الثلاثاء، 24 مارس 2020

قناع




" سررت برؤيتك. قالوا بأنك الوحيد المخوّل باللقاء بي. إلى أي درجة أنت شخص مهم؟ وإلى أي درجة يقررون أن شخصا واحدا يمكنه أن يلتقي بي؟ أتعمل في صحيفة؟ تبحث عن قصّة جيّدة أهذا كلّ مافي الأمر؟"  

" القصص الجيّدة يمكنها أن تجعل صوتك مسموعا أكثر من حقيقة ترويها عن نفسك"

" لا أريد أن أجعلك تعود خالي الوفاض والقصص، لن يعرف أحد حقيقة ما أقول؛ فأنت ستكون آخر شخص ألتقي به. بالأحرى سُلمت لك كتابة آخر الأسطر من سيرة حياتي التي أراهن أنها ليست إلا تلك الأسطر التي ستكتبها"

" تدور في ذهني فكرة كتابة كل شيء عن حياتي أنا مستخدما اسمك. سيكون كلّ شيء مسموع لكن ضميري يطنّ في أذني أن عليّ أن أكون جديرا بكوني الوحيد الذي يلتقي بك"

" أتعرف؟ تشبه الاسم المستعار الذي كنت أستخدمه. القناع الذي تضعه غريب الشكل لكن عيناك هي من تجعلني آلف وجودك وبدونها كنت سأشعر بأني فأر تجارب لكائنات غريبة أتت بعد الكارثة"

" للأسف لا يمكنني أن أكون طبيعيّا بالتعامل معك وهذا مؤلم وأتصور أنه يؤلمك أكثر. جراحنا تتشابه يمكنني أن أشعر بك طالما أني أتخيل مكانك بجرأة"  

" هل حتّم عليّ أن أكون كذلك الى الأبد؟"

" لا أحد يدري حتّى أني أشعر بالرعب من فكرة أن ذلك سيعتمد على ما سأحكيه عنك. أتدري؟ لا يمكنني أن أقرّر مصيرك وفق أي حكاية أكتبها عنك. ببساطة لا أدري كيف سيكون أثر الحكاية التي سأكتبها عنك"

" أخاف أن أقول لك كل مافي قلبي لكني أدرك أنك ستلتقط كل ما أقوله كقصة صحفيّة، لن يكترث الناس لقولي بالقصة "سأخبرك بيني وبينك" لن يوبخك أحد على سبقك الصحفي، لهذا سأحدثك لكن عن أحد أعرفه، أنا، أنت، ذاك، لايهم. بهذا يمكنني أن أفلت منك"

" لا يهم ولو أنني أقول بأنه يمكنك الوثوق بي أعرف أنه كل ماتملكه ولكن تذكر أنا الشخص الوحيد الذي ستراه وآخر شخص لك. ألا يمكنك أن تثق بي؟! الأمر جدير بالثقة رغما عن النتائج"

" هل تؤمنون بالأدعية والصلوات؟"

" نحترمها فلها عهد طويل معنا ونحن جيدون برفقتها ولا بديل عنها"

" أحدهم وبعد أن أدرك العالم أن جسده لم يعد حيّا كما كان لكنه لم يضعف بعد ليتركه ميّتا. وبعد أن فقدوا الأمل منه، بقي على قيد الحياة لفترة تكفي بأن تقنع الخبراء بأنه عاش حياة أخرى، كانوا قد استغربوا ذلك الخيط الرفيع الذي أبقاه حيّا لمدة"  

" ماكان ذلك الخيط؟ أكانت أدعية وصلوات؟"

" تلك حكاية ستعجب الكثيرين ولو قلت بأنّ الحب هو ذلك الخيط لأعجبتكم أكثر. لك أن تكتب القصة التي ستعجبك. هل يعني أن أقول ماهو ذلك الخيط أم أنك تود رؤية ما يناسب القصة التي ستكتبها للناس؟"

" يمكنني أن أخمن ما كان ذلك الخيط، هل انقطع؟"

" أنت تدري .."

" لنبقي قصة الخيط عند هذا الحد"

" لأعترف بأنك صنعت بي مالم تصنعه كل الحقن حولي. يبدو أنك شخص مُعتبر ومهم لهذا أنت هنا ولهذا أنت صنعت لي أملا لا أدري ما الجدوى منه، لكن الحديث معك يشفي كثيرا. أطلب لقاء الكثيرين لم يكن أحد يصغي إليّ. كان الأكل يأتيني من تلقاء نفسه، لهذه الدرجة لم أشعر بمن يجيء به. أنت كل ماشعرت به منذ فترة طويلة يا ذا القناع، وجهك أجمل شيء بالوجود"

" ليت لي أن أقترب أكثر منك رغم المنع، على كل حال ماكنت لأكون عندك لو فكّرت بذلك. أكره أن يعرف الناس ما سأفعله بكل ثقة يعرفون أنني سأفعل ذلك لأتم ثقتهم. يؤسفني أن لقاءنا المصيري تبعثر بالحديث عن أمور مبعثرة. كنت سآتي لأسمع قصتك وحكايتك منذ ولادتك الثانية. منذ أن أعتبرت خطرا على الوجود ولا يمكن الاقتراب منك"

" عزيزي، أكتب ماتود قوله سأصدق حكايتك بنفسي. أنا ممتن لك. تخيّل كيف ستكون حياتي بدونك؟ ليس بفضل القصة التي سترويها وستعجب الآخرين. بل لأنك وُجدت. لا يمكنني تخيّل ذلك أو أن أقول لك الى أي حدّ كان وقع ذلك في حياتي. هل أنا أحبك؟! لا أدري بعد لكني سأمضي ما تبقّى من حياتي - حتّى تقررون- وأنا أحاول تفسير ذلك"   

" لم أفعل شيئا من أجلك، حتّى أني -ويا لمرارة شعوري- لا أدري مالذي ستنجم عنه قصتي التي سأكتبها عنك"

" أتدري إلى حدّ أنا ممتن للقناع الذي ترتديه؟"

" إلى حد؟ إلى الحد الذي كان سيرعبك لو لم تبن عيناي خلف القناع؟"

" لا إلى الحد الذي يمكنني أن أتخيّل الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا أنت"


دمعت عينا الزائر، لم يعد قادرا على قول أي شيء حرفيّا. كان القناع مزعج لدرجة أنه يخنق الأصوات، يصعب تمييز الصوت من خلفه. بدأ قلب المعزول يرجف، لا توجد عيون كثيرة يمكنها أن تبكي له. كما أنه لا يوجد من بين مليارات البشر من هو قادر على فعل كل شيء للوصول اليه سوى أحدهم. خشي أن ينزع القناع، لا يمكنه فعل ذلك؛ حذر الخبراء من أن أدنى اقتراب طبيعي منه يمكن أن يكون كارثيّا ومميتا للغاية. المعزول بدأ قلبه يرجف أكثر وهو ينتظر الشخص الذي يرتدي القناع. لو نزعه عن نفسه لعرّض حياته للخطر، بل لفقد حياته حتما. كان ينتظر وهو يدرك من كلّ قلبه أن الشخص الذي كان سيفعل كل شيء ليصل إليه قادر على نزع مثل هذا القناع وأكثر. الأمر الذي كان سيعني موته أو انقطاع ذلك الخيط الرفيع الذي يتعلّق به. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق