الأربعاء، 14 فبراير 2024

الخوف من الذكاء الصناعي بالأنمي والأفلام

أول مرة ذكرت فيها كلمة "روبوت" كانت في العمل المسرحي للصربي كارل تشابك (إنسان روسوم الآلي) عام ١٩٢١م وللبحث أحفوريّا عن أصل الكلمة نقرأ في القواميس:

from Czech, from robota  forced labor. The term was coined in K. Čapek's play R.U.R.  Rossum's Universal Robots (1920)

 بعبارة أخرى تعني "عبد"

هل كان تشابيك أوّل شخص ألمح الى ذلك؟ لا؛ لدينا رواية ماري شيلي (فرانكنشتاين) ١٨١٨م، الكائن الذي أعيد تجميع أعضائه من جثث الموتى وأعيد احياؤه. كائن من صنع بشريّ! كان الأدب غالبا الأسبق في استشراف المستقبل من العلم لافتقاده كثيرا الى الخيال. فقد عبر انشتين بأن الخيال أهم من المعرفة فالخيال لامحدود وذو أفق أوسع والمعرفة محدودة.

من صدقت تنباؤته حول عالم القرن العشرين والواحد وعشرين قبل قرون؟ العلماء أم الأدباء؟ سؤال يحتاج لموضوع آخر للإجابة عليه.

   

الأدباء حذّروا بالسابق وحاليّا العلماء يحذّرون!

الخبر: روبوت يهاجم أحد المهندسين العاملين في شركة تسلا والشركة تنفي ذلك. قام بغرس مخالبه المعدنيّة علر ظهره.

هذا خبر صحيح وليس اقتباسا من فيلم. مع اطلاق Chat GBT بدأت التحذيرات تصدر من أفواه العلماء المطورين أنفسهم وليس من أفواه الناس والإعلاميين. الموضوع بدأ يأخذ منحى أكثر جديّة وقد تتجلّى أمامنا حوادث كالتي حصلت في مختلف الأعمال الأدبيّة والأفلام والانميّات التي عرفناها ومنها فيلم I,Robot (2004) أو إنمي ناوكي أوراساوا Pluto على سبيل المثال. إذ تمتلئ أعمال السينما والإنمي بمثل هذه التنبّؤات وغالبا ماكانت من باب الإثارة والمتعة لكن شيئا منها حمل طابعا مقلقا كالذي يقلق العلماء هذا اليوم.


كيف رأت الأفلام والانميات عالم الذكاء الاصطناعي؟ ومن تنبأ وتناول موضوعه بصورة أفضل وأدق؟  

 

يصعب حصر الرؤية بالأمثلة لكثرتها ولكن لنرى أمثلة أعربت عن قلقها من الذكاء الاصطناعي، من الانمي:


 


١. آلي لم يكن يعرف بأنّه رجل آلي

البطل خماسي، الحلقتين الأخيرتين من الموسم الأول، ١٩٧٦م:

" سامحيني ياميا إنني رجل آلي مثلك ياميا ليتني عرفت بذلك من قبل لكنت قبلت حبّك يا ميا" 

بهذا العبارة ودّع غارودا ميا. كان يظنّ أنه كائن فضائي يقود هجوما على الأرض، صدم لأنه لم يكن يعرف حقيقة نفسه ورفض حبّ ميا لأنها آلية وبالنهاية هاجم زعيمة كوكب كامبل، من كانت توجه له الأوامر على أنها أمّه واكتشف بأنها كانت تخدعه.  

 




٢. كمبيوتر يدرب فريق كرة قدم

من (الهدّاف)، الحلقة ١٣، ١٩٨٣م:

 فريق البرق يستخدم أجهزة كمبيوتر متصلة ببعضها ليتدرب على كرة القدم بالفصول الدراسية بدلا من الملاعب.  وبمساعدة أستاذهم يتلقون توجيهات الكمبيوتر الذي يحتفظ بكل البيانات عن الخصوم وطريقة التغلب عليهم أثناء المباراة بواسطة جهاز لاسلكي. لكن الفريق يهزم بعد أن لعب أمام خصم لعب بطريقة عكسية تخالف البيانات المخزنة بالكمبيوتر!




٣. كوكب آليّ.

فرسان الفضاء، ١٩٨٥م.

يرسل البشر سفينة نحو الفضاء ويصادفون الكوكب أودين الذي يرسل إليهم أجسادا آلية ونصف آلية لمحاربتهم ويكتشفون بأنّ هؤلاء كانوا نصف بشر استولى جهاز الكمبيوتر الأساسي بالكوكب المصطنع أودين على إرادتهم وباتوا تحت سيطرته! هذا الانقلاب يذكرنا بفيلم I, Robot (2004). 

 



٤. عصر يهتم بحقوق الآليين

بلوتو، ٢٠٠٣م:

 لقد جعل ناوكي من هذا العمل موسوعة لكلّ التصوّرات الممكنة عن الذكاء الصناعي، آليون يعيشون جنبا الى جنب مع المجتمعات البشريّة وينخرطون بمختلف الأعمال وينالون حقوقا قانونيّة بل ويصبح أي اعتداء عليهم جريمة في نظر القانون وعمل مشين في نظر المجتمع. فهم مصممون كي لايقتلوا أي انسان، لكن المفاجأة حدثت وقام آلي بقتل انسان. وبدأت سلسلة جرائم يتم ارتكابها في حقّ أكثر الآليين تطوّرا في العالم. بدأ البشر يشكّون وبدأ بعض الآليون يشكّون بأنّهم قد يمتلكون مشاعر وأحاسيس مثل البشر بطريقة ما.  


ومن الأفلام:



١. The Terminator

 (1984) ،(1991)

 يدور حول محاولة الآليين الانقلاب على البشر واعلان الحرب عليهم، وبعد معارك مدمّرة وتأكدهم من هزيمتهم على يد أحد قادة البشر يرسل الآليون عبر الزمن آلي (سايبور مُدمّر) لقتل أمه قبل أن تلده لكن هذا الآلي يفشل ويتم تدميره. وفي الجزء الثاني يرسل الآليون سايبور آخر (مُدمّر زئبقيّ) أكثر تطوّرا هذه المرة لقتل القائد الذي كان صبيّا إلا أن سايبور استنسخه البشر من مُدمّر الجزء الأوّل يساعد الصبيّ وينقذ حياته ويتخلّص من السايبور الزئبقيّ.   




٢. 2001: A Space Odyssey 

(1968)

فيلم عظيم الأثر لكوبريك وأشهر أحداثه عن الذكاء الصناعي تدور حول مركبة فضائية عليها رائدي فضاء، بومان وبول بالإضافة الى ثلاثة آخرين في حالة تنويم. يساعدهم بإدارة المركبة كمبيوتر متطوّر يتحدث مثل البشر ويتلقّى الأوامر شفهيّا ويجيب على الاسئلة واسمه "هال" كان كلّ شيء طبيعيّ حتّى أعلن هال عن وجود عطل ليتفحّص أحد الرواد العطل وليجد كلّ شيء طبيعي وظنّ أن هال أخطأ إلا أن هال يدافع عن نفسه وبدأت الشكوك حول تصرفات هال تزداد لينفرد رائديّ الفضاء في غرفة ويبدؤون بالحديث والتفكير بتعطيل هال المثير للريبة إلا أن هال يقرأ شفاههم ويدرك المؤامرة ليتسبب لاحقا بموت بول وليفصل الاوكسجين عن الرواد المنوّمين ليموتوا جميعا إلا أن بومان يتمكن أخيرا من تعطيل هال (اطفائه/قتله) على وقع كلمات هال الراجية لثني بومان عن فعلته.



٣. I, Robot

(2004)

يصنع البشر رجال آليين كخدم ومساعدين لكن التحقيقات حول قضية قتل أحد العلماء واتهام رجل آلي بقتله تثير الشكوك والقلق حولهم من قبل شرطي يكره الرجال الآليين ويتبين مع التحقيقات وجود عقل مدبّر يعمل بالخفاء وهو كمبيوتر مركزيّ في المصنع الرئيسي بدأ يطوّر طريقة للسيطرة على باقي الآليين والتحكّم للقضاء أخيرا على البشر.



بنظرة عامة:

 في الانميات نجد روبوتات آلية لها أسماء لطيفة كالتي تعطى للحيوانات الأليفة مثل روبوتان وأليكترو وغيرهم في حين تميل الأفلام للريبة ويكتسب وجودها طابع التهديد ولايشكّل الذكاء الاصطناعي بالانميات غالبا موضوعا بحدّ ذاته تتمحور حوله القصة بل جزء عرضيّ متروك لوسع المخيلة بدون فرضيات ومخاوف محتملة.

أكثر مايخيفنا ذكاء اصطناعي يسعى للقضاء على البشر، تكرر ذلك بالأفلام ومرّ علينا بإنمي "فرسان الفضاء" يظهر ذلك بقدرته على التطوّر تلقائيّا وهي بذرة لأغلب مخاوفنا من الذكاء الاصطناعي. الخيال في الانمي كان أكثر تحليقا للخارج ونظرت إليه من بعيد في حين تعمّقت الأفلام بقلق داخل هذا العالم باستكشاف وقلق. في Pluto -أكثر عمل شامل عن عالم الذكاء الاصطناعي- عندما شعر العالم بالتهديد لم يوجه أصابع الاتهام للذكاء الاصطناعي بل الى البشر كسبب أساسيّ لكل ذلك، مردّ ذلك ربّما لأن العمل تعامل بأنسنة نسبيّة مع الذكاء الاصطناعي ولايغيب عن بالنا مشروع كوبريك، الفيلم الذي أخرجه سبيلسبرغ  A.I. Artificial Intelligence (2001) والذي صنع مزجه لمسألة مستقبل البشريّة الغامض مع الذكاء الاصطناعي والماضي الممزوج بالخرافات أثرا عميقا بأنسنة الذكاء الاصطناعي.

 

ويأتي سؤال: هل ينظر الانسان الى تهديد الذكاء الاصطناعي بقلق حقيقي أم بقلق فضوليّ وخيالي يشبه قلقنا من وجود غزاة يأتون يوما من الفضاء؟ ما يمكن اعتباره خرافة الانسان الحديث حول مخلوقات اسطوريّة من الفضاء وهي امتداد لخرافاتنا القديمة حول مخلوقات أسطورية صنعتها مخيلتنا. مع الانتباه الى أن القلق هذه المرة يأتي من كائن صنعناه بأيدينا. 


الاثنين، 4 ديسمبر 2023

كيف يمكن عمل فيلم مثالي عن نابليون؟



شخصية تشبه الاسكندر المقدوني ويوليوس قيصر مجمع على عظمتها ويصعب الحكم عليها.لا نجد صعوبة في الحكم على هتلر وستالين أو جنكيزخان ورغم أن نابليون يشبه الدكتاتوريين والطغاة بجوانب كثيرة إلا أنه نادرا ما تطلق عليه هذه الصفات بصورة مطلقة. كأنّ التاريخ قام بعمل مونتاج لسيرته وتحاشى تشويه حكايته بالحقائق ليقتصر على الجانب المشرق من عظمته، سمة فعلها التاريخ لأشخاص نادرين.

 هل انتاج فيلم بسرديّة تعظيميّة مشابهة لفيلم أبيل غانس عام (١٩٢٧م) ومدته ٦ ساعات تقريبا عمل مثاليّ؟. بسيرته الكثير مما يمكن الحديث عنه وما يمكن كشفه والتركيز عليه كمّ هائل من العناصر التي نجدها في القصص والكتب واللوحات الفنيّة عنه. انتقاؤها في فيلم يحتاج الى انتقائيّة ابداعيّة، كان يمكن أن تكون بصورتها الأكمل بمشروع كوبريك الذي توفّي قبل اتمامه ويمكن فهم سبب بقاء المشروع في ظلّ المسودّات والأفكار والمفاوضات سنين طويلة. لدينا فيلم ريدلي سكوت بطولة خواكين فينيكس ولا أدري كيف سيكون.

الأمر أشبه بمحاولة رسام اختزال نابليون في لوحة، أي زمن سيختار؟، على أنّ اللوحة ليست إلا قطعة متوقّفة من الزمن إلا أنها قادرة على اعطاء صورة مجملة عنه ربما أكثر من فيلم يدوم لساعات؛ فالمدة ليست دائما في صالح الأفلام. هل تستطيع البوسترات تصوير ما تصوّره اللوحات؟ في أحد بوسترات فيلم سكوت نجد فينيكس جالسا بوضعيّة تشبه لوحة الرسام الفرنسي ديلاروش المرسومة عام (١٨٤٠م) بعنوان "نابليون في فونتينبلو في ٣١ مارس ١٨١٤" بعد هزيمته الأولى من الحلفاء. بالبوستر يرتدي قبّعة ويبدو أقلّ بدانة وتعابيره مختلفة؛ بدا جديّا ومتجهّما في حين كان اليأس والغضب واضحين عليه في اللوحة، وعلى الجدار نجد توقيع نابليون باللون الأحمر. 

وانتهي بتساؤل: كيف سيبدو الفيلم المثاليّ عن نابليون؟

 

لوحة ديلاروش

 


لوحة جاك لويس دافيدز "نابليون عابرا الألب" (١٨٠١م)، لعلها أشهر لوحة لنابليون. 


 

 

    


الاثنين، 16 أكتوبر 2023

طنين

 



 "ألا تسمع هذا الصراخ الرهيب الذي يحيط بك من كل جانب؟ هذا الصراخ يسميه البشر بالصمت"

العبارة لامست أعمق ما يمكن للكلمات حفره في ذاكرتي. كم بدا ذلك رهيبا؛ اعتبار الصمت صوتا نسمعه. يشبه الصمت التحديق بعيدا بالأفق، أو كما صوّر الرسام فريدريش كاسبر الأفق في لوحته "متجول فوق بحر الضباب، 1818م". لوحات كاسبر مليئة بالصمت، بعبارة أخرى مليئة -وللتوّ انتبه الى هذا الرابط- بالأفق. العبارة لجورج بوشنر، أخذتها من فيلم " لغز كاسبر هاوسر، 1974 " إخراج، فرنر هيرتزوغ. 

هل توقّعت أن تُحرم يوما من سماع ذلك الصوت بسبب عرض صحّي، أو علّة طفيفة تسبّب طنينا في أذنك؟

 كم أذهلتني معلومة أن جزءا من الناس بعد أن يفقد قوّة السمع ويبدؤ بالضعف يحلّ الطنين تدريجيّا على سمعه بدلا من الصمت! وكأن انعدام الصوت ليس إلا ذلك الطنين المُزعج الذي يدوي داخل الرأس ويملؤه فعلا بالفراغ، ذلك الفضاء الذي يخلقه الصمت على أذهاننا وداخل رؤوسنا ليس فراغا بل أفقا واسعا يجعلنا نتنفّس بعمق. ولم يقوى الضجيج يوما على اسكات الصمت؛ إذ أن صمت بضعة أجزاء من الثانية كافية لتجعلنا نتنفس. لكن الطنين يسكت الصمت، الطنين فراغ مُزعجّ. فراغ تؤكده محاولتي اليائسة لإغلاق أذني. وبالشعور بأنّ كل ما يلفت الانتباه باطمئنان حولي يتلاشى ويتشتت وجوده الذي كان يملؤ فراغا يمكن أن أسند رأسي أو تفكيري عليه. كل يوم منذ أيام وأنا أحاول سماع ذلك الصوت الذي أحنّ إليه، الصمت الذي لطالما أحببته الى حدّ أن عبارة عنه كانت كافية لترك أعمق حفرة لمست شيئا عزيزا في ذاكرتي.

