الثلاثاء، 11 أبريل 2017

الشعر و كم هو مستحيل على الترجمة.

أكثر من مرّة حاولت قراءة الشعر الأجنبي المترجم ولكن دون جدوى. الكثير من كتب الشعراء الآجانب كانت تجذبني عناوينها وبعض اقتباساتها وألاحظ تعلّق الكثيرين بها. كانت هنالك أسماء كنت أتضايق لعدم قدرتي على تذوّق أشعارها: آليجري، لوركا، ريلكه، رامبو، إليوت، طاغور. وشعرت بالأسف بعد أن عرفت بأنّ فيكتور هوغو قد يكون أعظم كشاعر أكثر من كونه روائي! ومايؤسفني أكثر أنّه وبعد زمن وصلت لقناعة تامة أنّ ترجمة الشعر مستحيلة. وأنّ الأمر يبدو كمن يصف لوحة جميلة بالكلام، مهما كان الوصف موفّقا ستظلّ تشعر بأنّك تفتقد لرؤية اللوحة الأصل. 

الكثير من الكتب تحدّثت عن الترجمة وهنالك مترجمون تحدّثوا كثيرا عن ذلك مثل أمبرتو ايكو وهو أديب ترجم وتُرجم له. ولاتوجد ترجمة أثارت الجدل مثل ترجمة الشعر ولا أذكر أن أحدا قال وبكلّ جرأة بأنّه يمكن ترجمة الشعر مئة بالمئة، بل إنّ شاتوبريان الأديب الفرنسي المعروف ومترجم (الفردوس المفقود) لجون ميلتون إلى الفرنسيّة إعترف بأنّ الطريقة الوحيدة لترجمة شعر ميلتون هي بالنثر. أيّ أنّ الشعر وبكلّ بساطة سيفقد أهمّ دعائمه بعد الترجمة.

كيف نقول بأنّ الترجمة مستحيلة وليست صعبة للشعر؟ 
لك أن تتخيّل شخصا يترجم معلقة أمرؤ القيس هل تتصوّر بأنّ شخصا انجليزيّا بعد أنّ يقرأها مترجمة قادر على إعادة كتابتها إلى أصلها العربي؟ لا بالطبع. لعلّ أقرب وسيلة ممكنة هو أن يترجم شخص يحسن كتابة الشعر بالعربيّة والانجليزيّة ترجمة القصيدة، ومع ذلك ستظلّ القصيدة المكتوبة قصيدة المترجم نفسه.


لا يُستغرب أبدا أن يسمّي الكثير الأعمال المترجمة بالخائنات الجميلات وأن توصف الترجمة بالخيانة الوفيّة مثلا. مشكلة الشعر أنه يستمدّ جزءا كبيرا من جماله باللفظ صوتا ونطقا (وقعه على الأذن واللسان) وهو شيء لا يصاغ بالمعنى. 

لنضرب أمثلة أخرى على استحالة الترجمة ، وبالنسبة للروايات الأمر مختلف ولكن بدلا من أن نقول مستحيلة سنقول بأنّها صعبه ولكنّها ممكنة بمقدار. 

 مثلا لو أن شخصيّة روائيّة  استشهدت بهذه الأشعار"تجري الرياح بما لاتشتهي السفن" أو "اللي يبينا عيّت النفس تبغيه" كيف سأترجم ذلك؟ حسنا سأترجم ماهو موجود كلمة\كلمة ولكن المقطع الأوّل يوحيّ بأنّ الشخصيّة قد تكون مهتمّة بالشعر الفصيح والثانية توحي بأنّها شخصيّة تهتمّ بالأبيات الشعبيّة ولكن هل يستطيع الأجنبي الذي سيقرأ الترجمة معرفة ذلك؟ أنّ الشخصيّة استشهدت ببيت شعبيّ أو ببيت فصيح؟ الأمر الذي قد يوحي بعدّة أمور حول الشخصيّة نفسها أو جزء من مكمّلات الشخصيّة نفسها.  يمكن تفادي ذلك بوضع علامة وتوضيح بالهامش زو بجلب مثل شعبيّ باللغة المُترجم إليها -وهي طريقة مستخدمة- يوازي المثل الشعبيّ المترجم. ولكن حتما المثل الشعبي سيكون مختلفا لفظا وتاريخا ومايمثّله معنويّا قصّة وخلفيّة. أيضا نعرف بأنّ لكلّ مثل عربيّ أو شعبيّ وقعه النفسيّ والوجداني وأيضا الكثير من الشخصيّات المعروفة بثقافاتنا عندما تُذكر لها وقعها فينا والوقع لايمكن ترجمته. 

ليس ذلك وحده مالايمكن ترجمته بدقّة، إذ أنّ اللهجات لايمكن ترجمتها و لك أن تتخيّل نفسك وأن تشرح لأحد معاني قصيدة جميلة أعجبتك لشاعر عربيّ وأنت مع الأسف لاتحفظ أي بيت منها ولذلك تحاول عبثا شرح معانيها وإيضاح جمالها وأنت متأسّف لأنّك لم تستطع قول بيت واحد فيها. كذلك ترجمة الشعر بالضبط بالنسبة لي. وأتفهّم كيف أنّ مترجما بحكم معرفته باللغة الأصل يشعر بالأسف لأنّه لايستطيع أن يبيّن لنا جمال القصيدة إلا بشرحها. 


إنّه لمن المؤسف فعلا أن لايمكن ترجمة الشعر. فهنالك مقاطع جميلة جدّا، بل أحسب تشعّ روعةً؛ إذ أنّها وبلغة أخرى استطاعت أن تحافظ على جمالها، وكأنّ للبشر صيغ لغويّة معيّنة أو كلمة سرّ\سحر قادرة على تكون بمعناها الأتمّ وبأيّ لغة. 


"حيث يستعصي الأمل، الذي لايستعصي على أحد"
جون ميلتون

"سيجيء الموت وستكون له عيناك"
تشيزاري بافيزي

هذه من أكثر المقاطع التي تمنّيت أن أشعر بقراءتها بلغتها الأصليّة كمتحدّث بها. هل هي جميلة مثلما تبدو بلغتنا؟.  

حتى بحال تعلّمك لغة الشعر نفسه أحيانا لايتذوّق الشعر من هو يتحدّث باللغة نفسها كلغة أم فكيف بشخص يتحدّثها كمتعلّم لها؟! الكثير منّا يعرف قدرا من الانجليزيّة وله مخزون لابأس به من كلماتها ومع ذلك قد يصعب علينا كثيرا تذوّق الشعر الانجليزي. فنحن لانملك ذلك المخزون الذي يحيلنا إلى ماتعني الكثير من كلمات من معاني واعتبارات وتاريخ استخداميّ لها. أيضا لاننسى بأنّ الكثير من الروايات تحمل جملا كتبت بطريقة شاعريّة وقريبة من الشعر، أيضا ذلك زمر ماكلّ مترجم يستطيع ترجمته، كلّ ذلك يبيّن لنا أن الترجمة والمترجمين فيهم أشخاص عظام كما يوجد كتب ومؤلفين عظام.

وقبل أن أختم أحبّ أشارككم بمقطع أعجبني كثيييرا باللغة الانجليزيّة، ولا أدري لماذا هو بالذات ولا أدري كيف يمكن أن يترجم بأجمل العبارات.

Hail, ye small sweet courtesies of life, for smooth do ye make the road of it.
لورانس ستيرن




الشعر كنز الشعوب الفريد، فهو لم يكن مستحيلا على الترجمة عبثا. إنّه لصيق بالأمم الناطقة به ويفهمها أكثر من غيره لدرجة أنّ لا أحد يستطيع تذوّقه كما هو إلا بلغة وفهم أهله. فهو الإنتاج الإبداعيّ البشريّ الوحيد -إلى حدّ ما- القادر على الصمود والبقاء داخل الصدور. الشعر هو الابداع  الوحيد -ربّما- الذي استطاع الانسان الأميّ أن ينافس الانسان المتعلّم به، فلايستطيع أيّ متعلّم أن يدّعي أفضليّته على الأمّي بالشعر. تماما مثل اللغة.