الجمعة، 23 مايو 2025

-37-

 وجهي مفكّك، هكذا أشعر فعليّا. لم تعدّ أعضاؤه مشدودة وأصوات الصرير مزعجة. هل ركل أحدهم  وجهي؟ أذكر أني قلت لو رأيت نفسي في عمر معيّن لركلت وجهي! لازلت ناقما على نفسي ولو أن الوتيرة خفّت قليلا، يا لتهوري! بعد العناء الذي أعيشه أدركت حماقتي. كيف اعتبرت الملاكمة يوما رياضة مفضلّة؟ أحببت فيها "فارس الفتى الشجاع" وشخصية كارلوس ريفيرا في "جو  البطل". استهنت كثيرا بالعناء الذي يمكن أن يسببه تحطيم وجهي. حتّى التكنيك الذي تخيّلت أتقانه ينمّ عن تهوّر، كنت سأدخل الحلبة وأمتصّ حماس الخصم بالسماح له بتوجيه لكماته المتسرعة نحوي من حين الى آخر، الى حين يملؤ الغيض قلبي وأشعر برغبة عارمة بالانتقام، المشكلة أني لا أغضب سريعا وقد لا أغضب إلى حين تحطيم وجهي، وماكنت متأكدا منه أني كنت سأنهي الخصم بلكمة واحدة، تماما كما فعل كارلوس ريفيرا في احدى النزالات، عندما وعد بالفوز من الجولة الأولى، ترك كارلوس النزال لخصمه وبعد اندفاع الخصم والقاء نفسه بحماسه تفاداه كارلوس بنزول مفاجئ ليجد الخصم نفسه مكشوفا، ويحدّق في عينيّ كارلوس بالأسفل والرعب يملؤ قلبه وهو يشاهد قبضة كارلوس تدفع بسرعة على فكّه! النصر وحده يكفي لتضميد جراحي وعلاج كدماتي، وهتافات الجمهور كافية لإنعاش قلبي وإعادة تنفسي. كل ذلك بالحلبة وبعدها يعود الملاكم الى غرفته وتبدأ العظام والعضلات والمفاصل المفككة في وجهه بالصراخ في وجه وتأنيبه. صراخ لا يسمعه أحد غيره. 


لا أدري لكن، أحدهم ركل وجهي ووجه لكماته نحوي، ولازلت واقفا أملؤ غيضيّ وأشدّ قبضتي لكن لا خصم أمامي .. ولا جمهور ينتظر ضربتي .. لا أحد  إلا أنا. أتلقّى الضربات وصرخات عظامي ومفاصلي وحيدا في غرفة تملؤها الفوضى وملابس الأيام الفائتة ونافذة تتثاءب ستارتها على كسل. وعلى طاولتها بضعة أدوية مرميّة بإهمال لعلاج الكدمات.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق