الأربعاء، 24 مارس 2021

أنهكني ما رأيت





 لم يعش أحد أو يرى أكثر مما عشته. كان صاحبي دوما يقول بعد ساعات العمل المجهدة "أراك بعد أن نصحى من النوم" وكنت استلقي على السرير تنفيذا لتوقعه. الجميع نائمون. لا شيء يتحرك الا تفكيري ، وحدي أراقب كل ذلك، في ساعات القيلولة التي تعني أي وقت فراغ بعد العمل. كنت أخرج بعد أن يصحى الجميع، وجوههم مرتاحة ولا أدري كيف بدا وجهي بينهم. وكأنهم سبقوني الى اللحظات ببضع ثواني؛ كانت ردات فعلي أبطأ بثواني من المعتاد لكني أحاول جاهدا اللحاق، اللحاق بزمانهم. كانوا يمتطون قطار النوم السريع الذي أتخلف كل يوم عنه. وكان الأرق يؤخرني أكثر. مع الأيام بدأت أفكاري تعيد تشكيل طريقتها لتواكب زمانهم وتعابيرهم المرتاحة. ذلك شكّل بداخلي عالما مختلفا أعيش فيه وحدي وعالما آخر أعيش بنصفي الثاني معهم. في حياتي التي لم يروها ويبدو أنها كانت حياةً بمعنى الكلمة، شاهدت مالم يستطيعوا مشاهدته وهم متكومين داخل ذلك القطار. من حسن حظهم لم يشاهدوا كائنات الأفكار المزعجة التي كنت أجابهها وحدي. لا أحد كان سيسمعني أو ينتبه أو يرى ما أشير إليه. كدت أن أخرج من حياتهم بالكامل الى الحياة في داخلي والتي عشتها ".." كل ماكان موجودا بعمق ورأيته رؤيا العين فيني لم يكن الا فكرة أو الشعور بشيء ما وعلامته الوحيدة حدث لا يذكر. 





———-

اللوحة:

Samuel Palmer

الثلاثاء، 16 مارس 2021

-٢٩-

 وكأني فراغ يمكن لأي شيء أن يملأ بي ويترك أثره فيني. ذاكرة لاتنتهي ولاتزول، كل تلك الآثار التي تراكمت على مدى عمري. أدنى شيء يترك أثره ولا شيء يمحى، يشبه الأثر الذي يتركه الهواء بالتفاح العاري الذي يتغير لونه. تراكمات لا تنتهي، أكداس مرهقة من كل أثر وبالكاد أشعر بأني ممتلئ بشيء، تغيرت كثيرا ولازلت ذلك الفراغ. كيف يمكن لبعض الأمكنة أن تنبش عميقا فيني وتجتث أثرا قديما بالأعماق وكأنه دفن حيّا؛ لا زلت أشعر بحرارته وطعم وجوده ذاك بكل حواسي. ما نحن إلا لا شيء ونجعل كل ماحولنا يقول كلمته من خلالنا. وما أنا إلا كل ما مرّ بي. 

أدرك جيدا أن لا معنى لكلامي 

وأن المعنى كله في الفراغ الذي تُرك لكلام لم أقله بعد