الأحد، 23 فبراير 2020

مَصَحّ




*



تمّ إدخاله أخيرا إلى حيث ظن أنه في مأمن. بالخارج مخلوقات تشبه البشر يخرج من أفواهها خيال قاتم يطارده. هنا البشر طبيعيّون للغاية ويعاملونه بشكل طبيعي، لهذا بدأ يتذكّر.

"تبدو أحسن لهذا اليوم" لم يجب لأنه شعر بأنّ الإجابة ستعني أن مايمرّ به حالة مؤقتة والواقع أنها أبعد من ذلك كثيرا، بدأ يفكّر وهذا جيد نوعا ما. " سيزورك الأخصائيّ اليوم، قال بأنّك أحرزت تقدّما ملحوظا عن السابق" شعر بأنه تلقّى لكمة على وجهه أرغمته على الابتسام. "لم يتغيّر شيء" هذا ماقاله في نفسه. لكنه تعلّم ردّ الجميل ولو قسى على نفسه. بالسابق كان يعتبر صوت اغلاق الباب تشبه صرخة في وجهه، لا يعلم متى بدأ كلّ ذلك و كذلك كان صرير الأشياء المزعجة كأنها تعنيه وتسخر منه.

منذ وقت طويل شعر بأنّ العالم في يوم ما ألقى فوق رأسه عشرات الأغطية، ومن ثمّ نادى أشخاص بعضهم البعض ليرتموا فوقه، فوق الأغطية، ما سبّب الاختناق لصاحبنا المسكين. لم يغب ذلك عن باله أبدا. كان يشعر بالاختناق في كلّ مرة يحاول أن يتحرك فيها وكان يصرخ دون أن يسمعه أحد -لم يشكّ لوقت طويل في ذلك-. صراخه كان يرتد الى أعماق صدره المكتوم. عندها لم يعد يتحرّك وبدأ بالسكون وشعر بأنّ الأمور أصبحت أفضل، والدماء بدأت تصل الى أطرافه أكثر، والى رأسه الذي كاد أن ينفجر. أزيل الغطاء فجأة ونهض كل من ارتمى فوقه. كان الجميع يضحكون ولا يذكر أي أحد منهم، لا يذكر إلا أفواههم. كانوا يلعبون معه، لكن صاحبنا فقد الرغبة بالحركة كثيرا حتى لا يعاوده ذلك الشعور بالاختناق. وجد أن السكون قادر على منحه فرصة للتنفس أكثر. لا يدري كم مضى وهو تحت الأغطية، دقيقة؟! لكنها بقت أعواما في قلبه.

الغرفة واسعة، طالما أنه لا يتحرّك. فهي بحجم الغطاء الذي يطوّقه. لكنه شعر بقدرته على التجوّل في أرجائها، ظل يشعر بذلك ولو أنه لم يجرّب. وماذا يهم في ذلك طالما أنه يشعر بأن كل شيء على ما يرام.

" هل تشعر بتحسن؟" سأله بصوت اعتاد سماعه من مختلف الأفواه في المبنى. " أحسن حالا" لم يرد تحريك لسانه أبعد مما اعتاد لسانه السكون فيه.

متى ينجلي هذا الغطا؟
في اليوم التالي بدا الغطاء أثقل، وبدأ الاستشاريّون يتكارثون.

مضى عام، ولا زال يخشى أن يطلب منهم إزالة الغطاء. الآن تذكر أنه عندما صرخ -للتوّ تذكر!- أن أحدا سمع صراخه بالفعل، صرخ مستنجدا لإزالة الغطاء،كان قد سمع أصوات ضحكاتهم وهي تزداد مع كل صرخة.
"كيف تشعر لهذا اليوم؟"يسأله فم أحدهم، لا يجيب، هل يسأل عن الغطاء؟ هل يصرخ في وجيههم بأنه يريد أن يزيلوا الغطاء من فوقه؟!
 "أزيلوا الغطاء من فوقي!!" صرخ في وجهه، وبدأ الجميع يقفز فوقه، ركام من البشر يتسلّقون فوقه لتثبيت الغطاء فوقه. يحاول أن يتحرّك "أزيلوا الغطاء" بدأ يصرخ لكنه ليس واثقا إن كان أحدهم يسمع بعد الآن، ولأوّل مرة منذ عام شعر بالاختناق الذي شعر به قبل سنوات. توقف عن الحركة، عن الصراخ. سكن كلّ شيء وأعادوه الى الغرفة. لم يتحرّك، خشي أن تصبح الغرفة أصغر من الغطاء الذي يطوّقه بإحكام. سمع صوت ضحكة بعيدة، قادمة من الممرات كأنها صدى أو صوت ضحكة خافتة سمعها من قبل، لا يدري منذ لحظات أو منذ سنوات.




* Alexandra Mantzari

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق