الأربعاء، 15 فبراير 2017

"وصيفات الشرف" لفيلاسكيز: اللوحة التي لازال العالم يحدّق بها.

من أكثر الأعمال التي يمكنك أن تقرن روعتها ومكانتها بالموناليزا. لوحة Las Meninas لفيلاسكيز 1656م وقد تكون أكثر لوحة أثارت الإعجاب وأسالت الأقلام بعد الموناليزا. قد تناولها أعظم الفنّانين بالإعجاب. 





بالنسبة لفيلاسكيز فهو أعظم رسّام اسباني مثلما بوسان هو أعظم فنّان فرنسي. بل إنّ فيلاسكيز نال إعجاب الكثير من الفنّانين وأثّر على فنّانين أكثر من بوسان. 

هذه اللوحات حاول الرسّام العظيم فرانشيسكو غويا محاكاتها وكذلك بيكاسو بعده بأكثر من قرن. وبوصفها استهلّ ميشيل فوكو احدى كتبه. لازال الغموض اللذيذ يكتنف هذه اللوحة، فالكثير من التفسيرات التي كانت سائدة حولها تمّ دحضها بعد سنين من تأمّل المعجبين بها. فهي مثل كتاب لم ننتهي من قراءته بعد! 

أغلب الحديث عن اللوحة بات ينصبّ على اللوحة الصغيرة الموجودة بالخلف، التي تصوّر رجلا وامرأة (الملك فيليب وزوجته) آخر حكايات هذه اللوحة وصلت حيث يقولون بأنّ الرسّام وابنة الملك - وهي احدى أيقونات أعمال فيلاسكيز الأكثر جمالا- مع وصيفاتها ومن هنّ برفقتها ينظرون إلى الملك والملكة اللذان يقفان أمام الرسّام ويبدوان باللوحة ولكن من خلال المرآة. بدا الجميع باهتا بحضوره  عدى فيلاسكيز الحاضر بقوّة وعلى صدره شارة النبالة التي نالها أخيرا. وجوه اللوحة تشبه إلى حدّ ما وجوه الدمى والعرائس، يبدو أنّ هذا الأسلوب هو نوع من ابداء الرأي حول الشخصيّات وهو فعله ولكن بشكل واضح ومبالغ فيه في الكثير من الأحيان الرسهام اللاحق غويا. كلّ زوايا اللوحة نالت نصيبها من التركيز والتي تتجمّع تعابيرها حول المركز الرئيسيّ للوحة (فيلاسكيز) الرسّام. لقد كان غويا معجبا ولاشكّ به، فكثيرا ماحاول إبراز نفسه وإلقاء روحه في لوحاته. فيلاسكيز أكثر رصانة وهو يفعل كلّ ذلك. ولكن ماذا عن قراءة أخرى لعمل فيلاسكيز؟

أنت بحاجة للقراءة عن اسبانيا فيليب الرابع ولو قليلا قبل التحديق بهذه اللوحة كثيرا. تلك كانت اسبانيا التي ورثت نور الأندلس وفتحت للعالم النهم أبواب أمريكا على مصراعيها. "الأرمادا" أو الأسطول الذي لايقهر و "الألدورادو" مدن الذهب أساطير اسبانيّة تختصر الكثير من الحديث عن اسبانيا وآخر أسطورة يمكن بها ختام تلك الحكاية عن الزمن الجميل في اسبانيا "الملك فيليب" نفسه. فبه تنهي الحكاية ويسدل الستار على ذلك  العصر. عندما بدأ الذهب والفضّة القادمان من بوليفيا والبيرو والمكسيك بصبّ جام نعمه على اسبانيا كان ذلك يثقل كاهلها من حيث لاتدري. فقد إزداد التضخّم بشكل رهيب وارتفعت الأسعار وبدأ الذهب والفضّة يتطاير من جيوبهم ليثقل جيوب الانجليز والهولنديين الذين كانوا بالتجارة والقرصنة يكسبون كلّ ذلك. بدا وكأنّ الوهج الذي أخذته اسبانيا من الأندلس قد أُخذ منها من حيث لاتدري على أيدي بقيّة البلدان الأوروبيّة. 
لقد كان وجه فيليب ولايزال مألوفا لدى محبّي الفنّ؛ فهو يملأ الكثير من لوحات فيلاسكيز ولاشكّ أن الكثير من الملوك كانوا سيحسدونه على هذه النعمة. فوجه تشارلز الأوّل ملك انجلترا مألوف أكثر من غيره بفضل لوحات فان ديك وكذلك وجه هنري الثامن بفضل لوحة هانز هولباين، فكيف إذا بوجه فيليب؟ ذلك عوضا عن قارة بأكملها لازالت تصبّ الذهب والفضّة على خزينته وسلطة معتبرة بأنحاء أوروبا من البلدان المنخفضة الى ايطالي. لقد نال أعظم الأشياء رغم أنّه لم يفعل مايوازيها. كلّ ذلك انتهى في آخر أيّامه بدت اسبانيا باهتة مثل الغرفة الموجودة باللوحة. آخر ماتبقّى منها لايظهر بهجته إلا مايظهره النور المنساب من خلال الباب الموجود آخر اللوحة والتي يمسك الرجل الواقف هناك بالستارة ليسمح بالنور بالدخول من خلالها. لاشكّ وأنّ الرجل بدا حزينا آخر أيّاما ومحبطا ونادما، مثلما بدا لويس الرابع عشر آخر حكمه. 

بالنسبة للوحة فإنّها تبدو كصفحة ختاميّة لحياة فيلاسكيز الذي أدرك بهجة ذلك العصر ونال نصيبا من نعيمها. كلّ شيء يخصّ فيلاسكيز موجود باللوحة، من الأميرة الصغيرة والتي تبدو جميلة كعادتها في لوحات فيلاسكيز  وهي موجودة بكامل حاشيتها الصغيرة. وإن لم يبدو الملك حاضرا، فهو حاضر بالمرآة، أو باللوحة التي تبدو خلافا لما حولها واضحة ربّما عن عمد كلوحة وليست لأنّها مرآة تعكس وجود الملك وزوجته، فسواء كانت مرآة أم لوحة، فحضور الملك لم يتغيّر. كان الجميع يشبه المشهد، أو الدمية نوعا ما بخلاف فيلاسكيز الذي أراد أن يلتقط صورة شخصيّة له مع كلّ هذه الأشياء من حوله. لقد حضر الجميع من أجل إلتقاط مشهد مع فيلاسكيز! أو لقد جلب فيلاسكيز الجميع ولم ينسى أن يأخذ وضعيّته باللوحة. كانت اللوحة ستكون أكثر وضوحا لو أن من رسمها كان السيريالي سلفادور دالي. فقط تخيّلوا لو أن سلفادور هو من رسم نفسه بهذه اللوحة؟ كيف ستكون قراءتكم؟ لهذه اللوحة أبعاد لاتنتهي عبر الزمن، وسيكون من الجنون لو تخيّلنا أن فيلاسكيز وبشكل مجرّد قام برسم هذه اللوحة كما نفكّر نحن من رأينا لوحات سلفادور دالي ورينيه ماغريت ومارك شاغال. لم يكن العالم في عصر فيلاسكيز بهذا الخيال. ولكن كيف للوحة رسمت قبل أكثر من ثلاثة قرون قابلة للتفسير بهذه الصورة؟ لاشيء باللوحة يبدو عبثيّا، فحتّى الرجل الموجود آخر اللوحة يثير التساؤل كثيرا. لقد بدا -كما يمكن أن نرغب- وأنّه على وشك اسدال الستار عن حكاية فيلاسكيز الموجودة حالما ينهي فيلاسكيز روايتها.          



على كلّ حال، الحديث عن اللوحة يستغرق الكثير من الكلمات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق