الأحد، 26 يناير 2020

-١٨- (رسالة)

أنت أكثر حقيقة مما تصورته يا سيد هانس. اخترت هذا الوقت الفاتر لأكتب لك. هل تدرك أنك في أوقات تصبح أكثر شخص أود الحديث معه؟. حدثتك أن الخيال متفاوت بين الجميع وأنه قد يغدو جسدا في يوم ما. متى؟ لا أدري لكني أمضيت وقتا طويلا وأنا أتخيل وأتخيل ودون أن أدري يبدو أني أتمرن على جعل خيالي حقيقة يا سيد هانس. لم يكن تخيّل صور الأشعة الكرتونية سهلا، هل تصدّق أن أطرفها كانت أكثر شيء يقتل أعصابي! كان عقلي يستفزني ويجعل ذلك الخيط الرفيع أنيقا ومثاليّا لكنه أشعث الأطراف ومزعج، مزعج جدا يا سيد هانس كان ذلك يثقل على صدري، كان يومي يمضي بائسا بسبب ذلك وعندما أنسى، كنت أسعد بنسيانه مع أني أدرك بأنّ سعادتي رهن أي لحظة أتذكر ماكان يزعجني! اعتدت على ذلك كثيرا، أن تكون سعادتي نسيانا لا أكثر. لم يعد ذلك الخيط أشعث الأطراف أصبحت أتقن ذلك جيدا لا تعرف كم عانيت وعانيت حتى أتخيلك بهذا الشكل يا سيد هانس. أنت لم تكتمل بعد ولازلت طيفا، يكفي أنه باسم عدة أشخاص أذكرهم وشخصا وحيدا تمنيت زيارة قبره من كل قلبي. كنت أنوي أن أقول لك ما كنت سأقوله لو غدوت جسدا كاملا بعد الخيال يا سيد هانس. أنت تحمل عنوانا بارزا في حياتي لكنك لا تعني لقلبي شيئا على الاطلاق، إلا أن نبرة اسمك الأول "هانس" أعادتني إلى أيام أحببتها من كل قلبي. كل ما أقوله هذيان، وأنا أعني ما أقول. ليس لي وسيلة لقول ما أريد إلا أن أهذي وعلى شخص من وحي الخيال يا هانس. صحوت كثيرا، ولم تغدوا حياتي حلما، بقي أن أتخيل كثيرا، كثيرا حتى أشكل جسدا أبني به ما بقي من عالم تمنيته عودته. بالنهاية تخيل، ذلك الخيط الأنيق، أشعث الأطراف والذي يمثل شعاعا من مسلسل كرتوني استغرق فيني أياما طوال، وربّما أشهر أو سنوات. فكم سأحتاج لأخلق جسدا واحدا، وكم سأحتاج لأجد فيه روحا؟ -روح لأحدهم- يا سيد هانس لا أدري لعلي سأحتاج حياة أخرى، أحدهم يكملها عنّي أم حياة أعيشها يوما بنفسي. ما أصعب أن أتمنى شيئا لا أؤمن به ياسيد هانس. بالنهاية كتبت لك في هذا الوقت الفاتر حتّى تخلو رسالتي من أي حميمية يا سيد هانس. باستثناء نبرة "يا سيد هانس" تمنيت لو كررتها عوضا عن كل فاصلة في رسالتي اليك. 

الجمعة، 17 يناير 2020

نافذة تطل على أحدهم





صعد الدرج باتجاه غرفة صاحبة. فتح الباب، لا توجد أغراض كثيرة بالغرفة،خالية بدت كذلك ودائما كانت حتى بوجود صاحبه الذي تحدث كثيرا عن غرفة حاول الخروج منها بحفر الجدران بأظافره. كلامه كان مؤذيا لكن جدار غرفته لم يكن فيه إلا أشياء يحبها معلقة، لطالما أحب الحديث عنهاكما يقول. كان يقول عن نفسه بأنه انسان فارغ فهو لا يستطيع الحديث عن نفسه إلا من خلال الأشياء التي تذكره بشيء ما. 

على الطاولة دفاتر قديمة صفت بلا عناية يقول بأنهم سمحوا له بالاحتفاظ بها. الغرفة هادئة لا يوجد بها شيء يلفت الروح تماما مثل ملامحه. أخبروه كما يقول  بأن لاشيء هو أقصى ما يُمكنه قوله للآخرين.

اعتاد أن يحادث الناس لا أدري أن كانوا كثر لكن بالكاد كان أحدهم يحدث شيئا في تعابير وجهه، هكذا يبدو. كان يقول دوما بأنه عاجز عن قول ما يرغبه للشخص الذي يريده.

بالغرفة نافذة وحيدة  تطل على شارع بسيط، يسير وحيدا خلف المبنى. بالكاد يعبره أحد بشكل غير اعتيادي. 

اعتاد المارة الاعتياديون أن يشاهدوا تلويحة يده وهو يلقي بالتحية خارجا، هكذا بدا لهم. أحيانا كان المارة يلتقطون التحية ويردون عليه وأحايين كثيرة لم يكن يترك لنفسه وقتا حتى يتأكد من وجود رد يلوح له. -كان الجدار يمسح على ظهره- ملله من الانتظار لم يمنعه من التكرار. في اليوم التالي.

"هذا أقصى ما يمكن فعله"

حتى أتى متأخرا من صعد الدرج إلى غرفت

لم تعد تلك اليد تلوح، هل اختفى؟ أم اختفت تلويحته؟

أتى من يسأل عنه. 

كانت تلويحاته صمتا خانقا اخترقته صرخة انقطاعه. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


*  
"كنت يائسا فُرض علي أن لا أغير شيئا في طريقة تلويحي. كان سجنا يفرض على المحكومين -لا أدري من متى- البقاء فيه الى أن يأتي أي و أي أحد إليهم. كان السجناء يعدون الأشخاص بدل أيام عمرهم. وقد كبرت كثيرا، انقضى آلاف الأشخاص مني حتى أتيت أنت ليقف العمر عندك"