الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

-١٠-

-١٠-

التوقّف عن التفكير هو أكثر شيء يقلقني، أفضّل أن أفكّر بالأشياء السخيفة على أن لا أجد شيئا أفكّر به. نعم أشياء سخيفة لايضرّ التفكير بها ولها مفعول جيّد لنسيان أمور نحتاج لأن نستريح منها قليلا. قد يبدو ذلك غريبا أن نواجه تلك الأمور بالتفكير بأشياء سخيفة. اليوم كان جلوسي طويلا في المقهى مع فيلم تسجيليّ لطيف. نظرت إلى الساعة وبدأت على عجل ألملم أغراضي: شاحن، مودم، سمّاعة، إلخ وكلّها تقول: كمّ لبثنا؟. فتحت الباب لأخرج لأجد أنّ اليوم قد فاتني.

السبت، 23 ديسمبر 2017

-٩-

-٩-

لا أدري كيف فكّرت بأنّه يمكن أن نكتب شيئا يشبه مانفعله برغبة مختبئين عن عيون الآخرين. لعلّ أوّل متعة اكتشفناها بطفولتنا هي تلك الحماقات التي نفعلها خفية ليس الى حدّ كأنّ لم تكن بل الى حدّ يبقينا آمنين. لا أدري هل الفكرة صعبة التعبير أم أنه لايوجد شيء مثل ذلك يمكن أن يكون. لبرهة تصوّرت أنّنا نكتشف هذا العالم بأفكارنا، طالما يمكن أن يكون فكرة فهو موجود ومالايمكن التفكير به فهو حتما غير موجود، ليس لأنّه يصعب تعبيره بل لأنّه يصعب تفكيره. يوم آخر كسابقة، عدى عن قصص مختلفة قرأتها من كتاب الأمس نفسه.  

الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

-٨-

-٨-

البحث عن شغف جديد يلازمني، لا أحتمل البقاء وحيدا دون اهتمامات لأنّ ذلك كفيل بإفراغ روحي. إنّني أحدّث نفسي وأسلّيها عبر الأشياء التي أهتمّ فيها. حيث أجد شكلا من روحي. اليوم قرأت د.إتش. لورانس وكم كان اكتشافا مثيرا، فهو يوقظك من خلال التفاصيل التي يكشف عن ساقها بالقصص، ويمثّلك عندما يعبّر عن غضبه أو نفوره من شيء ما كأنّه يمنحك فرصة لتنفّس عن شيء ما في داخلك. كتب القصص القصيرة والتي تجمع شمل المبدعين فرصة جميلة لرؤيتهم من بعد للتعرّف على ميزة كلّ واحد منهم.

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

-٧-

-٧-

لاشيء يذكر قبل أنّ أبدأ بالتفكير بالكتابة. ولاموضوع يحدث فيني انفعالا يدفعني لأنهي ماأودّ قوله. كلّ مافي الأمر أنّ الصمت بات يغمرني أكثر وأنّ سطح الكلام بات أبعد من أيّ وقت مضى، وقبل فوات الأوان أحببت أن أتنفّس في عمق هذه الأيام والتي باتت تشبه الغرق.    

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

الصورة تتحرّك! : مالذي أحدثته الصورة عندما تحرّكت

في ذكرى توماس أديسون كان هنالك اقتراح لإطفاء جميع الأنوار في الولايات المتحدّة تكريما له، لكن تنفيذ ذلك كان مستحيلا ولم يتمّ الأمر. هذا الحدث يبيّن العمق الذي وصل إليه هذا الاختراع بحياتنا. لاشكّ وأنّ نظرتنا إلى الضوء ووصفه والتعبير به قد تغيّر كثيرا معه -الجدير بالذكر أنّ أديسون لم يكن الأوّل لكنّ اختراعه هو ماجعل المصباع متاحا للجميع- .






 مثل ذلك وأكثر حدث عندما تحرّكت الصورة. فعند ظهور أول صورة وفوتوغرافيّة ١٨٢٦م كان يوجد سباق نحو تطوير آلة الكاميرا والتوسّع باستخدامها. ومثل "المصباح" هذا الاختراع لم يظهر فجأة. بدأ مبكّرا مع الفرنسي نيبيس ومن جاء بعده ولكن كلّها كانت صورا ساكنة. حتّى تحرّكت الصورة بطرق مختلفة منها ماجرى باختراع المصوّر مايبريدج لتحريك الصور المرسومة  ١٨٧٩م وكذلك الصور الفوتوغرافيّة لاحقا بنفس الاختراع -مثل صورة راكب الخيل- ومن بعدها ظهرت مشاهد متحرّكة بالربع الأخير من القرن التاسع عشر.

 كلّ ذلك حدث بزخم عالي يجعل اعطاء نبذة أو حكاية دقيقة عن ماحدث أمر صعب وشاقّ. إنّ ماحدث عندما تحرّكت الصورة لأوّل مرّة كان يجب أن يخلق صدمة هائلة تشبه قيام تمثال "داوود" لمايكل آنجلو بتحريك يده ليحكّ أنفه، ولكن يبدو أنّ تمثال داوود قام بذلك في غفلة منّا ، حيث كان التصوير يأخذ مجراه واكتماله بكلّ ذلك الزخم مع الوقت قبل الحركة كيف كنّا ننظر للصورة؟ أغلب التماثيل الجامدة واللوحات هي بالأصل ثانية ساكنة من حدث متحرّك أو صامت. حيث كان خيال المشاهد هو من يقوم بتحريك ماتبقّى من ثواني وذلك كان يجعلنا نستغرق بالتفكير والتأمّل ونقوم بتحريك هذه الصور مرارا وتكرارا عبر خيالنا. أو بكلّ بساطة بتركها ساكنة مع استشعار أثر الحدث الساكن حال حراكه. إن تحرّك الصورة سيفقدنا الكثير من ذلك حتما. 



في لوحة إدغار ديغا "الدخلة" أو كما تعرف أحيانا "الاغتصاب" ١٨٦٩م يقوم العنوان تلقائيّا بتحريك المشهد. وكعادة ديغا -وهو برأيي الرسّام الوحيد الذي لايمكن الحديث عن تاريخ فنّ الصور الفوتوغرافيّة والفيديو دون التطرّق له- وكمعجب بآلة التصوير الحديثة كثيرا ماقام برسم اللوحات آخذا في الاعتبار الحركة التي ستجري في ذهن المشاهد. نستطيع القول بأنّ ديغا كان بذلك يرسم كمخرج سينمائيّ. أيعني يعني أنّ حركة الصورة سوف تفقد المشاهد جزءا كبيرا من التأمّل. إذا كيف يستطيع المخرج إظهار عمل يدعو المشاهد للتأمّل؟ ولكون الاختراع والسينما كانت في بدايتها لم تكن تلك الصور المتحرّكة إلا أشياء مسلية وتوثيقيّة في الغالب. إذ أنّ الإنسان شيئا فشيئا بدأ يكتشف قدرة السينما (الصورة المتحركة) على إظهار عمق تعبيريّ من خلالها. الفكرة ليست بتصوير حدث كما هُوَ، حيث سيكون خيالك عاطلا عن العمل. بل في إظهار تفاصيل وتعابير الوجه والديكور والموسيقى تجعلك هذه المرّة تعيش الحدث بنفسك بدلا من أن تتخيّل حدوثه، ولاشكّ أن الصورة المتحرّكة ستجعلك قادرا على تخيّل ذلك أكثر من الصورة الساكنة. لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّ السينما إستطاعت أن تخلق مجالا للتأمّل يشبه ماتقوم به الصورة الساكنة، عبر الأحداث المقطوعة، واللامفهومة، والنتائج التي لم تعرض كامل تفاصيلها، كلّ ذلك عندما يتمّ بحرفيّة عاليّة سيجعل خيالك لايكفّ عن الاستغراق في إعادة وتحليل كلّ تلك المشاهد التي لم تروى. 



