السبت، 25 فبراير 2017

أفلام تمنحك تجارب شخصيّة. (فيلمان ألمانيان)

أشياء كثيرة لم تعايشها أو تجرّبها في حياتك، وأمور كثيرة لاتعرف عنها شيئا. وحدها الأفلام الجيّدة يمكنها أن تمنحك كلّ ذلك من خلال المشاهدة.

 أشياء مثل:
- العمل في الغوّاصات
- تسلّق الجبال

 بالنسبة للعمل بالغوّاصات من منّا يستطيع تخيّل بحّارة الغوّاصة كورسك وهم يرسلون آخر نداءاتهم اليائسة من غواصتهم التي علقت بالقاع، وبالنهاية ماتوا وهم في أحضانها؟ أمّا تسلّق الجبال لا أذكر تصوّرا لي عنها إلا عندما أجبت عن سؤال: ماهي هوايتك المفضّلة وقلت مازحا: تسلّق الجبال!

فيلمان ناطقان باللغة الألمانيّة، تستحقّ أن تشاهدها وأن تعيش من خلالها .


الفيلم الأوّل:





فيلم رائع يجعلك تعيش في داخل غوّاصة بالحرب العالميّة الثانية. مدّته طويلة ولكنّك لن تجد أبدا مشقّة في إنهائه. إلا أنّك ستشعر بعد انتهاء الفيلم أنّك كنت مثلهم محبوسا في رحم غوّاصة بالكاد تتّسع لحركاتك الضروريّة. لايشبه الأفلام التي تحاول إيصال الأحاسيس بوسائل البهرجة السينيمائيّة، إذ أنّ المخرج كان قد أخذ وقتا كافيا معك ليسلب إنتباهك تدريجيّا حتّى تفهم جيّدا مشاعر ومخاوف كلّ أفراد طاقم الغوّاصة. الفيلم فرصة ممتازة لمعايشة ظروف لانعرفها جيّدا، والأكثر من رائع أن يكون ذلك من خلال فيلم متقن مثل هذا الفيلم.



 
 بالنسبة لي أجده من الأفلام التي يمكن مشاهدتها أكثر من مرّة. لم أشعر طول الفترة بأنّ هنالك ممثلا عابرا أو كومبارس، الكلّ كان مندمجا بأداء جماعيّ يستحقّ دور البطولة.




الفيلم الثاني:




كم شخص منّا يمتلك تصوّرا واضحا عن تسلّق الجبال؟ أو لماذا يقوم أشخاص بتكريس حياتهم من أجل ذلك وتعريض حياتهم غالبا للموت؟ ومن أجل ماذا؟ الجميل أن هذه التساؤلات طرحت في بداية الفيلم الذي يستند على قصّة واقعيّة  عن طريق الشخصيّة التي روت الحكاية بالفيلم. حكاية المتسلّقان Toni Kurz و Andreas Hinterstoisser لانحتاج للحديث كثيرا بالتأثير الرائع للموسيقى بالفيلم، فهو فيلم ناطق بلغة من ألّفوا أعظم المقطوعات الموسيقيّة بالتاريخ، وتدور الحكاية حول أحد قمم جبال الألب البرنيّة، وكما قال كريستوف فالتز بدوره بفيلم Django عندما أراد أن يحكي قصّة المانيّة  قال :" كان هنالك جبل ... بالطبع هنالك جبل فهي حكاية ألمانيّة .." اضطرّ إلى أن يوضّح أن وجود الجبل ضروري تقريبا في كلّ حكاية ألمانيّة. إذا فهذا الفيلم حكاية ألمانيّة عن جبل مات بين يديه وتحت أقدامه الكثير من المغامرين. الفيلم رائع فهو يطلعك على أشياء لم تتخيّل قسوتها، وستشعر بأنّ يديك تمزّقها الصخور الحادة وكذلك الجليد الحاد. الرياح تقذف كلّ شيء كلّ شيء قاتل والصخور بين فترة وأخرى تنقضّ بشكل مفاجئ من الأعلى.     






بالفيلم العديد من المناظر الشاهقة والتي تحبس الأنفاس.  








ملاحظة أخيرة أودّ الإشارة إليها، وهي أن هنالك العديد من الأفلام الألمانيّة التي تتناول الفترة التي كانت ألمانيا فيها نازيّة. مثل فيلم تسلّق الجبال "Nord Wand" تدور أحداثه عام ١٩٣٦م فترة الزهوّ بالنازيّة. هذه الأفلام تستحقّ المشاهدة بجدارة، فكلّها تتناول قصصا تمّ دفنها وتجاهلها لسنين طويلة بسبب حساسيّة تلك الفترة، بل إنّنا نستطيع أن نجزم بأنّ كلّ ما أخرجته هوليوود وغيرها من أفلام تتناول تلك السنين كانت أفلاما تتناول قضيّة الهولوكوست بتكراراتها والتي يعتبر انكارها جريمة يعاقب عليها القانون في بلدان عديدة.

كانت هنالك حياة في ألمانيا بعيدا عن السياسية، كان هنالك أناس يعيشون بشكل طبيعي هناك. بلد علّق بمشنقة معاهدة فرساي بمقدار يجعله بالكاد على قيد الحياة وروؤيته يتخبّط كانت الإشارة الوحيدة على حياته ومن بعدها اكتسحت النازيّة البلاد بجنونها. كانت تلك الأحداث موطنا للعديد من القصص والحكايات التي لم تروى بعد لأنّها حدثت بالسنين المحرمة. العديد منها بدأ يظهر بهدوء وبدا وكأنّ للألمان حكايات يودّون الحديث عنها، بعد كلّ هذه السنين.       


بالنهاية، مثل هذه الأفلام التي تتحدّث حول أمور لم يسبق لك أن عرفت عنها الكثير ولم تتعايشها لا تمنحك متعة المشاهدة فحسب بل  تمنحك تجربة جديدة تضاف الى حياتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق