الاثنين، 25 مارس 2019

كرسيّ

كرسي وطبيب أو طبيبة نفسية ولكيّ لا أكثر الكلام أذكر أني قلت لأصحابي بأني أحلم بالجلوس على كنب جلديّ  فخم لونه بنّي غامق أغوص فيه. 

أدخل على الطبيب ولا أطيل في التحديق في وجهه لأنّ ذلك سيكون كافيا ليكون شخصا معروفا بالنسبة لي وكافيا كي أخشى أن أقول أي شيء حقيقي عنّي. إن ماسيجعلني أندفع لقول كلّ  شيء هو رهاني على بلادة مشاعره وكثرة القصص التي رويت له لاشيء مميّز يمكنني قوله ولو كان ما سأقوله واقعيّا وصادقا ذلك سيجعله شيئا تافها وعابرا أمام قصص الدراما التي قيلت له في هذا الكرسيّ على كلّ  مالذي كنت سأقوله:

  


(bla bla bla ..)

سأخبرك بسرّ أنا أعرف تماما تلك الأحداث التي أثّرت على طفولتي. تماما مثلما يقال كثيرا وبشكل مبتذل أنّ أحداث الطفولة لها تأثير عميق على حياة الإنسان.  لن أقول لك الأشياء التي أثّرت فيني وكانت سببا في فشلي إذ أنّ ولادتي كانت أكبر سبب لفشلي على حدّ علمي. لا تسخر منّي أعرف أكثر من كلمة كنت ألثغها دون أن أشعر وكان الجميع بما في ذلك من هم أصغر منّي يحدقون استغرابا بي. ليس العجز هو من جعلني أقلب حرف الـ "ر" الى "غ" بل إنني وبكلّ صدق كنت أسمع الـ "ر" "غ" حتّى عندما يخرج من فمي هذا الحرف كنت أستغرب مالذي يجعلهم لا يقبلون هذا الحرف اللعين كان المعلّم -بالمرحلة الابتدائيّة بعد أكثر من سنة وهذه المرّة مع حرف "ط" الذي يتحوّل الى "ق" معي- يشير الى لساني والمشكلة تشير إلى أذني. تجاوزت علّة النطق كلّ مافي الأمر أنّ سماع الجملة أمام تحديق الجميع كان مفزعا وأنا على استعداد بأنّ لا أسمح للظروف بأنّ تجعل من الجميع يحدّق بي لأي سبب كان.

هل أقول لك بأنّي أذكر المرة الأولى التي مشيت بها؟ لاشكّ أنّي كنت أحلم أحيانا تختلط علي الأحلام والذكريات مثلما يختلط على الشخص الكاذب الكذبة التي رواها فيصعب عليه أن يميّز في أقواله السابقة بين صدقه وكذبه. أو هل أقول لك بأنّي أذكر جيدّا الصورة الجماعيّة والتي كنت فيها بعين كانت تبكي بعمر الثلاث سنوات وماسبب بكائي حينها؟ كان سببا تافها، لأقل لك بأنّي أعرف جيّدا مالذي دفعني للبكاء لسبب تافه في حينها.





 (طبيبي العزيز أنت كلّ  من يسمع لي)


سأكون كاذبا لو قلت بأنّي استطعت قول كلّ ذلك لطبيب نفسي، ماكان ليسمح لي بقول كلّ ذلك وكأنّه في محاضرة، هذا سيجعل مني طبيبا شعبيّا يحاضر على رأس طبيب متعلمّ.    

عزيزي القارئ إن كنت قد وصلت الى هذه الأسطر وأنت عزيز عليّ أكثر من أي طبيب نفسي لن أطيل عليك وأقتلك مللا.



عزيزي القارئ، وعند كلّ  كلمة "عزيزي" محاولة للقفز خارجا منّي أشعر بأنّي أحشاء داخل جسد صنعه أهلي وذكرياتي ومواقفي التي عشتها وهو الجسد الذي تراه أمامك. إن حدود ذلك الجسد هي حدود أخلاقي وعاداتي وتصرّفاتي الممكنة وأفكاري التي أقولها وهي في رأس ذلك الجسد وليست في رأسي المسكين. لايمكنني الخروج منه هو بالضبط ما سأكون عليه إلى أنّ أموت.  إن محاولة الخروج من ذلك الجسد تشبه محاولة إخراج عضو حيّ من جسدي ذلك سيكون مؤلما بعد حادثة شنيعة تخرجني أحشاءا من جسدي. استعنت بأسماء\أشباح مستعارة لمحاولة تخليصي من ذلك الجسد، كلها كانت من الخارج تحاول عبثا إخراجي. 

دعك من الذين يتحدّثون عن تغيير الذات ،الانتصار على العادات والتقاليد أو القيم وما إلى ذلك. نجدهم يكثرون هذه الأيام الطريقة الوحيدة للخروج -وتوجد أكثر من طريقة وحيدة- هو الخروج بالقوّة من هذا الجسد الأمر الذي سيردي الجسد قتيلا، مالذي تتوقّع من جسد خرج قلبه، عقله لاشكّ أنّه سيموت وسيدفنه أهلي، ديني، وكلّ شيء ساهم في بناء ذلك الجسد لي. عندها سأعتبر ميّتا وسأكون روحا تائهة بالنسبة لهم. الانتحار -وهو ذا- خيار صعب وبحاجة الى قرار أحمق لايحسب حساب أي خسارة ممكنة.

إنّني أعرف تماما حدود نفسي، وأعرف كثيرا عن أشياء أرغم في قولها ولا أستطيع قولها كما أعرف أو لنقل أشعر -والشعور أعمق من المعرفة في هذه الأحوال- أحدا ترك من يحبّ لأنّ فكرة فوزه بمن يحبّ كانت أكبر من أن يحتمله، فكّر بأنّ من يحبّ سيكون أجمل وأسمى لو كان مستحيلا ولهذا ابتعد عن محاولة الامساك به وحدّث الجميع بأنّ السبب كان خوفه من أن يُرفض فيترك ذلك فيه شعورا بالرفض الى الأبد. الى الآن الجميع يصدّقه وهو كذلك يصدّق نفسه. لا تسألوني كيف، لست أدري أي جسد أحمق قال هذا وأي عقل ساذج فكّر بذلك. 

عزيزي القارئ





  

لم يعد لدي شيء أقوله إلا أنّ أحدّثك عل ذلك الكرسيّ الذي حلمت به، في حال لم أجد عند الطبيب النفسيّ نفس الكرسيّ الذي أرغب به. أحلم بكوخ هادئ في كارامبو، نيو مكسيكو أدخّن الغليون بكرسيّ هزّاز بعد الغروب وعلى ضوء شمعة أقرأ شيئا لا يشبه حديثي هذا على الإطلاق. 

لماذا كارامبو؟ 
لماذا نيو مكسيكو؟
لماذا غليون وكرسيّ هزّاز؟
راجع حلقة (مخلص صديق الحيوان) عن "روبو زعيم الذئاب" وستعرف إلى أيّ  حدّ يمكن لأحداث الطفولة أن تترك أثرها بالغا. 





(عزيزتي نفسي)


لا أحد غيرنا هنا لم يصل الجميع بعد.