الاثنين، 4 فبراير 2019

عن نونيّة ابن زيدون و هل على الحبّ أن يكون مؤلما أو أن يكون من طرف واحد؟

بالبداية أعترف بأنّي عجزت عن كتابة ما أودّ حول قصيدة ابن زيدون التي أحبّ. وأكثر شيء كنت أخشاه أن ينتهي استعدادي الى قراءة انطباعيّة عنها. 

أكتب ذلك وأنا أشعر بخيبة الأمل. 

وعقابا لي سأنشر ما كتبته كما هو: 


لاشيء يغذّي الحبّ أكثر من الحرمان ولاشيء يعكس حقيقته الأنقى إلا أن يكون من طرف واحد أو أن تجعله الظروف كذلك. هل هو شعور يدفع صاحبه أم أنّه شعور يندفع صاحبه فيه؟ هل لهذا الحبّ لذّة تشبه لذّة الألم؟
 للجرح ووخز الإبرة لذّة خفيّة لاتتعدّى مقدار جزء من ثانية يشعر المرء بأنّه قد شعر بها ولهذا قد نجد من يؤنّب نفسه ويعاقب نفسه ويؤلمها ويجد في ذلك لذّة خفيّة، هي لذّة ألم خفيّ عبثا يحاول المرء البحث عن تلك الوخزة وكأنّه يبحث عن ابرة في كومة قشّ. قد يغرق المرء نفسه بالألم حتّى يفقد أي أثر لتلك الوخزة فتغدوا آلامه بلا فائدة ويتشوّه شعوره كليّا

يصعب على المرء أن يزن مقدار مايحتاج من ألم ليلمس ذلك الشعور أو عمقه. الشعور به يحتاج الى شعور دقيق وحسّ مرهف. الكثير يحبّ  أن يلمس جرحه وكأنه يداعب ألمه ولا يفعل الشعراء إلا ذلك في قصائدهم وهي تحكي عن الفراق والحرمان والأحباب. يخطفنا بيت من قصيدة كوخزة! محاطة بالآلام حتّي أنّنا بالكاد نشعر بها عندما نقرؤ ذلك البيت دون باقي أبياته/آلامه. هل تستحقّ الوخزة كلّ  ذلك؟ بغضّ  النظر عن قولنا أصبحت تلك قصائد تسير بهالأزمان جيلا بعد جيل.



لم يدفع الحمد العذريين نحو العفّة لاشكّ  وأنّهم وجدوا فيه ما وجده عمر بن أبي ربيعة ولكن بصورة أخرى. ولو بدوا في أذى من حالتهم تلك. وهو ماتشير إليه أشعارهم، قد نشعر بشيء من سرور لكن ظاهر الحزن يخفي كلّ ذلك 
    

"يمكننا أن نحبّ دون أن نكون سعداء ويمكننا أن نكون سعداء دون أن نحبّ، لكن أن نحبّ ونلقى السعادة أن نجمع بين هاتين المتعتين الانسانيتين الكبيرتين هو الاعجوبة." 

من رواية بلزاك: (أسرار الأميرة دي كادينيان)


وإن كانت تكفينا وخزة من قصيدة حبّ كاملة فإن قصيدة ابن زيدون (أضحى التنائي) تكفي لأن تكون  وخزة قصائد العشق كلهّا. أبياتها تسرّك رغم مافيها من حزن وألم. شيء أقرب إلى الجنون أو إلى أن يكون المرء قادرا على أن يستأنس بحزنه

ليس للحبّ نهايات سعيدة إلا أن ينتهي هو نفسه. لطالما أنهت الحكايات قصص الحبّ بنهايات -يسمّونها سعيدة- تنتهي بالزواج والوفاق ومثل ذلك ولو استمرّت الحكاية قليلا لوجدنا ذلك الحبّ يتذبذب أمام أبسط المشاكل المنزلية.

في برزخ ما يقع الحبّ لذلك كانت أبيات ابن زيدون من أجمل مايكون بالكاد كان وصفه مكتملا وصريحا، إذ أنّه يترك مساحة خالية لاندفاعك نحو اكمال ذلك الشعور في كلّ بيت يعجبك وكأنّ قافية النون تشجّعنا على ذلك.

وقد نكون ومايخشى تفرّقنا 
فاليوم نحن ومايرجى تلاقينا
..
ماحقّنا أن تقرّوا عين ذي حسد
بنا، ولا أن تسرّوا كاشحا فينا

 وكذلك كان أكثر من اقترب من نقطة الألم تلك لأنّه كان يحوم حولها وهو يذكر تقلب الأحوال في كلّ بيت تقريبا، لازال في كلّ بيت يوغل الحسرة بعمق في كلّ  مرّة يذكر ماكان ايحاءً حتى ينهي بما آلت اليه أحواله ويظهر ذلك بدءا من مطلع قصيدته المشهور.

ياساري البرق غاد القصر واسقي به 
من كان صرف الهوى والودّ يسقينا
..
ويانسيم الصبا بلّغ تحيّتنا
من لو على البعد حيّا كان يحيينا
..
ياروضة طالما أجنت لوحظنا
وردا جلاه الصبا غضّا ونسرينا

 طالما أن الحبّ غير واضح فمن الأولى أن يوصف بمثل ذلك، بصورة لاتكون أقرب للحلم فيروى البيت ويفسّر مثل الحلم 

واذ هصرنا فنون الوصل دانية
قطافها فجنينا منه ماشينا
..
ويانعيما خطرنا من غضارته
في وشْي نعمى سحبنا ذيله حيـنا

كانت الصور تشبه مقتطفات أو بقايا مبعثرة على اختلاف أشكالها إلا أنّها كانت وكأنّها حروف تقول كلّ شيء، هذه الأشياء المبعثرة والتي كشف عنها ابن زيدون كما هي داخل حجرة قلبه. إنّه يحيط بالمعنى الذي يكتمل تصوّره في ذهن القارئ فهما وشعورا تماما مثلما يقول في هذا البيت 

لسنا نسمّيك إجلالا وتكرمة
وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا


القصيدة أجمل من أن تظلم باقتباس شيء منها، هي قصيدة تتمنّى لو أنّك كتبتها وبالنسبة لي أجد أن أعمق وصف يمكن أن يعبّراعجابك بعمل ما هو أن تتمنّى بأنّ العمل كان لك.






بصوت: ماجد الشبل الله يرحمه