الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

المتاحف الفنيّة تعبّر عن ذائقة بلدانها

حقيقة لم انتبه لهذا الشيء إلا عندما وجدت اللوحات أحيانا تكون متشابهة. بأنواعها وفنانيها عند كلّ بلد أو كلّ متحف. أو لنقل هنالك شخصيّة أو مزاج عام يتحكّم باختيارها. مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف والصدف.

عند الحديث عن اللوحات ينصب الكلام حول لوحات فنان معيّن أو مدرسة معيّنة أو فنّاني بلد معيّن. لكن نادرا مايتمّ الحديث عن لوحات متحف بلد ما. يتمّ الحديث بشكل عام عن لوحات متاحف فرنسا أو انجلترا أو المانيا وغيرها وكأنّ وجود اللوحات فيها كان عشوائيّا أو مجرّد مقتنيات تمّ جمعها.

لنتحدّث قليلا عن مافي المتاحف ونقف لكي ندرك بعض الأمور التي ستكون أوضح عند الحديث من هذه الزاوية. بدأت أشعر بوجود شيء ما حول ذلك عندما شعرت بأنّ لوحات رامبرانت الموجودة بالمتاحف الألمانيّة بالذات تعجبني، أو لنقل لها طابع خاص.






 بالرغم من أنّ فان غوخ رسم تقريبا أكثر من ٩٠٪ من أشهر لوحاته بفرنسا إلا أنّ فرنسا لاتحتفظ إلا بعدد قليل جدّا من لوحاته! وهو الذي رسم أكثر من ٥٠٠ لوحة. جلّ ما تملكه فرنسا نالته من مجموعة الدكتور جاشيه الموجودة بمتحف أورساي بباريس والذي رسمه فان غوخ في نسختين واحدة بفرنسا وواحدة بيعت بمبلغ قياسي عام ١٩٨٩م ولوحة لوجه امرأة كانت رسما مبدئيّا للوحة المشهورة "آكلوا البطاطا" الموجودة بهولندا ولوحة أخرى صغيرة تصوّر أبقارا هي نسخ للوحة الفنان الفلمنكي جوردانيس الموجودة بنفس المتحف بمدينة ليل وثلاث لوحات جميلة بمتحف النحّات رودان ولوحة أخرى تصوّر قطارا بمتحف بجنوب فرنسا. هذه تقريبا هي لوحات فان غوخ الموجودة بفرنسا ومن بين اللوحات الموجودة بفرنسا البورتريه الذاتيّة التي رسمها عام ١٨٨٩م وهي واحدة من أكثر من ٣٠ بورتريه ذاتي، تحتفظ فرنسا بهذه وبواحدة أخرى فقط. الجزء الأعظم من لوحات الفنّان موجود بهولندا لأنّ لوحات الرسّام التي لم تكن مرغوبة وقتها كانت تؤول لأخيه ثيو.










لوحة "جبل سانت فيكتوار" لبول سيزان ١٩٠٤م. يقال بأنّ التكعيبيّة بدأت من هنا.
 
 رسم سيزان هذا الجبل العديد من المرّات وبمختلف الأزمنة. واحدة فقط من هذه اللوحات موجودة في فرنسا أمّا الموجودة بالصورة وهي من النماذج الثمينة فموجودة بفيلادلفيا. الأمر الملفت هو أن أكثر بلد يفتقد إلى لوحات فنانيه: فرنسا! بلد الفنّ والفنّانين. أنظر أين هي أجمل وأروع لوحات بول سيزان وإيدجار ديجاس وجورج سورات وغيرهم؟ الكثير منها خارج فرنسا بعد أن تمّ رفض لوحاتهم سعى تجّار اللوحات أصدقاء وداعمي الفنّانين المرفوضين إلى فتح أسواق جديدة لهم. فكانت النتيجة هجرة جماعيّة للوحات خالدة استقرّ الكثير منها في الولايات المتحدة. رغم ماعُرف عن الفرنسيين وعاصمتهم باريس بأنّها قبلة الفنّ والفنّانين. هل السبب القوّة الشرائيّة المتواضعة مقارنة بغيرهم؟ أم أنّ ذلك عائد إلى أنّ من كان يهتمّ بالفنّانين هم الناس العاديين ومجموعة من المثقّفين بخلاف المسؤولين وكبار الموظفين ورجال الأعمال؟! الأمر مفتوح للتفكير. ولو أنّ الأمر يبدو وكأنّ الشغف الجماعي لغير الفرنسيين بهؤلاء الفنانين بدأ باكرا قبل أن يلتفت الفرنسيون أنفسهم إليهم. لم تكن تلك البلدان متخمة بالفنّانين لذلك كان من السهل أن يميّزوا من الخارج ماهو مميّز بالفعل. وخير مثال على أنّ الفرنسيين فقدوا الكثير من إبداعات فنّانيهم خاصة من الإنطباعيّين هو تواضع أعمالهم الموجودة ببقيّة المتاحف الفرنسيّة خارج باريس. هذه الحالة مرّت بفرنسا خاصة مع الانطباعيين ومن أتى بعدهم.