الأمثلة كثيرة جدّا ولكلّ مخرج أسلوبه في ذلك.قرأت مرّة أن المخرج فيديريكو فيلليني تحدّث عن مشهد بمقهى روساتّي كان يودّ اخراجه لرجل وامرأة كانا يأتيان كثيرا للمقهى ويتخاصمان كلّ مرّة، وبعد مدّة بات الرجل يأتي وحدة ليجلس وحيدا بالمقهى، كان الحزن باديا عليه وكان ينظر للفراغ. كانت المرأة قد ماتت. أراد فيلليني تصوير ذلك بالطبع فيلليني لم يعجبه طلب المنتج أن يروي بالتفصيل مالذي حدث لهما وأن يسهب في ذكر التفاصيل، إذ أنّ هذه التفاصيل أراد أن يتركها المخرج للمشاهدين وحدهم. حتّى عند تصوير كامل التفاصيل تمكّنت الصورة المتحركة من فتح مجالٍ آخر للتعبير. 


في فيلم Jeanne Dielman 1975 للمخرجة شانتال اكرمان في مشهد اعداد القهوة، لايوجد أيّ فراغ متاح للتخيّل. فقد كان المشهد طويلا وكاملا لاعداد قهوة كاملة من-إلى. التعبير الذي يوصله الفيلم عبر ذلك كان بليغا، إذ أنّه فعلا سيخلق لك ذلك الشعور المرير وحالة الضجر التي تعيشها بطلة الفيلم بكلّ بساطة. على صعيد المخرجين، كان هنالك فنّانين أكثر من كونهم مخرجين تقنيين أوكلت لهم مهمّة تصوير مشهد أو قصّة بمؤثّرات رائعة. حيث أنّهم لم يكونوا تقنيين بقدر ماكانوا فنّانين. استطاعوا خلق صورا سينمائيّة رائعة بأساليبهم التعبيريّة. 

ببساطة قام الانسان باكتشاف الكثير من أساليب التعبير عندما تحرّكت الصورة، لم يكن أثرها مقتصرا فقط على السينما، بل على الشعر والكتابة وكلّ شيء. بل إنّ الصورة عندما تحرّكت قامت بنحت خيال الناس كافة. ومن يدري لعلّ الصورة عندما تحرّكت وفرّت على الروائيين عناء سرد العديد من المشاهد المتحرّكة ووصفها وحثّتهم على الالتفات أكثر إلى مايحدث في عمق الإنسان بدلا عن ذلك . كم من البشر أتيح لهم مشاهدة صورة لموج هائج يصطدم بالصخور قبل تحرّك الصورة؟ الآن حتّى الذي لم يشاهد بحرا في حياته يمكنه مشاهدة ذلك عبر التلفاز. ليس لهذا المشهد فحسب بل وغيره الكثير، 

ولاشكّ وأنّ أهوال الحرب اكتسبت معنى أشدّ عمقا بالعصر الحديث وبالحرب العالميّة الثانية بفضل الصورة المتحرّكة بالذات. أهوال حروب أخرى كانت مخيفة مثلها لكنها لاتبدو كذلك لأنّها جاءت قبل أن تتحرّك الصورة. بعد تحرّك الصورة أصبح الإنسان أجرأ على الخيال. حتّى تمثال داوود يمكنه  أن يحكّ أنفه الآن بمشهد كرتوني، في حين لايمكن تصوّر أن تلك الفكرة كانت يمكن تخيّلها قبل أن تتحرّك الصورة.





  بالصورة لوحة رينيه ماغريت عنوانها La perspectiva amorosa - 1935 ماغريت لم يكن يحرّك فرشاته على لوحاته وحسب بل وعلى عناوينه. وفي هذه اللوحة وبالشكل المنظور يمكنك أن ترى حركة سالفة لجسم ساكن.    
بالنهاية قد نقول بأنّ الحياة دبّت بالصور عندما تحرّكت أو عندما بدأت الأفكار تتحرّك داخل الإنسان عوضا عن جمودها، ليكتشف معاني جديدة فبات شاعرا في تصويره المرئيّ كما هو شاعر في كلماته.