الثلاثاء، 26 مايو 2020

-٢٣-

-٢٣-

أجد صعوبة في فهم البشر كثيرا لكني أستطيع فهم المخلوقات التي يتخيلونها بعمق أكثر. لم أدرك بأنّ خلق العديد منها كان سيبعدني عن طبيعتي أكثر. بدأت أشعر بوجودها، كنت أختبئ من البشر ليظهروا من مخابئهم. بدأت أفهمهم أكثر، أحببت عالمهم. لم أستطع لمسهم، كبرت قبل أن أستطيع لمس أحدهم. كدت ألمسمهم في يوم ما. كانوا أقرب لي، عند عامود الإنارة الوحيد، كانوا يحبّون الإضاءة الصفراء كثيرا، كانوا يقولون بأنّ الهالة التي يخلقها النور الأصفر يشبه غرفة النوم، بخلاف الهالة البيضاء التي تشبه كثيرا غرف المستشفيات والأموات وغرف البشر. قبل أن ألمسهم، كبرت وتركوني. مضت سنوات طويلة منذ أن تحدّثت إلى البشر آخر مرة. بالكاد عدت وأنا أفهم لغتهم، لا يشبهون أبدا المخلوقات التي كنت أمضي الوقت معها كثيرا، لم تعتبرني المخلوقات غريبا بقدر هؤلاء. كل ماستطعت فعله هو أن أخبئ ما كان ينقصني لفهمهم، تماما كما كنت بارعا في إخفاء أماكني السريّة، وأنا التقي بالجميع. رحلوا وهم يحملون أسراري، سنين طويلة بقيت هذه الأسرار معهم بعيدا عن البشر، قبل أن أبوح بكلّ شيء لأحدهم، كأنه كان واحدا منهم! عندما رأيته كان يشبههم، يذكرني فيهم كثيرا. لم يعد المكان موحش من دونهم، ولم أكن مخطئا بأنّ مكاني السرّي كان بابا يمكنهم الخروج منه إليّ. مالذي دلّني عليه؟ لا أعرف. ومن أخبرني بأنهم قد يأتون في يوم ما؟ لا أعرف. من كان سببا في عودتهم إليّ؟ قالوا لي يوما: يمكن أن تتخيّل أحدا ويخلقه الربّ من أجلك، تأكد إن رحلت يوما لا يمكنك أن تعيش دون أن تؤمن بوجوده  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق