجة الأولى على شخصيّة البطل. يمكنني القول بأنّه ليس فيلم رعب على كلّ حال. كان هنالك فيلم ياباني أو صيني نسيت اسمه ولم أستطع العثور عليه مع الأسف.  


في الصغر لعلّ الرعب هو أسهل طريقة للإثارة. لذلك تشيع أفلام الرعب في الصغر وتقل عند الكبر. فالإثارة بالرعب عند الكبار تختلف عند سن المراهقة كثيرا. أحيانا تكون الأشكال المرعبة مبتذلة عندهم ومشاهدة الدماء كذلك. يوجد فيلم رعب حديث أعجبتني كثيرا فكرته لعلّه أفضل فيلم استخدم الرعب لايصال فكرته الصامته وهو 






 

السبت، 1 أكتوبر 2016

عندما تتفتّح الزهور


في خريف احدى أعوام الحرب العالميّة الثانيّة وفي احدى قُرى ايطاليا قام ماركو بتوديع زوجته وابنته الغاليه لوليتا التي لم تجد سببا لارتداء أبيها ذلك اللبس المموّه وهو يودّعهم كانت تقف خلف أمّها وهي تائهة بأفكارها الطفوليّة التي لم تدرك بعد معنى الحرب والفراق كيف لأبٍ رحيم أن يرحل ويترك عائلته إلى ذلك الشيء المسمّى بالحرب؟!

أراد ماركو عناق لوليتا التي امتنعت غضبا , أخفى ماركو حسرته وجذبها إليه وقال:" يابنيّتي ألا تريدين زرع قبلة على خدّ والدك قبل أن يرحل"

قبّلته الطفلة الصغيرة وهي تقول :" أرجوك لاتذهب يابابا"

يجيب ماركو :"عزيزتي هل ترين والد جيراننا أنطونيو أيضا ذاهب ويجب أن أكون معه عندما تكبرين سأحكي لك حكايات كثيرة وسأقول لك كلّ شيء حدث في رحلتي"

وأضاف:" عزيزتي هل ترين القُبلة التي زرعتيها على خدّي سأحرص على أن أسقيها كي تنمو الأزهار عليها" !

ابتسمت الطفلة لوليتا أعجبتها الصورة أحسّت فعلا أنّ ذلك ممكن أن يحدث وكيف أنّها ستكون في غاية السعادة عندما يعود والدها محمّلا بالحكايا ومعه القُبلة التي نمت كزهرة ربيعيّة يزيّنها الندى عانقته وهي تقول:" متى ستعود يابابا "

أجاب ماركو:" نحن الآن في الخريف بنيّتي هل ترين ذلك المكان الذي اعتدنا أن نعتني بأزهاره؟ الآن لاتوجد أزهار متفتّحه بسبب الخريف لكنّي سأعود عندما تتفتّح الزهور لنعتني بها"

فقالت لوليتا:"ستعود عندما تتفتّح الزهور يابابا فعلا؟"

قال :" نعم انتظري تفتّحها وسأعود"

عانقته وودّعته وفي فمه ابتسامة أمل وعانق زوجته وفي فمه ابتسامة رجاء ودعوى فهو يعلم أنّ الكلمات التي قيلت لإبنته لاتناسب أن تُقال لزوجته فآثر الدعاوي مثلها

ذهب ماركو طبعا برفقة الفيلق الايطالي الذي كان يشارك القوّات الألمانيّة في حملته على روسيا بالجبهة الجنوبيّة ,لم يكن وجودهم بالواقع إلا شكلا من أشكال الصداقة السياسيّة الباهتة كان هنالك هنغار وبلغار كذلك ذهبوا كلّهم مع الملايين من جنود الألمان ذهبوا إلى حيث لاتعرف لوتيتا لقد وصلوا إلى ستالينغراد تلك المدينة التي تحمل اسم معركة التهمت الكثير الكثير من الجنود الضعفاء كان هنالك بردٌ يمزّق الدفء ويشعل الأجساد بردا كانت شبح الموت نفسه يعاني البرد لم يكن يستطيع انهاء حياةٍ أحدهم إلا بعد أن يتعذّب طويلا بالبرد!

طبعا وهناك في ايطاليا بعيدا ظلّت لوليتا تطلّ من النافذة لترى تلك الزهور تنتظر أن تتفتّح الزهور, كان خيال أبيها يحوم في ذلك المكان برفقتها كانت تنفخ على زجاج النافذة لترسم زهرة متفتّحة! وكأنّها تقول:"هاهي تفتّحت الزهور يابابا"

وفي الربيع فعلا تفتّحت الزهور انتظرت لوليتا طويلا عند الباب ومن ثمّ اقتربت من تلك الزهور ومعها محفرتها البسيطة التي تنسّق بها حدود بيت الزهور تنتظر أباها كانت معها اثنتين منها على أمل قدوم أبيا هل لكن ماركو لم ياتي؟

ونامت الزهور ونامت لوليتا وهي تقول في نفسها:طهل كذب بابا؟"

وعادت وتفتّحت الزهور من جديد ولم يأتي ماركو والدها فقالت لأمّها:"ماما أبي لايحبّني لقد وعدني وهاهي الزهور تفتّحت ولم يأتِ لقد كذب بابا" قالتها والدموع تخرج من نافذة العين التي كانت صافية كالزجاج قالت والدتها وهي تضمّها :"لوليتا عزيزتي أبوك لايكذب وهو صادقٌ عندما يكذب!"

كانت تلك الكلمات مبهمة بعض الشيء واعتبرتها لوليتا مثل حكاية الزهرة التي ستنمو على خدّ أبيها من بذرة قبلتها

وعاااااد أنطونيو ! , قالت لوليتا:"ماما عاد العمّ أنطونيو أين بابا" حبست الأُم دموعها وقالت:" لم يأتِ بعد يابنيّتي" رفضت لوليتا تصديق ذلك وركضت بعيدا وهي تبكي وتقول في نفسها:" تفتّحت الزهور ولم ياتِ بابا وعاد أنطونيو ولم يأتِ بابا لماذا رحل معه ولم يأتِ معه هو لايحبّ ابنته مثل أنطونيو"

ومرّت السنين ولوليتا تعتني بتلك الزهور وترقب تفتّحها بعد كلّ شتاء كانت تلك عادتها كان ذلك يذكّرها بأبيها على الأقل كان يأتي بطيفٍ يشبهه كثيرا مرّة بالعام كان ذلك يكفيها لتحسّ بحنان والدها العزيز , إلى أن تزوّجت ولازالت على عادتها الطفوليّة وهذه المرّة برفقة ابنتها الجميلة أوليفيا

كانت أوليفيا تلعب وهي تقترب من أمّها وتلامس بطنها المنتفخ بالحياة كان الفصل خريفا وكانت لوليتا تقريبا في بدايات الحمل قالت أوليفيا وهي تداعب بطن أمّها وترسم ابتسامة طفوليّة مكوّنة من نقطتين العين وقوس ابتسامة تشبه تقوّس قوس قزح وهي تقول:" ماما قلتِ لي سيكون لديّ أخ متى سيأتي ياماما؟"

أجابت لوليتا والدمعة تترقرق وهي تتذكّر كلمات أمّها الراحلة والدموع تترقرق من عينها :"لوليتا عزيزتي أبوك لايكذب وهو صادقٌ عندما يكذب!" وقالت :" سيأتينا ماركو العزيز عندما تتفتّح الزهور عندها ستزرعين قبلتك على خدّه"
صدقت والدتها لم يكن والدها يكذب