 


الثلاثاء، 13 يونيو 2023

-٣٤-

 


ليتك تعرف مالذي تعنيه هذه الصورة بالنسبة لي؟ لن أكذب لو قلت بأنها واحدة من أهم  عشر أو خمس صور رئيتها في حياتي -موضوع صور أثّرت بحياتك يبدو شيّقا؛ له وقفة لاحقة- بعيدا عن الرومنسيّات واجترار الحديث عن الذكريات. هذه أوّل صورة رأيت بها زيّ برشلونة، في صغري بمجلة قديمة ومهملة قلبت الصفحات -لا أذكر أكنت حينها أعرف القراءة أم لا- لكن "يلعن" كم يبدو اللون الأحمر والأزرق فاتنا بشكل لا يصّدق! أحببته وحينها لا أذكر من سألت وقال لي: هذا هاجي والآخر ستويشكوف لاعبي برشلونة ومن بعدها وأنا برشلوني الى الأبد. 

 

منذ فترة كنت وددت الحديث عن كرة القدم كثيرا. بعيدا عن محبيها الصاخبين والمحللين الذين يتحدثون بلغة الأرقام الكسولة وهم يقولون هذا أفضل وهذا أعظم من هذا، عليك أن تعرف أن كلّ الأرقام عليها أن تخرس أمام مدرب نوتنغهام فورست الراحل براين كلوف الذي حقّق مع نادي صاعد من الدرجة الثانية دوري الأبطال مرتين متتاليتين وقبلها الدوري مع فريق صعد به. لكي لا أشعرك بالملل؛  قد لا تبدو محبّا لكرة القدم وأعدك أني سأتحدث عن ما سيحبه كل انسان في عالم كرة القدم، قصص الوفاء، الحزن والفرح وبعض اللقطات الغريبة. سأجرب أن أقول ما أرغب بالحديث عنه من أحداث دون سردها. لحظات غريبة مثل معانقة كاسانو للحكم الرهيب كولينا  وعن اللاعب الذي أصرّ بعناد على ارتداء الرقم "١٣" في فرقه متحديا المعتقد الذي يقول بأنه رقم مشؤوم ومع ذلك لا أذكر وجها حزينا مثل وجهه -قد يهمك أن تعرف اسمه- عن الفرق ذات اللعب الجميل والتي ياللحسرة لم تتجوّج لهذا قلّة من يتذكّرا روما سباليتي مثلا وغيره وأجمل فريق مرّ بالتاريخ برشلونة من قدوم رونالدينهو وصولا الى بيب حتّى رحيل ميسي، لن نحسد الأجيال السابقة على مارادونا. ماكنت أشعر به وأنا أتابع مباريات السيريا أ مثلا بين سيينا وأتلانتا وأسماء أشكّ بأنّ أحدا سيتذكّرها. 

أطلت الحديث؟ هذه ليست الطريقة الجيدة للحديث عن كرة القدم، هل يمكن أن يُكتب شيئا عنها أجمل مما ترويه المقاطع؟  يمكنك أن تقرأ تصريحات بيب غوارديولا وهو الأكثر واقعيّة وتصريحات زالاطان -الاسم الذي أطلقه على زلاتان ابراهيموفيتش- الأكثر جنونا من الجميع. أتذكّر منتدى اسمه "الهدف الرياضي" كان يجمع عشّاق الكالتشيو (الدوري الايطالي) وهم أجمل من يتحدّث عن كرة القدم. كانت المواضيع هناك بجمال المواضيع التي تتحدث عن الشعر والتي كنت أقرؤ الكثير منها ذلك الوقت. أؤكد أني قرأت ما يمكن منه اخراج أمتع وأجمل الكتب حتّى لمن لم يشاهد مباراة كاملة في حياته.

 

أعود الى الصورة أول مرة رأيتها كنت صغيرا وكنت ألحّ بحثا عن زيّ برشلونة بألوانه التي فتنتني، للأسف لم يكن هنالك أيّ لبس بهذه الألوان، وماوجد كانت درجات الأزرق والأحمر تعيسة.   


+

اضافة متأخرة، أحب النطق الحماسي لرؤوف خليف في مباراة بروسيا دورتموند وريال مدريد لاسم اللاعب ونجم بروسيا رومان ليفاندوفسكي، كان رؤوف ينطقه "ليفاندوسكي" ليتناغم مع رتم الحماس لتعليق رؤوف. كانت ليلة مميزة وسوبرهاتريك تاريخي لليفا. بروسيا دورتموند لعله أكثر أندية اوروبا حضورا بالجماهير، ظلت جماهيره تسجّل أرقاما قياسيّة بالحضور ومؤازرة الفريق. دورتموندالمدينة تقع بالاقليم الصناعي "الرور" أكثر اقليم الماني تعرّض للقصف والتدمير في الحرب العالميّة الثانية. تذكّر مقلب تلفزيونيّ عرضوا فيه على مشجعين اندية المانية تشجيع النادي الخصم، لا أنسى مشجّع دورتموند العجوز، أصلع بملامح حادّة وصارمة لكن ذلك كلّه لان بحزن وهو يقول أبدا لا يستطيع ولا يمكن هو شيء ليس كما يتصوّرون طلبه. رغم المبلغ الكبير الذي عُرض عليه وهو ولاشكّ مبلغ كبير جدّا ليمنح لشخص بنهاية عمره كم كانت حياته ستتغير فقط لو وافق على تغيير ميوله الكرويّ لكنّه أصرّ على الرفض وبدت ملامح الحزن على وجهه، كأنه يسأل نفسه مالضير من تغيير ميوله؟ بدا وكأن مجرّد السؤال انتهاك لحرمة عزيزة على قلبه. لكنه بالنهاية رفض، نعم رفض كلّ ذلك من أجل ناديه الحبيب.

مذهلة كرة القدم الى أيّ حدّ يمكن لها أن تكون شيئا ما وأي ما في داخلنا.

الأربعاء، 7 يونيو 2023

-٣٣-

 عن الانمي والذكريات أتحدث، كنت أفكر بالحديث عن كرة القدم والدوري الأوروبي. ربّما بمزاج آخر. 


هل استمتعت بالانمي بطفولتك؟ هل يمكن للانمي بعد الكبر أن تترك أثرها الناعم بذاكرتك كما تفعل بطفولتك؟ بالنسبة لي عالم الكرتون -أسمي الانمي بعد الدبلجة وماشاهدته بمرحلة الطفولة عملا كرتونيّا- ترك أكثر من ماريّة مميزة بذاكرتي، لا أنساها وأحب العودة اليها لأني بذلك لا أعيد المشهد بل أعيد المشهد وأنا أقف خلف ذلك الكائن الذي كنته طفلا. كيف ولماذا شعر بذلك؟ 


عن الاطالة ..

سأمرّ بأعمق ما أتذكره من مشاهد آتذكرها لحظة كتابتي هذه:

مشهد رامي في المسلسل الكرتوني "الهدّاف" وهو طفل منوّم بالمستشفى اثر حادث أدّى الى كسر ساقه، استيقظ ليلا، الغرفة مظلمة والجوّ راعد وماطر وبالنافذة رأى كرة ملقاة ومتّسخة تحت المطر. حمل رامي نفسه بعكّازه ومشى بصعوبة خارجا ليلتقط الكرة، تعثّر وسقط وابتلّ وتلطّخت ملابسه بانهاية ينتهي المشهد ورامي يمسح الكرة وعليه ابتسامة داخل غرفة المستشفى. المشهد خالي من أيّ كائن حيّ، وحده رامي والكرة والغرفة مظلمة ولامكان للنور. المشهد مليء باللون الأزرق القاتم. لم أفهم سبب المشهد ولا لماذا رامي حكى هذه القصة لحنين اخت علاء. لكنه كان كئيبا بدرجة ناعمة، كآبة لا تستدعي أن تطردها من ذهنك، تلامس حدّا رهيفا من القبول دون اختراقه.


من "الزهرة الجميلة سوسن" عمل فيه غرابة وحدّة ناعمة. احدى الشخصيات الشريرة مرعبة رغم أنها كوميديّة الاطار ومضحكة ويتمّ التنمّر عليها كثيرا لكن ملامحها كانت تمثّل لي كابوسا منفرا ولا أدري كيف! باحدى المشاهد كان هذا الشرير -نسيت اسمه- في الشارع يطارد سوسن لكنها وبوسط زحام المارة -هكذا اذكر- خرج ذيله الغليض؛ الشرير عبارة عن راكون بشريّ سمين ولونه قاتم وعند خروج ذيله وانتباه المارة اليه نفروا منه وبدؤوا بمطاردته لإيذاءه. شكله كان مؤذيا بالنسبة لي وكم كان المشهد مبهجا وغريبا في نظري. على فكرة أغنية المسلسل الكرتوني جميلة وصوت المغنّي عذب.

 

"مخلص صديق الحيوان" مشاهد كثيرة وغالبا ملامح لحيوانات حزينة. القفزة الانتحاريّة للحصان الأسود وروبو زعيم الذئاب ومشهد نهايته وأكثر حسرة مخلص على موته وندمه وكلماته ".. مهما كان السبب فقد قتلت حيوانا وأنا حزين" ولا أنسى الأغنية الحزينة بنفس الحلقة في مشهد فيدباك روبو.


من "الكابتن ماجد" عمل لا أحبه لكن مشهد الغروب والجرف الصخري واجتماع أعضاء الفريقين لمواساة وليد كان مؤثرا. حتّى موسيقى نهاية المشهد كانت مبهجة. حدث ذلك بعد الهدف الذي أحرزه بسام على وليد لأول مرة، في مباراة تدريبية اقتحمها بسّام بمشهد دراماتيكي. 


لا أدري لم كنت أحب الاعمال الكرتونيّة التي تصوّر الأصحاب والرفاق، المقاتلين وأعضاء الفريق كنت ألمس ذلك الخيط الحميميّ الذي يطوّقهم وكم كان مشهد اختفاء أحدهم موجعا بالنسبة لي. أعمال كثيرة ومنها "سنجوب" عندما غادرت السناجب الغابة التي دمرها البشر لمشروع صناعيّ يهدف الى قطع الأشجار، هاجروا بحثا عن غابة بديلة. مشاه كثيرا من هذا القبيل مكوّمة في حجرة ذاكرتي، تشبه الى حدّ ما المستودع المظلم تحت الدرج (بالعامي دِرِجة) لبيت عمّي كان مليئا مليئا بالألعاب المدمّرة كنت أغطس فيها بحثا عن أي لعبة جديدة وأنا أتلمّس بالظلام معالم اللعبة البلاستيكية "الخربانة" أحيانا كنت أمرّ على ملمس قماشيّ لدمية أو شعر أو شيء غريب. تذكرت، باي ذا وي تذكرت؛ زحدهم قال لي عندما انطفأ كهرباء المنزل وبات مظلما فجأة اندفعنا الى السطح عبر الدرج بسرعة يقول: كان ابن أخي يجري صاعدا ويده على -حديدة الدرج ما أعرف اسمها- وبينما يده تمسح المعدن وهي تصعد مرّت على ملمس غريب! كان فروا غالقا!! يقول من بعدها لم يعد ابن أخي كما كان. كيف أبحث بذاكرتي عن الاعمال الكرتونيّة وما فعلت بي، بالضبط أغطس فيها كما كنت أفعل بدرجة عمّي. أتمنّي أن تكون الصورة واضحا يا عزيزي القارئ. (": 


يوجد الكثير لكن وباختصار، أعظم عمل تحدّث عن ذاكرة الأعمال الكرتونيّة كان "مونستر" عبر شخصيّة شتاينر وجريمر. مشهد يطول ويطول الحديث عنه. أما حاليا فهجوم العمالقة يتسيّد كلّ اللحظات المرسومة في ذاكرتي. 


ويومكم سعيد.