الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

قبل أن ألقي طفولتي في سلّة المهملات





قبل آن آلقي طفولتي في سلة المهملات قرّرت أن آحتفظ قدر الإمكان بما أمكنني في شريط "كاسيت" يحفظ أجمل الأغاني واللقطات في أفلام الكرتون. لم تعد الأشرطة متوفّرة وحفظها بات معقّدا كنت قد حفظت أغلب مافيها عن ظهر قلب، لطالما أعدت تكرار الشريط أكثر من مرّة في جلسة واحدة، لم يكن هنالك شيء لأفعله في بيتنا البعيد. قد يبدو الأمر غريبا ومرعبا لكنّي أدرك أن هذه الأشرطة تركت تأثيرها العميق فيني. لم أدرك كعادة أيّ  انسان كلّ شيء إلا متأخّرا اعتادت الأفلام كرتون أن تضيّق الخناق على الأمل  وفي الحلقة الأخيرة يذهب كلّ  شيء وتتحقّق الأحلام. كنت في قرارة نفسي أؤمن بأنّ كلّ كلّ أحلامي ستتحقّق في الحلقة الأخيرة من حياتي لكن الحياة ليست مسلسلا كرتونيّا! الآن أدركت بأنّ الحلقة الأخيرة من حياتي لن تنتهي بتحقيق شيء وأنّي لن أكون إلا شخصيّة هامشيّة رسمت على عجل في حلقة ما. لازالت ملامح الوجوه في أفلام الكرتون تعطيني فكرة عن الأشخاص الذين أقابلهم في حياتي، كنت أستعين بخبرة الرسامين في تحليل شخصيّات الناس من حولي وذلك مايجعلني ساذجا ولا أفهم بالضبط مالذي يعنيه الناس في تصرّفاتهم، إنّهم لايتقيّدون بما كنت معتادا عليه في الشخصيّات الكرتونيّة. لم يكن يزعجني أن أبدو غبيّا، لطالما كانت الشخصيّات الغبيّة طيبة القلب في عالم الكرتون. أحببت أن أكون طيّبا وإن جعلني ذلك غبيّا أمام الجميع. حلمت كثيرا أن أبدو شخصيّة كرتونيّة في عالم أفلام الكرتون لكن الأمر انتهى بي وأن جعلني شخصيّة كرتونيّة في الواقع، كيف يمكنني أن أشرح ذلك؟ إنّ ذلك يدفعني للحديث عن أشياء لا أودّ الحديث عنها في حياتي ومواقف ليست مخجلة ولكن لا أريد ذكرها ببساطة. حزنت غالبا عند كلّ حلقة أخيرة في أي مسلسل كرتوني أحبّه كنت أعيد مشاهدة الحلقة أكثر من مرّة طالما أنّها الأخيرة كنت بذلك أحاول أن لاتنتهي وتمنّيت أن أهرب من حياتي إليهم، كنت أعيد مشاهدة الحلقات زملا في أن يدعوني للإنضمام إليهم. على كلّ  حال أطفأت الجهاز ولم يدعوني أحد للانضمام اليه، لا الشخصيّات الكرتونيّة ولا الناس من حولي لهذا وجدت نفسي أعيش في برزخ خالي من الحياة. على كلّ حال لاشيء من ذلك يهمّ، أعود للحديث عن "كاسيت" الذكريات التي جمعتها. بطبيعة الحال أغنية (في قصص الشعوب) لأصالة و (جرندايزر) وصوت الكمان في أغنية (فارس الفتى الشجاع) وفيها أجمل قصّة حبّ شاهدتها في عالم الكرتون بعد (رانما ٢\١) والسبب أن قصّة الحبّ كانت هامشيّة. ولقطات من (ليدي اوسكار) بطبيعة الحال لقطات لنهايات معيّنة. وكذلك أغنية (جزيرة الكنز) الأجمل ولحظات الوداع المؤثّرة. في تلك الأثناء كانت أغنية (السندباد) تعرض على التلفاز فقمت بتسجيلها مع الجميع. وأغاني كثيرة لكن ختامها مع أجمل أغنية كرتونيّة (النسر الذهبي). الأغنية الجديرة التي لم تكن موجودة كانت (ريمي الفتى الشريد).

لو أن أحدا سألني ماهو أجمل مسلسل كرتونيّ شاهدته لذكرت له قائمة بالأفلام الكرتونيّة التي تمنّيت لو عشت فيها. على كلّ حال وضعت طفولتي جانبا مع "الكاسيت" الى عالم الأفلام، الوحيد الذي وجدته يشبه عالمي ويشبه تصويره وتصميمه للشخصيّات العالم الكرتونيّ هو ستانلي كوبريك! كانت اكتشافا سعيدا بالنسبة لي، لم أفهم مالذي جعلني أحبّ هذا المخرج بالذات واعتبرته يعبّر عن ما أريد لو كنت مخرجا، الآن فقط أقول لأنّ عالمه يشبه العالم الذي عرفته في أفلام الكرتون. وفي عالم كرة القدم أحببت برشلونة من صميم قلبي، كانت كرة القدم تلعب للمتعة فيه، وهذا مايجعلك قادرا على التمنّي للعب معهم بالفعل.

ورغم حبّي لكلّ  شيء تقريبا من: موسيقى وأغاني ورسم وشعر وكتب وروايات وقصص وأفلام لكن الشيء الوحيد الذي تمنّيت لو كان من تأليفي أنا هو (هجوم العمالقة) هل لذلك علاقة بطفولتي؟ لا أدري بالفعل. كما أنّي لا أدري إن كان ماقلته حول تأثير ذلك العالم الذي خبأته في "الكاسيت" صحيحا. وهل أنا قادر على اخراج نفسي من ذلك البرزخ والوصول الى أيّ  عالم يمكنني أن أعيش فيه كشخصيّة طبيعيّة.

الأمر يبدو غريبا ولكن الأكثر غرابة هو أن الشخصيّة الكرتونيّة التي يقول الكبار من حولي بأنّي أحببتها كثيرا بطفولتي هي (كاليميرو)! حسنا لا أذكر الأيّام التي شاهدت فيها هذا الكرتون، لأنّي كنت أصغر من أن أذكر أيّ  شيء منه لكن المضحك أن الشخصيّة تشبه كثيرا ما تحدّثت عنه. فرخ يضع قشرة البيض على رأسه، وكأنّه يعيش في برزخ ولم تكتمل ولادته في هذا العالم بعد.