الجمعة، 13 مارس 2020

( الضحية )





كان الصوت يرعبه قليلا، صوت هتاف يحيط به. كأن الهتافات تناديه. لا يدري، الخوف جعله لا يدري للأبد.

الفراغ من خلفه يدفعه نحو الستار، حيث ينتظره الجميع بالخلف. قدماه تعجز عن حمله وأخذه اليهم. هي أثقل من دفع الفراغ. قلبه يرجف بين ذلك كله.

تذكر عدد الأشخاص الذين ينتظرون ظهوره. مالذي عليه فعله لا أحد من حوله يخبره.

رغم الإضاءة، الظلام حالك حوله. لا أحد ينعكس النور على وجهه لينير عينه. مكان واسع فارغ. أرضيّة خشبيّة -وقع الخطوات يوحي بذلك- . اللون القاتم يغلب على المكان وكل الأثاث من أجل استخدام محدّد. شعر بأن وجوده خطأ مالم يكن من أجل استخدام محدّد.







 

قبل الخروج إليهم، من خلف الستار بدأ يشعر بأنّ الهتافات تزداد، ولج فجأة.
 " أحدهم دفعني من الخلف" هذا ماقاله لاحقا 

"لم يدفعك أحد، أنت أتيت بنفسك" وهذا ماقيل لاحقا له.

 قشعريرة أصابت جلده، رعشة باردة أكملت مشهد تصبّب العرق على وجهه.

 لم يدر ما يفعل، الهتافات سكتت "يعني أن أقول شيئا؟" هذا ماقاله بنفسه. 

"كل شيء على ما يرام" رنّ هذا الكلام في أذنه، كان قد سمعه من قبل ولا يدري متى. 

وجد يده تخرج ورقة من جيبه! تملي عليه ما عليه فعله وقوله. أخرجها، بدأ يرتعش "هل يسمح لي ذلك؟" تبادر هذا السؤال الى ذهنه.

 انتظر حدوث كسر في حالة الصمت هذه، توحي بأن خطأ ما قد حدث وقد تكون يده والورقة. لا شيء حدث، بدأ بفتحها، بالكاد قرأ مافي داخلها. وميض الإضاءة المحدقة تزعجه، يشعر بوجود عدد كبير حوله وكلهم ينتظرون. يكمل قراءة الورقة " تقدم إلى "k"  وقل: ... " بدأت المعالم حوله تظهر أكثر. 

أشخاص ظهروا، بدأ يتذكرهم، يبدو أنه قد دارت بينه وبينهم بضع ورقات في الجيب سابقا. الكل متحفّز ينتظر دوره والآن دوره، لا وقت ليسأل مالحدث؟ عرف أن عليه أن يسير نحوها ويقول لها مافي الورقة. الكلام لا يمكن قوله لابد وأن الكلام لم يكن ليخرج منه في الواقع، بدأ يتذكّر بأن كلّ ماعليه هو أن يؤدي دورا أنيط به وينتهي كلّ شيء ليعود أخيرا إلى نفسه. تقدم وقالها وبدرت من  "k" التفاتة كسرت رتم المكان و أحدثت خرقا في قلبه، كأنه جاء من شيء اندفع من مكان بعيد من الخلف. 

الهتافات بدأت تعلو ومن ثمّ  تلاشت تدريجيّا ليحل محلها، صوت همسات يزعج القلب.       

 الأنظار التي يشعر بها تكاد تنهشه. يدرك أن عليه إكمال دوره، للتو تذكّر ما عليه القيام به. ينقضّ بالكلام على "k" دون أن يجد ورقة في جيبه. يعلو الهتاف فجأة. يخرّ "k" ساقطا وينهض الجميع.

  "ما كان عليه فعل ذلك" أحدهم قال ذلك بصوت مسموع. 

وقف مشدوها، "مالذي فعلتُه؟" يلتفت قلقا إن كان أحدهم قد سمع ماقاله في نفسه، لم يسمعه أحد.

 "أكل شيء طبيعيّ؟" يسأل نفسه، أيضا تأكد بطمأنينة، لم يسمعه أحد.

 إلا أن الجميع بدأ يقترب منه، وآخرين يحاولون الاطمئنان على "k" الذي يتعرف عليه أخيرا ويتعرف بعدها على ما تبقّى من ذاكرته التي كشف الستار عنها ويتعرف كل ماقترفت يداه دون أن يدري. الأعين تكاد تطعنه. وقلبه يسقط في حفرة داخل جوفه، يكاد يسقط هو فيها مع قلبه. 

الأيدي تهزّه والكل يحاصره، يحاول جاهدا القول بأنه لم يفعل ذلك، أو لم يفعلها بإرادته، وأصعب من ذلك محاولة القول بأنه كان يلعب دور الضحيّة الذي أرغب به، أو أنه لم يكن دورا بل كان فعلا كذلك. تخلى الجميع عنه، حتى الورقة في جيبه سقطت وتخلّت عنه.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق