الجمعة، 12 مايو 2017

أناشيد وطنيّة تذكّرنا بشيء من تاريخ بلدانها

مبدئيّا قد تبدو الأناشيد الوطنيّة مملة واعتياديّة مثل الطابور الصباحي بالمدارس وفقرة ثقيلة مثل ترديد النشيد الوطني للمنتخبات المتنافسة بكرة القدم. لكن الكثير من هذه الأناشيد لها قصص وتعتبر نصوص تاريخيّة أصيلة لبلدانها. أتذكّر مقال تحدّث عن أفضل عشرة أناشيد وطنيّة -ولا أعرف بأي معايير كانت- كان النشيد الهولندي بالمرتبة الأولى. وهو أقدم نشيد وطنيّ معروف. إنّ إلقاء نظرة على كلمات هذا النشيد والذي يذكر "وليام أورانج" يعطيك نبذة مختصرة عن هولندا. ذلك البلد الصغير الذي استطاع انتزاع استقلاله بقوّة من أعظم امبراطوريّة موجودة وقتها، اسبانيا الهابسبورغ بالنصف الثاني من القرن السادس عشر، وعند نموّها اصطدمت بامبراطوريّة عظمى يحكمها أعظم ملك لها فرنسا لويس الرابع عشر، وقد دخلت معها في حروب مرهقة وطويلة وكثيرا ماعانت من منافسة الانجليز بنفس الفترة. لم تكن هولندا ندّا لفرنسا التي كان لملكها أطماع وشهيّة لالتهام أمجاد ولو بحجم بلد مثل هولندا. لم ينسى الهولنديون مافعله الفرنسيون وعندما اعتلى وليام الثالث الأمير الهولندي عرش انجلترا لم يمت إلا بعد أن قرّت عينه بتحالف أوروبيّ حطّم الأطماع الفرنسيّة وكسرت غرور ملكها الذي اكتفى بنصر رمزيّ كبير وهو وراثة حفيده عرش اسبانيا حيث لازالت نفس الأسرة تحكم، ولكنّ بلده انهت الحرب وقد خسرت الكثير وباتت على اعتاب خسارة كلّ شيء تقريبا. 

في النشيد نبرة الإصرار والتحدّي لملك اسبانيا واعلان لولادة هولندا كبلد مستقل.





بالنسبة لي أعتقد أنّ أجمل نشيد بالنسبة لي هو نشيد بولندا، ذلك البلد الذي التهم كثيرا من قبل ثلاثة امبراطوريّات تآمرت عليه بقسوة، حتّى كاد أن يضيع من الخريطة إلى أن خطّ نابليون حدودا "لدوقيّة فرصوفيا" وهو ماذكره النشيد الوطنيّ وفي النشيد دعوة بعد مجيء نابليون لديبرووسكي أحد نبلاء بولندا للقدوم الى الوطن الأم من أجل القتال لها. الاستهلال كان في غاية الروعة. 

"بولدنا لم تمت بعد .." 



في النشيد حيث يكثر الترديد : march march Dabrowski  لاأجد كلمات عربيّة تصفها، لكن بإمكانك حين قراءتها تخيّل شعور مردّديها.
لبولندا تاريخ مرير ومليء بالحسرة وتستطيع أن تجد الحماس واضحا عندما يردّد البولنديون هذا النشيد في مناسبات مختلفة. 



أمّا النشيد الفرنسي "المارساييز" وهو أشهر نشيد على الإطلاق. كتب هذا النشيد عندما تحالفت ملكيّات أوروبا ضد الجمهوريّة الفرنسيّة، كان الوضع يبعث على اليأس كلّ جيوش أوروبا على الحدود  إلا أنّ الجمهوريّة قد نجت بأعجوبة وبعد إصرارها. عند قراءتك لتاريخ تلك الفترة ستشعر بأنّ الوضع فعلا كان ميؤوسا منه، فكيف بمن عاش تلك الأيّام.



أيضا هنا يكثر ترديد "marchons marchons" ولها نفس وقع مافي النشيد البولندي.


على الرغم من أن النشيد الفرنسي يدعو للنهوض ضد الظلم إلا أنّ هذه الجمهوريّة أذاقت العديد من البلدان ماكانت تدعو لقتاله في نشيدها. قد توجد العديد من القصص التي تستحقّ الاعجاب في العديد من البلدان الأخرى (غير الأوروبيّة) ولكن الكثير من الأحداث طمستها أو همّشتها لعدم ادراكهم لقيمة رموزهم الحقيقيّة.

هنالك أناشيد كثيرة تخبرك عن بلدانها مثل "المانيا فوق الجميع" وغيرها. وللأناشيد رمزيّة يتمسّك الكثير بها، فقد طرد مدرب المنتخب الصربي السابق ميهالوفيتش اللاعب الصربي المسلم آدم لياليتش لعدم ترديده النشيد الصربي وقد نسيت السبب الذي دفع اللاعب الى ذلك وكان قد عبّر عن حبه لبلده رغم ذلك.  

الملاحظ أن أغلب الأناشيد تذكر الرب وتدعوه ليحفظ بلدانها والكثير منها تأتي على ذكر الدماء التي سالت في سبيلها، ويندر أن يولد بلد بلا دماد، كما يندر أو يستحيل أن يلد الإنسان بلا دماء.    


بالمناسبة وهذا هو النشيد الوطنيّ السعودي القديم والذي كتبه الشاعر اللبناني سعيد فيّاض، قبل النشيد الحالي كلمات الشاعر ابراهيم خفاجي.