لوحة "العصبة الحاكمة بالفلبين" جويا ١٨١٥م موجودة بمتحف جويا بمدينة Castres بفرنسا


فنّانون لم يخرجوا كثيرا من بلدانهم وآخرون خرجوا كثيرا من بلدانهم، كيف..؟

بخلاف فرنسا تحتفظ اسبانيا بأكثر أعمال فنّانيها العظام. خاصة فيلاسكيز وجويا فهي لم تسمح بتسرب أعظم أعمالهما. ولها مجموعة كبيرة لفنّانها بيكاسو رغم أنّه عاش حياته بفرنسا. جويا عاش آخر حياته بفرنسا، ببوردو ويوجد متحف بالقرب منها يحتفظ ببضع لوحات جميلة له. مستواها يقارب البضعة الأخرى الموجودة باللوفر لنفس الفنّان ومن بينها اللوحة الأجمل "العصبة الحاكمة بالفلبين" متاحف فرنسا بوجه عام فقيرة بالفنّ الاسباني رغم قربها ورغم الصلات السياسيّة والعائليّة بين أسرهما الحاكمة. ايطاليا فقدت الكثير من لوحات فنّانيها، ولعلّ السبب الرئيسيّ في ذلك كونها كانت بلدا معرّضا للغزو كثيرا من قبل الفرنسيين والاسبان والنمساويين، وأغلب أراضيها كانت تحكم من الخارج أو من أسر أتت من النمسا وفرنسا. لم تكن بلدا مستقلا تحكمها أسرة حاكمة واحدة وقويّة. ويكفي أن نعرف بأنّ أغلب لوحات دافينشي وأشهرها موجودة خارج ايطاليا مثل "عذراء الصخور" واحدة باللوفر وأخرى بلندن والموناليزا بالطبع. ولحسن حظّهم "العشاء الأخير" رسمت على الجدار. وهنالك انجلترا التي أيضا احتفظت بأغلب أعمال فنّانيها الكبار. فلوحات تيرنر وكونستابل ولورانس منتشرة بمتاحفها أكثر من انتشار لوحات فنّاني فرنسا العظام بمتاحفها. هنالك بلدان لم تشتهر بالفنّانين لكنّ حظّها كان عظيما بالاحتفاظ بأعمال فنانين عظام خرجوا منها مثل: مونش من النرويج وكليمنت من النمسا. وبالمرور بهولندا، نجد أنّ الكثير من أعمال فنّانيها موجودة خارج هولندا والسبب في ذلك شهرة العديد من رسّاميهم أثناء حياتهم أو بعد مماتهم واندفاع هواة الفنّ لشرائها قبل انتشار المتاحف الوطنيّة. فلطالما أعجب الأثرياء بلوحات رامبرانت ورويسدال. الحديث عن نسبة أعمال الفنّانين الموجودة بمتاحف بلدانهم يظهر لنا تباينا في نسب تواجدها وأسبابها. قد يكون سبب خروج لوحات الفنانين الفرنسيين أيضا هو إعجاب محبّي الفنّ بفنّانيها مما جعلهم يزاحمون الفرنسيين أنفسهم باقتنائها.
  كما رأينا عوامل كثيرة تساهم في إخراج لوحات الرسّام من موطنه. ولكلّ بلد ورسّام ظروفهم الخاصة.




حسنا وبعيدا عن الفنّانين نركّز على المتاحف بشكل أكبر. ونحاول أن نرى الملامح البارزة لبعض المتاحف. عند تناولك لكاتالوج يحوي لوحات للوفر سترى بأنّها تعجّ باللوحات الايطاليّة، بسبب عشق ملوكها وكبار رجالها بفنّانيها وكلّهم من طبقات متقاربة. في حين نجد أن المتحف الوطني بلندن يمتاز بتنويع فريد أكثر اتّزانا من اللوفر نفسه! فهو يملك أعمالا أكثر تنوّعا وشمولا. دعونا من ذلك ولنتحدّث عن موضوع أكثر تشويقا. متحف Uffizi بفلورنسا هل تعرفون بأنّه يحوي أجمل مجموعة للوحات Self-Portrait ؟

متحف Uffizi يضم أجمل لوحات الصور الذاتية ولأعظم الفنّانين وبشكل ملفت وفريد. فلنتأمّل مجموعة منها لندرك بأنّ جمع مثل هذه اللوحات بالذات لاتكون من باب المصادفة أبدا. وأنّها ميزة لاتعرف كثيرا لدى المتاحف الأخرى.





رفايل 1509  






فيلاسكيز 1645




روبنز 1625






جاك لويس دافيدز 1791




آنجرز 1858




لورانس آلما تاديما 1896




لويزا لوبرن 1790





موريس دينيس 1916




رامبرانت 1639



.. ويوجد أكثر من ذلك بكثير ولفنّانين عظام. وبعضهم لاتتوفّر لهم صور ذاتيّة إلا بنفس المتحف وبعضها وجودها غريب في متحف ايطالي مثل لوحة الانجليزي آلما تاديما. التأمّل في سيرة لوحات بعض الفنّانين ورحلتها في عالم المقتنين والهواة جميلة. وقصص وصول بعض اللوحات للمتاحف أكثر جمالا. وبالمناسبة أغلب اللوحات تواجدت بالمتاحف بفضل المانحين الكرماء الذين وهبوها لبلدانهم قبل أو بعد وفاتهم. وأحيانا تقوم المتاحف بشراء اللوحات من المزادات زو الملاك وعادة ماتدفع المتاحف الأمريكيّة والانجليزيّة مبالغ أكبر بكثير من الفرنسيّة.

ولننهي الحديث عن المتاحف ومقتنياتها نذكر بأنّ في مصر متحف يحوي على مجموعة ثمينة جدّا للوحات الانطباعيين مثل رينوار ومونيه وسيزلي ولوحة لفان غوخ. وقطر بدأت تقتني لوحات عالميّة لكن مع الأسف بمبالغ خرافيّة لسيزان مثلا وغوغان.
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق