الأربعاء، 25 مارس 2020

لم يخبرونا شيئا




 *



لم تقل الحيوانات شيئا قبل الكارثة. منذ عهود طويلة وهي تنبؤنا بما قبل الكارثة. تعودنا الاعتماد عليها كثيرا لإنقاذ حياتنا من الكوارث. يحكى بأن أهالي مدينة عتيقة دمرها بركان عنيف أضحوا رمادا، يقال بأنّ الحيوانات لم تخبرهم بشيء قبل الكارثة. مالذي فعلوا بها لتترك الأهالي يموتون محترقين.  

تعودنا العيش معا لعهود طويلة. تحدث بيننا مشاكل ودماء لكن كنا نتصالح مع كل ذلك. ورغم الدماء والتعذيب وفئران التجارب كانت الأمور بيننا على ما يرام. 

أتجوّل حاليا وهم ينظرون إليّ على أنّي آخر نوع من جنسي. لم نكن لنترك نوعا فريدا ينقرض بسهولة، صحيح نكاد نخنقه باهتمامنا. الحيوانات تدرك أثر ذلك بعمق ألهذا لم تبدي أي اهتمام بي. 

مالذي حدث؟!
حدث كل شيء دون أن ندري. لم تكن لتنهار الثقة بيننا لهذا الحد بسهولة. كان ذلك الشيء يفتك بنا. ظلت الحيوانات هادئة. شعرت بعض الحيوانات المستأنسة بالوحدة، لكنها لم تكن لتخون بني جنسها من أجلنا، وفي تلك الساعة بالذات. كان مباغتا، مثل قرار تم اتخاذه بعيدا عن معرفتنا. 

الحياة هادئة، لا أدري ان كان قد تم الإبقاء عليّ عمدا، أم أني مثل البقية في عداد الأموات. أشعر بالوحدة، هل يمكن أن ألتقي بأحد منهم؟ إن كنت حيّا، لا أمل. ورن كنت ميّتا لمَ لا ألتقي بالجميع؟! كنت أتصوّر بأنّنا نملك مالا تملكه الحيوانات (الحياة بعد الممات). 

لا أجرؤ على افزاع الحيوانات بعد الآن. لكن عدم اكتراثها يقلقني؛ لا أشعر بوجودي. لا أدري إن كنت حيّا أو ميّتا. أذكر أني آمنت من كل قلبي أني سألتقي بأحدهم يوما ما. في حياة أخرى. بهذا وعدته، لا زلت أشعر بحرارة هذا الوعد في قلبي. لا زلت حيّا، لكني أقترب منه.  


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


* Alexasndra Connor

الثلاثاء، 24 مارس 2020

قناع




" سررت برؤيتك. قالوا بأنك الوحيد المخوّل باللقاء بي. إلى أي درجة أنت شخص مهم؟ وإلى أي درجة يقررون أن شخصا واحدا يمكنه أن يلتقي بي؟ أتعمل في صحيفة؟ تبحث عن قصّة جيّدة أهذا كلّ مافي الأمر؟"  

" القصص الجيّدة يمكنها أن تجعل صوتك مسموعا أكثر من حقيقة ترويها عن نفسك"

" لا أريد أن أجعلك تعود خالي الوفاض والقصص، لن يعرف أحد حقيقة ما أقول؛ فأنت ستكون آخر شخص ألتقي به. بالأحرى سُلمت لك كتابة آخر الأسطر من سيرة حياتي التي أراهن أنها ليست إلا تلك الأسطر التي ستكتبها"

" تدور في ذهني فكرة كتابة كل شيء عن حياتي أنا مستخدما اسمك. سيكون كلّ شيء مسموع لكن ضميري يطنّ في أذني أن عليّ أن أكون جديرا بكوني الوحيد الذي يلتقي بك"

" أتعرف؟ تشبه الاسم المستعار الذي كنت أستخدمه. القناع الذي تضعه غريب الشكل لكن عيناك هي من تجعلني آلف وجودك وبدونها كنت سأشعر بأني فأر تجارب لكائنات غريبة أتت بعد الكارثة"

" للأسف لا يمكنني أن أكون طبيعيّا بالتعامل معك وهذا مؤلم وأتصور أنه يؤلمك أكثر. جراحنا تتشابه يمكنني أن أشعر بك طالما أني أتخيل مكانك بجرأة"  

" هل حتّم عليّ أن أكون كذلك الى الأبد؟"

" لا أحد يدري حتّى أني أشعر بالرعب من فكرة أن ذلك سيعتمد على ما سأحكيه عنك. أتدري؟ لا يمكنني أن أقرّر مصيرك وفق أي حكاية أكتبها عنك. ببساطة لا أدري كيف سيكون أثر الحكاية التي سأكتبها عنك"

" أخاف أن أقول لك كل مافي قلبي لكني أدرك أنك ستلتقط كل ما أقوله كقصة صحفيّة، لن يكترث الناس لقولي بالقصة "سأخبرك بيني وبينك" لن يوبخك أحد على سبقك الصحفي، لهذا سأحدثك لكن عن أحد أعرفه، أنا، أنت، ذاك، لايهم. بهذا يمكنني أن أفلت منك"

