الجمعة، 16 أغسطس 2019

كرسي (٢)

-٦٢-
قبل النوم، أدركت بأني أعيش حياتي لاستدراك ماضي تمنيته ولا أدري ما هو. كل ما أعرفه هو الوقت الذي كان فيه هذا الماضي حاضرا. ولا أدري -وكم لا أدري- ان كنت سأجتازه. يقضي الإنسان عمره من أجل نقطة زمنية، يعيش من أجلها كمستقبل يذهب إليه وحاضر يحاول الحصول عليه وماضي يسعى لاستعادته في يوم ما.






بعد أن أصبح طبيبي النفسي معروفا بالنسبة لي بات يصعب الدفع بشعوري خارجا لمسامعه. عرفت أن وجهه سيطاردني وسأظل أهرب منه ومن حقيقة أني بحت له بشيء هام. بعيدا عن وجهه أحاول أن أري نفسي ما سأقوله له:


هذا الماضي المتمنى يمكن معرفته واستعادته بأن يتحقق على شكل حلم قادم
سألتني: كيف ستعرفه وماعلاقة ذلك بالأحلام؟
سأقول لك: الأحلام لاتتغير لكن الزمن يغير حلتها وعلاقة ذلك بالأحلام تشبه تفسير الأحلام في منامنا، دائما ماتكون الحقيقة -وهي ثابتة- خارج نص الحلم. لو أمكن لي تفسير أحلامي لعرفت واستعدت ما كنت أريده آنذاك ولعلي أعرف نفسي أكثر
"فقط لو أني كنت مؤلف (هجوم العمالقة)!" سأقولها بلامقدمات.  
ماعلاقة ذلك؟ "لا أدري هو حلم أحاول تفسيره ولم راودني" أقول الكلمة الأخيرة بإلحاح. 
ككل أحلامنا نقول مستحيلة فهجوم العمالقة كان قد تم تأليفه بالفعل من قبل ايساياما، لا أدري هل أجد التفسير عنده؟ أو في (هجوم العمالقة) مالذي يجعلني أعتقد بأن تأليفه كان حلما لي؟

لا أود إقحامك في أحداثه كثيرا لكن كعادة الأحلام يصعب روايتها بدقة؛ لقد حكوا عن بشر يفقدون السيطرة على أنفسهم عندما يستحوذون على جسد ما! -أذكر أني قلت مثل ذلك في أول جلسة-  ذلك يشبه الأرواح في أجسادنا، نحن نفقد السيطرة تماما، هذا الجسد يسيرنا ولا يكفي التفكير بسطحية رغباته كل ذلك لا يغير شيئا. هل تصدق يمكن أن تعيش في جسد شخص آخر حال موتك! يمكنك أن تموت لتعيش للأبد، ذلك يشبه فكرة التضحيات البطولية في كل الروايات بكل بساطة أموت كي أعيش، مالذي يعنيه كل ذلك؟
إن لم أقحمك في الأحداث حتما لن أقحمك في مقاطعه والتي هي بمثابة شرائط ذكريات تعرض أمام عيني مضاءة بمصباح يجهر العين، كأني مشهد لأحد أبطالهم وهو يتذكر حلم شخص آخر. نعم يمكنك أن تفهمني أكثر عندما تراه، فأنا لم أختر حلمي وهذا العمل لم يكتب صدفة. قدر له أن يكون حلما لي لهذا أشعر بأني أعرف نفسي في كل مرة أفسر الأحداث فيه.
لا تسخر مني، اني دقيق ازاء نبرات الأصوات بشكل لا يصدق، يمكنني أن أعرض لك أصواتا لاتزال عالقة بلحظاتها.  لماذا أستمر في إعادتها؟ ألأعثر على شيء فيها؟ إنهم يستمرون في قول أشياء أود قولها وبالنبرة التي أريد  هذا العمل لايزال مستمرا في كونه حلما لي أكثر وأكثر من أسواره حتى ساحل بحره. هذا العمل يفهمني، يفسرني، يمكنه أن يكون دليلا لي نحو ما أبحث عنه في قبو روحي. على كل هل تدرك إلى أي مدى أأتمنتك؟ إني أقول لك بأن حلمي هذا العمل أي أني قد أعرض نفسي وكياني لأن يقول أحدهم بأن حلمي عمل تافه!
هو وإن كان سيظل حلمي الذي لن يتحقق إلا كما قلت سابقا في نفسي: لن يتحقق حلمي إلا بعد أن أستيقظ في يوم ما وأجد كل ماعشته كان حلما، وهو مايجعلني أعتقد بأن تأليف هذا العمل حلم يمكن أن يتحقق    

البشر يمكن تفسيرهم من خلال أحلامهم

يمكنني أن أميز لك بين ما أحب وبين ما أحلم به

أشعر بالحنين اتجاه كل ما أحلم به، أغاني، كلمات، صور ذكريات،أشخاص، هجوم العمالقة أشعر بالحنين نحوهم لا يمكن أن تشعر بالحنين اتجاه أشياء لم تنتمي لها من قبل. أكانت تلك الأشياء لي في عالم ما؟ أكان علي أن أكون صاحبها؟ لا يمكنني أن أقول لك ماهي فهي ليست أحلاما مكتملة، قد تستغرب اعتباري لها أحلاما لي، لكني أفهم من نفسي كثيرا من خلال كل محاولة لتفسيرها.

أتعرف كيف كتبت ما قلت لك؟
كان حلما كنت أكتب أسطرا على ورقة مظلمة، ماكانت الرغبة لتتركني "أنوم" دون أن أتظاهر بكتابة ماتمليه علي، حدث ذلك بشكل متقطع وكأن أحدهم قام بضبط المنبه عند كل اغفاءة.أو تدري لم أسميت مافعلته حلما؟ لأن ذلك قادني للحنين إلى يوم كان قبل أعوام يومها كتبت ما كتبت على ورقة مظلمة من شيء يدفعني. بالأمس تماما كما فعلت قبل أعوام  كتبت كل شيء بعد أن تحدثت مع أحدهم هل من تفسير لذلك؟ لا أدري لكن أيضا قبل سنوات في ذلك اليوم كان هناك أحدهم مثل ما كان بالأمس. لم يكن ذلك الماضي الذي أبحث عنه بعيدا عن تلك اللحظات ولا أذكر: أكان حاضرا أم ماضيا أم كان لا يزال حلما لم يأتي بعد.



(إنمي وكنت أتمنى تأليفه) !

عنوان الجلسة سيجعل مني شيئا سخيفا. لا أدري كيف كنت سأجرؤ على قول ذلك أمامه. لا أذكر عنوان جلستي الأولى معه، لكن ابتسامة مساعده جعلتني أشعر بالضيق والأسف ولا أود تكرار ذلك.


(أحظر لي كرسيا وضع فيه ما شئت، النتائج ستصلك بعد أيام)

لو كنت طبيبا لفعلت ذلك كرسي أو صورة، رسمة لكرسي ذلك لن يكون كافيا لكنه أجدى قليلا. توجد رسمة لا أدري لم ظننت لسنوات أنها لكرسي قابل للاهتزاز .. 








 

------------
١. ادفار مونش
٢. بول غوغان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق