الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

لوحة رامبرانت: شمشون ودليلة . والخطأ الذي كان جميلا.


 شمشون ودليلة ١٦٢٨


أوّل مرّة رأيت هذه اللوحة كان في عدد من مجلّة "العربي" وكان إسم اللوحة - كما هو مكتوب بالخطأ- " الإبن البار"! بسبب هذه اللوحة أحببت لوحات رامبرانت كثيرا. وبهذا العنوان سلب كلّ تفكيري وقادني بعيدا لمحاولة معرفة قصّة هذه اللوحة. كان المشهد يبعث على الحزن، لا أدري تخيّلتها أمّ تحاول أن تخبّئ إبنها ممن يطاردونه. وتنظر بأسى إلى الرجل الواقف فوقها وبالخلف رجل يطلّ مما ينبّئ بأنّ الأمر ليس سهلا. ولكن بعد أن عرفت إسم اللوحة الحقيقي. تبدّلت نظرتي كثيرا.



 قصّة شمشون ودليلة:
 
شمشون رجل من بني إسرائيل تعذّب منه الفلسطينيّون -قوم دليلة- لقد كان بينهم الكثير من المشاكل والدماء. أحبّ شمشون دليلة وهي من قوم أعدائه، فتزوّجها ولكنّها باتفاق مع قومها غدرت به وقادتهم إلى نقطة ضعفه - قطع خصلات من شعره- فاقتحموا البيت وهو نائم على ركبتها دون أن يدري. في لوحة رامبرانت لايبدو موقف دليلة كما يمكن أنّ نتصوّره من القصص التي ذكرت الحادثة. رسم المشهد كثيرا من قبل العديد من الفنّانين العالميين. ولكن هذه اللوحة تبدو مختلفة. وكأنّ رامبرانت أراد أن يقول القصّة بطريقة أخرى.  


بخصوص رامبرانت:

يمكنك أن تجزم بخطأ أيّ شخص يقول: الرسّام "هذا" هو أعظم رسّام في التاريخ، إلا إذا قال رامبرانت. فهو الأقرب لكيّ يكون كذلك. الحديث عنه أطول مما نتصوّره: بورتريهاته الشخصيّة بمراحل عمره المختلفة، حكايته الأليمة مع وفاة أبنائه وزوجته وعيشه وحيدا. لعلّه أكثر رسّام عاش كلّ تفاصيل حياته كرسّام، كونه نبغ منذ بداياته شبابه إلى آخز لوحاته. فهو حالة إنسانيّة تجسّد الفنّ على صورة، سيرة ذاتيّة. ومن أهمّ ماشتهر به رامبرانت لوحاته التي تصوّر القصص من الإسرائيليّات.   





 لوحة تمثّل تكملة للمشهد رسمها رامبرانت عام ١٦٣٦م  بعد ثمان سنوات من رسمه الأولى.

السبت، 26 نوفمبر 2016

أحقّا! لم يسبق لك مشاهدة ون بيس؟

قبل الإنمي كلّ مافي ذاكرتي كانت المسلسلات الكرتونيّة التي شاهدتها منذ الصغر. كنت أمزح مع أخي الأصغر وأقول بأنّ الإنمي للصغار في كلّ مرّة أشاهده وهو يتفرّج عليها باهتمام. لكن في ذلك اليوم قلت: ماهو أشهر إنمي موجود حاليّا؟  قال: هجوم العمالقة. قلت: وماهي قصّته؟ عندها قال لي مختصر قصّتهم بطريقه كانت مثيرة وجذّابة، لعلّ ذلك راجع لهوسه بالإنمي ذاته. قرّرت أن أشاهد حلقة لأجد نفسي أنهي حلقات الإنمي البضعة وعشرين في وقت قصير! شعرت بالضيق لنهاية الإنمي كان مثيرا ولم أحتمل نهايته ولازلت بانتظار جزئه الثاني ولن أبالي كم سيكون عمري عند قدومه. طلبت منه إنمي آخر قال: Death Note. وقلت: هاته، ليتكرّر الأمر ولكنّ هذه المرّة لم للإنمي جزء ينتظر.


ومن بعدها بدأت بالبحث عن أي إنمي آخر، فقد شعرت بأنّ هناك ماسيعجبني. وكانت الإجابة في كلّ مرّة أسأل: One Piece  حتّى الأجانب كانوا يقولونها لي: شاهد ون بيس. ولكن ..




لم أشعر بالحماس من النظرة الأولى؛ شعرت بأنّ هذا الإنمي مناسب للأطفال لا أكثر بسبب بهلوانيّاته، وشكل الرسومات، بالإضافة إلى صدمتي عندما علمت بأنّ الإنمي يتحدّث عن القراصنة!






كانت صورة القراصنة مرتبطة عندي بقراصنة القبطان فلينت. لم أكن مستعدّا لتقبّل فكرة أنّ أشكال ون بيس مناسبة لتحكي شيئا عن القراصنة ولو من باب الدعابة. ولكن أحدهم قال: هنالك شخصيّة جاك سبارو التي تحبّها، وهي لقرصان ظريف.






مثلما أحببت شخصيّة جون ديب بجاك سبارو، قلت بأنّني قد أحبّ شخصيّة مونكي دي لوفي (بطل ون بيس). وبدأت بالمشاهدة. وكانت هنالك بالبداية هذه المقدمة التي لاتصدر من عمل كرتوني بسيط ولا من إنمي عاديّ





















 كانت هذه بكلّ بساطة مقدّمة الإنمي (الأجمـل) قبيل إعدام جولد روجر الملقّب بملك القراصنة. أعدم في الجزيرة التي ولد فيها ولذلك سمّوها بـ "جزيرة البداية والنهاية"! حتّى الأسماء واختيارها في ون بيس لها عمق يلفت الإنتباه.




مختصر القصّة "صيغة الويكيبيديا" :


بدأت السلسلة بإعدام غول دي. روجر، الرجل المعروف بلقب "ملك القراصنة" (海賊王 Kaizokuō؟). قبل موته، أعلن روجر أن كنزه، الون بيس (ひとつなぎの大秘宝 (ワンピース) Wan Pīsu؟)، سيكون متاحاً لأي شخص يعثر عليه، مسبباً بدء "عصر القراصنة الكبير" (大海賊時代 Dai Kaizoku Jidai؟). نتيجة لذلك، انطلق عدد لا يحصى من القراصنة نحو الحد الكبير للبحث عن الكنز.
انقضت اثنتان وعشرون سنة منذ إعدام روجر، وانطلق مونكي دي. لوفي، فتى شاب صغير أُلهِم من قبل محبوب طفولته القرصان القوي "شانكس ذي الشعر الأحمر"،الذي كان عضوا سابقا لقراصنة غول دي روجر في رحلة من البحر الأزرق الشرقي ليبحث عن الون بيس ويصبح ملك القراصنة. لدى بحثه لتكوين طاقم قراصنته، قراصنة قبعة القش (麦わらの一味 Mugiwara no Ichimi؟)

أزيد على ذلك: بأنّ السبب وراء القدرات الخارقة لدى العديد من الشخصيّات هو تناولهم لفاكهة مجهولة تدعى "فاكهة الشيطان" وكلّ فاكهة لها قدرات مختلفة. كلمات روجرز الذي كان ملكا للقراصنة في حياته أسطورة في مماته.






أكثر ماجعل ون بيس متماسكا، هو عالم ون بيس نفسه وخريطة عالمه:








الخلفيّة التي تستند عليها القصّة كانت رائعة، ومناسبة للقصّة لأبعد حدّ. البحر بات يقسّم عالم البشر، ويفصل فيما بينها وبات انتماء الشخص منسوبا إلى البحر الذي يعيش فيه، الأزرق: (الشرقي، الغربي، الشمالي، الجنوبي). الإنمي على ضخامته لاتحسّ بأنّ هنالك أشياء عبثيّة تمّ حشوها، ماأعنيه مثلا: أنّك لن تجد مخلوقات كرتونيّة فاقدة الذاكرة، كعادة الكثير منها؛ عند حدوث حدث هام تجده تنتهي ذكراه في ذهن شخصيّة الإنمي، مما يجعلك تشعر بأنّها مخلوقات عبثيّة. لكن مع ون بيس تشعر بأنّ الشخصيّات حيّة بالفعل، لها ذاكرة تعيش فيها: عائلة وقصّة وطموح. شيء يحدث بالحلقة الخامسة تجدهم يذكرونها وتجد أحداثها تترك آثارها بالحلقة الخامسة بعد المئة (١٠٥) !. لاشيء يحدث عبثا. وكذلك كلّ الشخصيّات والتضاريس تمّ رسمها لوجودها لم يتمّ رسمها لملء الفراغ، مثل بقيّة الكرتونات التي تدرك من ألوان الشجر والحجر أنّها ورقة في المشهد لا أكثر. في ون بيس كلّ شيء مختلف.
 وبالإضافة إلى البعد الجغرافي الجميل للإنمي، يوجد البعد التاريخي والبعد الإجتماعي  والوضع العام الرسمي للبلدان (حكومة العالم في ون بيس). حيث يبدو أنّ كلّ ذلك في عالم ون بيس يتماشى بشكل ممتاز مع القصّة وارتباطاته محكمة ولالبس فيها.  








الصورة هذه بالذات تصبح أكثر ظرافة عند مشاهدتك للإنمي. حتّى الابتسامة التي بدت لي .. لاأودّ أن أذكر وصفها لأنّني ندمت على ذلك. الصورة بكاملها في منتهى الظرافة، حتّى صورة الشخص الموجود خلف لوفي، ستدرك معناها أكثر عند مشاهدتك. هذا الإنمي قادر على ملء ذهنك بكلّ ماهو جميل، تماما كما ملئت هذه الصورة بكلّ شيء. وجه ضاحك طفولي ومبلغ ضخم يدلّ على مدى خطورة هذا الشخص وشخص بالخلف لايعرف من هو وكيف ظهر، بدى كأيّ شيء عابر كالحجارة بالخلف ولكن لاشيء مثل ذلك بون بيس.









هذا هو طاقم (بطل ون بيس) مونكي دي لوفي. لكلّ فرد قصّته المميّزة وشخصيّته الفريدة. لن تشعر بالملل عند الإبحار\الإمعان بمشاهدتهم. كانت القصّة وهي تسير بشكل جميل تحمّل معها في كلّ فترة واحدا من أفراد طاقم لوفي لينضم إليها حتّى اكتملوا.
للإنمي قدرة عجيبة على جعلك تتقبّل بعض الأشكال الغريبة بجديّة. إن كنت لم تستسغ الصورة لوجود رجل عبارة عن هيكل عظمي وحيوان صغيربرفقة طاقم القراصنة، فأنت لست بحاجة إلا لمشاهدة الحلقة الأولى وستجد أنّ الإنمي عالم آخر، ستعيش فيه كواقع لاندماجك في عالمهم فتتقبّل كلّ ذلك بتلقائيّة.   





الفنّ الياباني بون بيس

اليابانيّون بارعون بالفنون الرمزيّة البسيطة. فرسوماتهم الفنيّة تمتاز بالبساطة وهي تعبّر عن فهم عميق وقدرة فائقة على التعبير بذلك بكلّ بساطة.
 من أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي، أسلوبهم بابتكار الشخصيّات، مثل الشخصيّات الشريرة بمختلف المراحل. وقد تمّ اقتباس العديد من الشخصيّات التاريخيّة المشهورة وتمّ إعادة تصويرها على هيئة شخصيّة بالإنمي مثل: أنف يوسوب الطويل وشكل غيكو موريا -الموجود بالصورة السفليّة: فوق يسار وبشعر بنفسجي-  كلّ ذلك لإعطاء أبعاد أخرى على الشخصيّة استنادا الى الشكل والقيمة الثقافيّة للشكل الأصلي المقتبس منه. وكما أنّ لهم قدرة فائقة على التعبير، فإنّك ستجد ذلك بملامح الشخصيّات الكثييرة بالإنمي، خاصة القراصنة. كأّنهم قادرون على قول الكثير حول شخصيّة ما بطريقة رسمهم لملامحها، وكثيرا بأسلوب فكاهيّ لطيف. حيث أنّك تصطدم كثيرا بشخصيّة مرعبة ولكنّها تتصرّف تصرّفات مضحكة، دون أن تشعر بأنّ ذلك يخلّ بها. وستجد مشاهد مثيرة ومهيبة لعرض القوّة ولن يخلو البعض منها من بعض الظرافة التي ستتفاجأ بأنّها ترسم ضحكة بسيطة على لحظات ملامحك الجديّة!
ولن تجد شخصيّات مثل بعض الشخصيّات الفضائيّة الغريبة بالكرتونات القديمة. والتي كان بعضها عشوائيّا، بحكم أنّها -فرضا- مخلوقات فضائيّة. لكن هنا كان التصوير بحدود الأشكال البشريّة غالبا.
     






صورة مجتمعة لعدد من شخصيّات الإنمي






صورة لعلم القراصنة الخاص بلوفي. وعادة مايكون العلم يصوّر شكلا تقريبيّا (كأيقونة) للقبطان. الأعلام أيضا مجال جميل لرؤية الأسلوب التعبيريّ.   





استمرّ لوفي على مرّ القصّة وهو يجمع طاقمه. وفي كلّ مرّة يزداد قوّة وكذلك أعداؤه. وكلّ ذلك يجري بتسلسل تتفهّمه، بحكم أنّك كنت معه بالقصّة وكذلك كونه تدرّج طبيعيّ بطبيعة القصّة بكلّ بساطة. وأثناء الرحلة ستجد عوالم أشبه بالعوالم التي شاهدناها وقرأنا عنها في رحلاتنا بالكتب والأفلام مثل: الزومبي، وسكاي لاند. وكلّ ذلك في إطار القصّة المحكم.





هل كلّ شيء هزليّ في ون بيس؟ 













إطلاقا، بل إنّ هنالك الكثير من الأحداث التي تحبس الأنفاس. حتّى بين الأصدقاء. وإن ظلّت روح الفكاهة حاضرة مثل: أنف "يوسوب" المضمّد والأشبه بأنف بينيكيو؛ وعلى فكرة لم يتمّ إختيار أنف بينيكيو عبثا. فقد كانت هذه إشارة جميلة في شخصيّة يوسوب المحبوبة، ومثل هذه الإشارات الرائعة لاتخلوا من أيّ وجه بون بيس.  




الكوميديا في ون بيس:










بالنسبة للضحك، فهو شيء خاص في ون بيس. لن تجد أظرف من المسلسلات اليابانيّة في كوميديّتها. وكأنّ كلّ الكوميديا التي اشتهروا بها في كرتوناتهم قد جمعوها في ون بيس. في كلّ شخصيّة تقريبا من طاقم لوفي شيء مضحك: غباء لوفي وسذاجة شوبر وأكاذيب يوسوب وتوهان زورو وغراميّات سانجي وجشع نامي وصولا لمفاجآن بروك وجموح فرانكي. كوميديا لاتعتمد على الحركات والصور فحسب، بل في المواقف والكلمات وأشياء تفاجئك وتتساءل كيف تمّ اختلاق هذا الموقف الغبي بذكاء! البهجة لا تكاد تنقطع في حلقات ون بيس، حتّى من قبل أشرار ون بيس تجد مايضحكك بامتزاج مناسب مع جوّ الحدث.   





الموسيقى في ون بيس:





هذه الأغنية هي بمثابة "خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل صندوق" الأغنية المشهورة في المسلسل الكرتوني: جزيرة الكنز. المقطع هنا في غاية العمق لمن يصل لهذه الحلقة ويعرف مناسبة الغناء هنا. ستجد الكثير من المقاطع الموسيقيّة بمختلف الحلقات وون بيس ثريّ بهذه المقاطع.







في هذا المشهد، حيث قام لوفي -ذو الوجه الطفولي الظريف- بلكم أحدهم. ستشعر بأنّه فعل ذلك بكلّ قوّتك أنت!






من سوق العبيد بإحدى الحلقات.




باختصار، لايوجد مسلسل إنمي مثل ون بيس. ولاتنسى: إيّاك أن تشاهد المسلسل بالدبلجة العربيّة إيّاك. فحتّى الأصوات أختيرت بعناية فائقة ومنسجمة مع الشخصيّة بشكل جميل. أيضا لايمكن لكلماتنا أن تنقل لنا ماتعنيه بعض الكلمات التي ألفناها في الإنميّات. لن يكون الأمر جيّدا إن لم نسمع كلمات مثل : ناندا، ناني، دوشتا. لنسمع ترجماتها بالعربيّة. ولاأتخيّل المسلسل دون سماع لوفي يقول: "أوريوا لوفي"  لنسمع بدلا من ذلك :" أنا لوفي".     

الاثنين، 21 نوفمبر 2016

-٦-

-٦-

أذكر يومها كيف كنت غريب الأطوار أمامهم. في أشدّ اللحظات سعادةً لطالما كنت كذلك. وكم استغرب كلّ من حولي ذلك. وكأنّ الفرح بأشدّ حالاته كان غريبا عليّ.

حبّ من طرف واحد. دانتي آليجري

vide cor meum
"see my heart"

اسم لمقطوعة لحنها الايرلندي باتريك كاسيدي وتمّ عرض مقطع منها في فيلم "هانيبعال" الجزء الثاني من "صمت الحملان" وهي مستندة الى كلمات دانتي آليجري الموجودة في كتابه "حياة جديدة".

تلك الكلمات كان قد كتبها دانتي في أول فتاة أحبّها وهي بياتريس. والتي تزوجت وماتت باكرا وهي على مايبدو لم تكن تعرف شيئا عن كلّ ذلك الشعور الذي كان دانتي يكنّه لها.

لم يستطع دانتي أن يغذّي قلبه إلا برؤيتها وإلقاء التحيّة عليها عندما يصادفها في الطريق -كأيّ أحد كانت تبادله التحيّة- ، كان قلبه يقتات من تلك اللحظات البسيطة ولأنّ ثواني العاشق ساعات لاعجب أن كتب كلمات تستعرّ شوقا اليها. فقط عندما يغدو العاشق وحيدا وفي محراب ذكراه يكتب عن حبّه أو عذابه لأنّ الحبّ ليس إلا عذابا وإن كان لذيذا بلذّة الكلمات التي كتبت فيه. ولاشكّ أنّ لحظات التأمّل والتذكّر كانت هي البديل عن لقاء الحبيب. كمن يصنع دمية لمن يريد العيش معه ويعيش معها ويعطيها قسمة من روحه!.

مجرّد كتابة اسمها واسم دانتي في google ستشاهد عشرات اللوحات التي رسمها العديد من الفنانين وبالطبع ستجد زمرة الفنانين الانجليزيين الذين كوّنوا مجموعة فنيّة لإحياء فنّ عصر النهضة وفنّ رافايل وقد رسموا نفس العنوان جميعا! وهو اللقاء الذي كان يجمعهما صدفة بالطريق. وكأنّهم يقولون: انظروا فقط من خلال تلك اللقاءات كتب دانتي ماكتب فيها. المقطع يصوّر مثل ذلك اللقاء والذي لايعلم أحد كم مرّة تكرّر ذلك وربّما بعدد اللوحات التي رسمت تلك اللحظات.







 جزء من لوحة رسمها هنري هوليدي عام ١٨٨٣م وهي تصوّر تلك اللحظة.

يحكى أن عبدالله بن عبّاس -رضي الله عنه- كان يستعيذ من العشق عندما رأى رجلا اختلف عليه عندما رآه نحيلا قبل موته بعد أن كان جسيما ولم يكن به داء إلا العشق!. كثيرا مانسمع كلمات الحبّ وأغاني الحبّ والعشق وهي تترنّح بألحانها كترنيمة فرح! يبدو أنّ هنالك لبس في فهم العشق.
قد تسمع أغنية أجنبيّة يتحدّث المغنّي عن الحبّ والهيام وكلّ ذلك من واحدة ربما يقضي معها أطول الأوقات اسبوعيّا وإن لم يكن يوميّا ويلتقيان في أكثر الأماكن خصوصيّة وبانفراد! برمكاننا أن نعتبر الأمر جزء من التلوّث الذي أصاب هذا العصر وأصاب مفهوم العشق والذي لم يكن يعني إلا المعاناة لصاحبه، لـصـاحـبـه! وعندما يمرّ بنا مثل هذا الكلام في الكتب لعلّنا ننسى أن ذلك يعني (من طرف واحد) بكلّ ماتعنيه هذه الكلمة من معنى، بمعنى أنّ المعشوق بالكاد يعلم عن ذلك الحبّ إلا عندما يمرّ على العاشق في حلمه.

أتذكّر كلمات الشاعر ابراهيم خفاجي من أغنية محمد عبده "أشوفك كلّ يوم". لاأعرف أعنية وصفت العشق بصدق وببساطة مثلها. لاأتخيّل عاشقا إلا وقال مثلها في نفسه. ففي مقطعها:


"أشوفك كلّ يوم وأروح
وأقول نظرة تردّ الروح
أعيش فيها عشان بكره
عشان ليلي اللي كلّه جروح"

"ومادام النظر مسموح
أشوفك كلّ يوم و ... "


كلمات ربما تكرّرت كثيرا وبجميع لغات العالم لأنّ العشق لايفرّق بين اللغات.

وعودة الى المقطع والكلمات باللغة اللاتينيّة إلا أن ترجمتها الانجليزيّة هي:



Chorus: And thinking of her
Sweet sleep overcame me

I am your master
See your heart
And of this burning heart
Your heart
(Chorus: She trembling)
Obediently eats.
Weeping, I saw him then depart from me.

Joy is converted
To bitterest tears

I am in peace
My heart
I am in peace
See my heart


عندما نقول بأنّنا عاجزون عن التعبير كأنّنا نقول بأنّنا نجد صعوبة في ترجمة مشاعرنا لمن يتحدّث معنا (وبنفس لغتنا) فكيف بلغة أخرى؟.
ترجمة الشعر عمل شاق بل يبدو غير مفهوم وبحاجة إلى أن تعرف قصّة النصّ وخلفيّته لعلّ ذهنك يساعدك في ترجمة مشاعر صاحب الكلمات. عندما أقرأ شعرا أجنبيّا أجد صعوبة في فهم الكثير من مغزا الكلمات، إذا أردت أن تدرك مدى صعوبة فهم التصوّر بين اللغات انظر الى تعابير الـ slang مثلا.
عندما نقول عن أحدهم بأنّ قلبه أبيض سنفهم بأنّه طيّب القلب لكن الأجنبي عندما تقول له: he has white heart سيتعجّب من قولك ولن يفهمك. بالطبع مثل تلك التصوّرات ليست إلا جزئيّات بسيطة من القصائد الأجنبيّة في حين أن مفهوم الحبّ،الفراق،الألم مشترك بجميع اللغات وبالطبع الموسيقى تفهمها كلّ لغات العالم لذلك بالموسيقى ترجمان نفهمه جميعا.

باختصار ترجمة الشعر تحتاج الى ترجمة.
والقصص والمناسبات والموسيقى والخيال كلّ ذلك وسيلة لترجمة:ترجمة الشعر.

وهذه هي الأغنية وهي تصوّر مشهد اللقاء الشهير.






نفس الأغنية كيف مشهد مشهور لفيلم Hannibal





الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

المتاحف الفنيّة تعبّر عن ذائقة بلدانها

حقيقة لم انتبه لهذا الشيء إلا عندما وجدت اللوحات أحيانا تكون متشابهة. بأنواعها وفنانيها عند كلّ بلد أو كلّ متحف. أو لنقل هنالك شخصيّة أو مزاج عام يتحكّم باختيارها. مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف والصدف.

عند الحديث عن اللوحات ينصب الكلام حول لوحات فنان معيّن أو مدرسة معيّنة أو فنّاني بلد معيّن. لكن نادرا مايتمّ الحديث عن لوحات متحف بلد ما. يتمّ الحديث بشكل عام عن لوحات متاحف فرنسا أو انجلترا أو المانيا وغيرها وكأنّ وجود اللوحات فيها كان عشوائيّا أو مجرّد مقتنيات تمّ جمعها.

لنتحدّث قليلا عن مافي المتاحف ونقف لكي ندرك بعض الأمور التي ستكون أوضح عند الحديث من هذه الزاوية. بدأت أشعر بوجود شيء ما حول ذلك عندما شعرت بأنّ لوحات رامبرانت الموجودة بالمتاحف الألمانيّة بالذات تعجبني، أو لنقل لها طابع خاص.






 بالرغم من أنّ فان غوخ رسم تقريبا أكثر من ٩٠٪ من أشهر لوحاته بفرنسا إلا أنّ فرنسا لاتحتفظ إلا بعدد قليل جدّا من لوحاته! وهو الذي رسم أكثر من ٥٠٠ لوحة. جلّ ما تملكه فرنسا نالته من مجموعة الدكتور جاشيه الموجودة بمتحف أورساي بباريس والذي رسمه فان غوخ في نسختين واحدة بفرنسا وواحدة بيعت بمبلغ قياسي عام ١٩٨٩م ولوحة لوجه امرأة كانت رسما مبدئيّا للوحة المشهورة "آكلوا البطاطا" الموجودة بهولندا ولوحة أخرى صغيرة تصوّر أبقارا هي نسخ للوحة الفنان الفلمنكي جوردانيس الموجودة بنفس المتحف بمدينة ليل وثلاث لوحات جميلة بمتحف النحّات رودان ولوحة أخرى تصوّر قطارا بمتحف بجنوب فرنسا. هذه تقريبا هي لوحات فان غوخ الموجودة بفرنسا ومن بين اللوحات الموجودة بفرنسا البورتريه الذاتيّة التي رسمها عام ١٨٨٩م وهي واحدة من أكثر من ٣٠ بورتريه ذاتي، تحتفظ فرنسا بهذه وبواحدة أخرى فقط. الجزء الأعظم من لوحات الفنّان موجود بهولندا لأنّ لوحات الرسّام التي لم تكن مرغوبة وقتها كانت تؤول لأخيه ثيو.










لوحة "جبل سانت فيكتوار" لبول سيزان ١٩٠٤م. يقال بأنّ التكعيبيّة بدأت من هنا.
 
 رسم سيزان هذا الجبل العديد من المرّات وبمختلف الأزمنة. واحدة فقط من هذه اللوحات موجودة في فرنسا أمّا الموجودة بالصورة وهي من النماذج الثمينة فموجودة بفيلادلفيا. الأمر الملفت هو أن أكثر بلد يفتقد إلى لوحات فنانيه: فرنسا! بلد الفنّ والفنّانين. أنظر أين هي أجمل وأروع لوحات بول سيزان وإيدجار ديجاس وجورج سورات وغيرهم؟ الكثير منها خارج فرنسا بعد أن تمّ رفض لوحاتهم سعى تجّار اللوحات أصدقاء وداعمي الفنّانين المرفوضين إلى فتح أسواق جديدة لهم. فكانت النتيجة هجرة جماعيّة للوحات خالدة استقرّ الكثير منها في الولايات المتحدة. رغم ماعُرف عن الفرنسيين وعاصمتهم باريس بأنّها قبلة الفنّ والفنّانين. هل السبب القوّة الشرائيّة المتواضعة مقارنة بغيرهم؟ أم أنّ ذلك عائد إلى أنّ من كان يهتمّ بالفنّانين هم الناس العاديين ومجموعة من المثقّفين بخلاف المسؤولين وكبار الموظفين ورجال الأعمال؟! الأمر مفتوح للتفكير. ولو أنّ الأمر يبدو وكأنّ الشغف الجماعي لغير الفرنسيين بهؤلاء الفنانين بدأ باكرا قبل أن يلتفت الفرنسيون أنفسهم إليهم. لم تكن تلك البلدان متخمة بالفنّانين لذلك كان من السهل أن يميّزوا من الخارج ماهو مميّز بالفعل. وخير مثال على أنّ الفرنسيين فقدوا الكثير من إبداعات فنّانيهم خاصة من الإنطباعيّين هو تواضع أعمالهم الموجودة ببقيّة المتاحف الفرنسيّة خارج باريس. هذه الحالة مرّت بفرنسا خاصة مع الانطباعيين ومن أتى بعدهم.












لوحة "العصبة الحاكمة بالفلبين" جويا ١٨١٥م موجودة بمتحف جويا بمدينة Castres بفرنسا


فنّانون لم يخرجوا كثيرا من بلدانهم وآخرون خرجوا كثيرا من بلدانهم، كيف..؟

بخلاف فرنسا تحتفظ اسبانيا بأكثر أعمال فنّانيها العظام. خاصة فيلاسكيز وجويا فهي لم تسمح بتسرب أعظم أعمالهما. ولها مجموعة كبيرة لفنّانها بيكاسو رغم أنّه عاش حياته بفرنسا. جويا عاش آخر حياته بفرنسا، ببوردو ويوجد متحف بالقرب منها يحتفظ ببضع لوحات جميلة له. مستواها يقارب البضعة الأخرى الموجودة باللوفر لنفس الفنّان ومن بينها اللوحة الأجمل "العصبة الحاكمة بالفلبين" متاحف فرنسا بوجه عام فقيرة بالفنّ الاسباني رغم قربها ورغم الصلات السياسيّة والعائليّة بين أسرهما الحاكمة. ايطاليا فقدت الكثير من لوحات فنّانيها، ولعلّ السبب الرئيسيّ في ذلك كونها كانت بلدا معرّضا للغزو كثيرا من قبل الفرنسيين والاسبان والنمساويين، وأغلب أراضيها كانت تحكم من الخارج أو من أسر أتت من النمسا وفرنسا. لم تكن بلدا مستقلا تحكمها أسرة حاكمة واحدة وقويّة. ويكفي أن نعرف بأنّ أغلب لوحات دافينشي وأشهرها موجودة خارج ايطاليا مثل "عذراء الصخور" واحدة باللوفر وأخرى بلندن والموناليزا بالطبع. ولحسن حظّهم "العشاء الأخير" رسمت على الجدار. وهنالك انجلترا التي أيضا احتفظت بأغلب أعمال فنّانيها الكبار. فلوحات تيرنر وكونستابل ولورانس منتشرة بمتاحفها أكثر من انتشار لوحات فنّاني فرنسا العظام بمتاحفها. هنالك بلدان لم تشتهر بالفنّانين لكنّ حظّها كان عظيما بالاحتفاظ بأعمال فنانين عظام خرجوا منها مثل: مونش من النرويج وكليمنت من النمسا. وبالمرور بهولندا، نجد أنّ الكثير من أعمال فنّانيها موجودة خارج هولندا والسبب في ذلك شهرة العديد من رسّاميهم أثناء حياتهم أو بعد مماتهم واندفاع هواة الفنّ لشرائها قبل انتشار المتاحف الوطنيّة. فلطالما أعجب الأثرياء بلوحات رامبرانت ورويسدال. الحديث عن نسبة أعمال الفنّانين الموجودة بمتاحف بلدانهم يظهر لنا تباينا في نسب تواجدها وأسبابها. قد يكون سبب خروج لوحات الفنانين الفرنسيين أيضا هو إعجاب محبّي الفنّ بفنّانيها مما جعلهم يزاحمون الفرنسيين أنفسهم باقتنائها.
  كما رأينا عوامل كثيرة تساهم في إخراج لوحات الرسّام من موطنه. ولكلّ بلد ورسّام ظروفهم الخاصة.




حسنا وبعيدا عن الفنّانين نركّز على المتاحف بشكل أكبر. ونحاول أن نرى الملامح البارزة لبعض المتاحف. عند تناولك لكاتالوج يحوي لوحات للوفر سترى بأنّها تعجّ باللوحات الايطاليّة، بسبب عشق ملوكها وكبار رجالها بفنّانيها وكلّهم من طبقات متقاربة. في حين نجد أن المتحف الوطني بلندن يمتاز بتنويع فريد أكثر اتّزانا من اللوفر نفسه! فهو يملك أعمالا أكثر تنوّعا وشمولا. دعونا من ذلك ولنتحدّث عن موضوع أكثر تشويقا. متحف Uffizi بفلورنسا هل تعرفون بأنّه يحوي أجمل مجموعة للوحات Self-Portrait ؟

متحف Uffizi يضم أجمل لوحات الصور الذاتية ولأعظم الفنّانين وبشكل ملفت وفريد. فلنتأمّل مجموعة منها لندرك بأنّ جمع مثل هذه اللوحات بالذات لاتكون من باب المصادفة أبدا. وأنّها ميزة لاتعرف كثيرا لدى المتاحف الأخرى.





رفايل 1509  






فيلاسكيز 1645




روبنز 1625






جاك لويس دافيدز 1791




آنجرز 1858




لورانس آلما تاديما 1896




لويزا لوبرن 1790





موريس دينيس 1916




رامبرانت 1639



.. ويوجد أكثر من ذلك بكثير ولفنّانين عظام. وبعضهم لاتتوفّر لهم صور ذاتيّة إلا بنفس المتحف وبعضها وجودها غريب في متحف ايطالي مثل لوحة الانجليزي آلما تاديما. التأمّل في سيرة لوحات بعض الفنّانين ورحلتها في عالم المقتنين والهواة جميلة. وقصص وصول بعض اللوحات للمتاحف أكثر جمالا. وبالمناسبة أغلب اللوحات تواجدت بالمتاحف بفضل المانحين الكرماء الذين وهبوها لبلدانهم قبل أو بعد وفاتهم. وأحيانا تقوم المتاحف بشراء اللوحات من المزادات زو الملاك وعادة ماتدفع المتاحف الأمريكيّة والانجليزيّة مبالغ أكبر بكثير من الفرنسيّة.

ولننهي الحديث عن المتاحف ومقتنياتها نذكر بأنّ في مصر متحف يحوي على مجموعة ثمينة جدّا للوحات الانطباعيين مثل رينوار ومونيه وسيزلي ولوحة لفان غوخ. وقطر بدأت تقتني لوحات عالميّة لكن مع الأسف بمبالغ خرافيّة لسيزان مثلا وغوغان.