" لا يهم ولو أنني أقول بأنه يمكنك الوثوق بي أعرف أنه كل ماتملكه ولكن تذكر أنا الشخص الوحيد الذي ستراه وآخر شخص لك. ألا يمكنك أن تثق بي؟! الأمر جدير بالثقة رغما عن النتائج"

" هل تؤمنون بالأدعية والصلوات؟"

" نحترمها فلها عهد طويل معنا ونحن جيدون برفقتها ولا بديل عنها"

" أحدهم وبعد أن أدرك العالم أن جسده لم يعد حيّا كما كان لكنه لم يضعف بعد ليتركه ميّتا. وبعد أن فقدوا الأمل منه، بقي على قيد الحياة لفترة تكفي بأن تقنع الخبراء بأنه عاش حياة أخرى، كانوا قد استغربوا ذلك الخيط الرفيع الذي أبقاه حيّا لمدة"  

" ماكان ذلك الخيط؟ أكانت أدعية وصلوات؟"

" تلك حكاية ستعجب الكثيرين ولو قلت بأنّ الحب هو ذلك الخيط لأعجبتكم أكثر. لك أن تكتب القصة التي ستعجبك. هل يعني أن أقول ماهو ذلك الخيط أم أنك تود رؤية ما يناسب القصة التي ستكتبها للناس؟"

" يمكنني أن أخمن ما كان ذلك الخيط، هل انقطع؟"

" أنت تدري .."

" لنبقي قصة الخيط عند هذا الحد"

" لأعترف بأنك صنعت بي مالم تصنعه كل الحقن حولي. يبدو أنك شخص مُعتبر ومهم لهذا أنت هنا ولهذا أنت صنعت لي أملا لا أدري ما الجدوى منه، لكن الحديث معك يشفي كثيرا. أطلب لقاء الكثيرين لم يكن أحد يصغي إليّ. كان الأكل يأتيني من تلقاء نفسه، لهذه الدرجة لم أشعر بمن يجيء به. أنت كل ماشعرت به منذ فترة طويلة يا ذا القناع، وجهك أجمل شيء بالوجود"

" ليت لي أن أقترب أكثر منك رغم المنع، على كل حال ماكنت لأكون عندك لو فكّرت بذلك. أكره أن يعرف الناس ما سأفعله بكل ثقة يعرفون أنني سأفعل ذلك لأتم ثقتهم. يؤسفني أن لقاءنا المصيري تبعثر بالحديث عن أمور مبعثرة. كنت سآتي لأسمع قصتك وحكايتك منذ ولادتك الثانية. منذ أن أعتبرت خطرا على الوجود ولا يمكن الاقتراب منك"

" عزيزي، أكتب ماتود قوله سأصدق حكايتك بنفسي. أنا ممتن لك. تخيّل كيف ستكون حياتي بدونك؟ ليس بفضل القصة التي سترويها وستعجب الآخرين. بل لأنك وُجدت. لا يمكنني تخيّل ذلك أو أن أقول لك الى أي حدّ كان وقع ذلك في حياتي. هل أنا أحبك؟! لا أدري بعد لكني سأمضي ما تبقّى من حياتي - حتّى تقررون- وأنا أحاول تفسير ذلك"   

" لم أفعل شيئا من أجلك، حتّى أني -ويا لمرارة شعوري- لا أدري مالذي ستنجم عنه قصتي التي سأكتبها عنك"

" أتدري إلى حدّ أنا ممتن للقناع الذي ترتديه؟"

" إلى حد؟ إلى الحد الذي كان سيرعبك لو لم تبن عيناي خلف القناع؟"

" لا إلى الحد الذي يمكنني أن أتخيّل الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا أنت"


دمعت عينا الزائر، لم يعد قادرا على قول أي شيء حرفيّا. كان القناع مزعج لدرجة أنه يخنق الأصوات، يصعب تمييز الصوت من خلفه. بدأ قلب المعزول يرجف، لا توجد عيون كثيرة يمكنها أن تبكي له. كما أنه لا يوجد من بين مليارات البشر من هو قادر على فعل كل شيء للوصول اليه سوى أحدهم. خشي أن ينزع القناع، لا يمكنه فعل ذلك؛ حذر الخبراء من أن أدنى اقتراب طبيعي منه يمكن أن يكون كارثيّا ومميتا للغاية. المعزول بدأ قلبه يرجف أكثر وهو ينتظر الشخص الذي يرتدي القناع. لو نزعه عن نفسه لعرّض حياته للخطر، بل لفقد حياته حتما. كان ينتظر وهو يدرك من كلّ قلبه أن الشخص الذي كان سيفعل كل شيء ليصل إليه قادر على نزع مثل هذا القناع وأكثر. الأمر الذي كان سيعني موته أو انقطاع ذلك الخيط الرفيع الذي يتعلّق به. 

الجمعة، 13 مارس 2020

( الضحية )





كان الصوت يرعبه قليلا، صوت هتاف يحيط به. كأن الهتافات تناديه. لا يدري، الخوف جعله لا يدري للأبد.

الفراغ من خلفه يدفعه نحو الستار، حيث ينتظره الجميع بالخلف. قدماه تعجز عن حمله وأخذه اليهم. هي أثقل من دفع الفراغ. قلبه يرجف بين ذلك كله.

تذكر عدد الأشخاص الذين ينتظرون ظهوره. مالذي عليه فعله لا أحد من حوله يخبره.

رغم الإضاءة، الظلام حالك حوله. لا أحد ينعكس النور على وجهه لينير عينه. مكان واسع فارغ. أرضيّة خشبيّة -وقع الخطوات يوحي بذلك- . اللون القاتم يغلب على المكان وكل الأثاث من أجل استخدام محدّد. شعر بأن وجوده خطأ مالم يكن من أجل استخدام محدّد.







 

قبل الخروج إليهم، من خلف الستار بدأ يشعر بأنّ الهتافات تزداد، ولج فجأة.
 " أحدهم دفعني من الخلف" هذا ماقاله لاحقا 

"لم يدفعك أحد، أنت أتيت بنفسك" وهذا ماقيل لاحقا له.

 قشعريرة أصابت جلده، رعشة باردة أكملت مشهد تصبّب العرق على وجهه.

 لم يدر ما يفعل، الهتافات سكتت "يعني أن أقول شيئا؟" هذا ماقاله بنفسه. 

"كل شيء على ما يرام" رنّ هذا الكلام في أذنه، كان قد سمعه من قبل ولا يدري متى. 

وجد يده تخرج ورقة من جيبه! تملي عليه ما عليه فعله وقوله. أخرجها، بدأ يرتعش "هل يسمح لي ذلك؟" تبادر هذا السؤال الى ذهنه.

 انتظر حدوث كسر في حالة الصمت هذه، توحي بأن خطأ ما قد حدث وقد تكون يده والورقة. لا شيء حدث، بدأ بفتحها، بالكاد قرأ مافي داخلها. وميض الإضاءة المحدقة تزعجه، يشعر بوجود عدد كبير حوله وكلهم ينتظرون. يكمل قراءة الورقة " تقدم إلى "k"  وقل: ... " بدأت المعالم حوله تظهر أكثر. 

أشخاص ظهروا، بدأ يتذكرهم، يبدو أنه قد دارت بينه وبينهم بضع ورقات في الجيب سابقا. الكل متحفّز ينتظر دوره والآن دوره، لا وقت ليسأل مالحدث؟ عرف أن عليه أن يسير نحوها ويقول لها مافي الورقة. الكلام لا يمكن قوله لابد وأن الكلام لم يكن ليخرج منه في الواقع، بدأ يتذكّر بأن كلّ ماعليه هو أن يؤدي دورا أنيط به وينتهي كلّ شيء ليعود أخيرا إلى نفسه. تقدم وقالها وبدرت من  "k" التفاتة كسرت رتم المكان و أحدثت خرقا في قلبه، كأنه جاء من شيء اندفع من مكان بعيد من الخلف. 

الهتافات بدأت تعلو ومن ثمّ  تلاشت تدريجيّا ليحل محلها، صوت همسات يزعج القلب.       

 الأنظار التي يشعر بها تكاد تنهشه. يدرك أن عليه إكمال دوره، للتو تذكّر ما عليه القيام به. ينقضّ بالكلام على "k" دون أن يجد ورقة في جيبه. يعلو الهتاف فجأة. يخرّ "k" ساقطا وينهض الجميع.

  "ما كان عليه فعل ذلك" أحدهم قال ذلك بصوت مسموع. 

وقف مشدوها، "مالذي فعلتُه؟" يلتفت قلقا إن كان أحدهم قد سمع ماقاله في نفسه، لم يسمعه أحد.

 "أكل شيء طبيعيّ؟" يسأل نفسه، أيضا تأكد بطمأنينة، لم يسمعه أحد.

 إلا أن الجميع بدأ يقترب منه، وآخرين يحاولون الاطمئنان على "k" الذي يتعرف عليه أخيرا ويتعرف بعدها على ما تبقّى من ذاكرته التي كشف الستار عنها ويتعرف كل ماقترفت يداه دون أن يدري. الأعين تكاد تطعنه. وقلبه يسقط في حفرة داخل جوفه، يكاد يسقط هو فيها مع قلبه. 

الأيدي تهزّه والكل يحاصره، يحاول جاهدا القول بأنه لم يفعل ذلك، أو لم يفعلها بإرادته، وأصعب من ذلك محاولة القول بأنه كان يلعب دور الضحيّة الذي أرغب به، أو أنه لم يكن دورا بل كان فعلا كذلك. تخلى الجميع عنه، حتى الورقة في جيبه سقطت وتخلّت عنه.