الأربعاء، 31 يناير 2018

-١٢-

-١٢-

(كان يوجد بريد وعد صاحبه بأنّ الجميع يستطيع أن يرسل مايشاء دون أن يتوقّع أيّ ردّ أو أنّ تقرأ رسالته)
 
لو كان هناك بريد لسلّة المهملات ولرسائل لاتقرأ أراهن بأنّ هذا البريد سيكون مليئا برسائل المرسلين. إنّ الكتابة قد تكون رهينة الخوف والخدعة، فنحن لانكشف عن كلّ شيء نشعره أو نريده. وحيث تكون الكتابة خائفة فإنّها تحاول إخفاء ماتضمره وتخدع القارئ إلا أنّها تترك منفذا يمكن للتفكير النفاذ إليه حتّى يقف على حقيقة مافي صدر كاتبها. وكأنّ الكاتب رهينة يحاول قول شيء بطريقة لاتمسّ سلامته. قد يجيد أحدهم قول شيء عبر تكرار أسلوبه وتكرار سرديّاته حتّى يقول بطريقة أخرى أنّه يشعر بالاختناق إلى حدّ أنّه لم يعد قادرا على الخروج من سياج أسلوبه، قد يقول ذلك خارج كتابته عبر لقاء أو تصرّف أو سطر ينفذ من خلال هذا السور بخفّة، بما يشبه زلّة لسان.  التكرار كتابة أخرى، لايوجد أحد يكرّر شيئا ما إلا ويود أن يقول شيئا غير الذي يكرّره. مالذي يعنيه مثلا تكرار فان غوخ لرسم الأحذية بمختلف الوضعيّات؟ صحيح الرسم ليس كتابة ولكنّه تعبير. ولك أن تسأل مالذي يجعل جرأة صارخة في الكتابة والتعبير أو حتّى الإخراج عاجزة عن قول كلّ شيء بوضوح؟ مثل فيلم Salo مالذي يجعل فيلما جريئا لحدّ القرف كهذا يقول شيئا بطريقة غير مباشرة؟ أيوجد شيء أجرؤ مما قيل بالفيلم؟ أمّ أنّ الأشياء التي نودّ البوح بحقيقتها لايمكن أن نخرجها بلاحشمة على الملأ. أعرف بأنّ الفكرة غير واضحة وأدرك بأنّ تلك الحقائق التي أفترض وجودها عن بعض الكتابات الخائفة موجودة فقط لأنّني يمكن أن أشعر بها دون أن أصفها بوضوح. إنّ أكثر شيء مؤسف في الواقع هو أنّك لاتستطيع إلتقاط القرّاء إن كان أسلوبك مملا وهذا مايجعل مشاعرك وإن كانت فاتنة -لو كانت لها صورة- محرومة من الظهور ولو خفية. لهذا يحاول أحدهم أن يطوّر أسلوبه وأن يطوّر ويطوّر حتّى يجد نفسه قد دفن مايودّ قوله بركام محاولاته العابثة ومايخيف هو أن تموت عندها لن يكون هنالك معنى لكلّ ذلك.

بقي أن أقول بأنّ ذلك البريد سيمتلئ لا لأنّ هنالك أشخاص لايريدون لأحد أن يقرأ ماكتبوه، بل لإنّ ذلك يشعرهم بالطمأنينة -كتبتها طمأمينة مرّتين قبل التصحيح ولا أدري لمَ؟- على كلّ حال سيودعها وفي قلبه أمل طفيف بأنّها ستقرأ في يوم ما ولو كان هذا الأمل يشكّل ١٪ لا أكثر ولكن هذا النوع من الأمل الطفيف يخلق رئة في صدر الكاتب تتنفّس بطمأنينة -هذه المرّة لم أخطئ بها- لحين علمه بقراءة أحدهم لرسالته ، عندها لا أملك وصفا بسيطا أعبّر به عن كتابة قرِأت وكيف يمكن أن يكون شكلها بعد ذلك. 

لا أجد طريقة تنهي الموضوع إلا بذكر ما فعلته للتوّ
أنهيت فيلم The Hateful Eight (2015) لم تكن قفزة موفّقة خارج سور فيلم Reservoir Dogs (1992) 

بقي أمر آخر ولا أدري لم أذكر ذلك. تعرفون المشهد المألوف بالأفلام والانميّات وافلام الكرتون لشخص يكتب شيئا على الورق وبعد ذلك يقوم بتمزيق الورقة ويقذف بها بعيدا ويتناول بيأس ورقة أخرى جديدة يلحقها نفس المصير بعد أو حرف يخطّه! سؤالي كيف يمكن لشخص يكتب شيئا على جهازه أن يفعل مثل ذلك؟ إنّ زرّ "حذف" بغيض وساخر ولايشبه إطلاقا الورق الذي يمنحك شعورا مرضيا لأنّه يريك كيف تنتقم من سخافتك التي كتبتها أمام عينيك   
  

الأحد، 14 يناير 2018

١١

-١١-
احتقان بسيط في الحلق ولازال ينتقل من مكان إلى آخر بحثا عن مكان يتسلّل من خلاله. جرّبت كلّ وصفحة أتذكّرها والتي كانت إحداها سببا في تخفيف الألم ولا أعرف ايّاها مايجعلني أعيد تجربة كلّ شيء في كلّ مرّة. أحيانا أحسّ بأنّ الحياة هي محاولة تجربة كلّ شيء من أجل شيء ما لا نعرفه. للتخلّص منه أو الحصول عليه، لا أعرف بالتحديد وكذلك لا أعرف إن كانت تلك التجربة "اياها" أفعلتها أم لم أفعلها بعد.