الجمعة، 25 سبتمبر 2020

-٢٨-

هل يمكن أن يبدو حزنك مضحكا؟ لا تعجز الكلمات والأحكام على تحويل ذلك في مشهد كوميديّ، يمكن للكلمات أن تقلب كلّ ذلك عليك؛ فهي لن تحصر معانيها في سبيل حزنك أنت. كانت وجيهة فكرة فاكهة السمايلي في "ون بيس" عندما يشعر أحدهم بالحزن وإن كان آكلا لهذه الفاكهة يبدأ بالضحك بدل البكاء! 

الى هذا الحدّ يمكن للحياة أن لا تفكّر بك

 

 

 "كالميرو" الذي لا أذكره قالوا بأني كنت أحبه في طفولتي كثيرا. فرخ صغير وعلى رأسه بقايا من قشرة البيضة التي خرج منها. المشهد يبدو مضحكا ولكني عندما أتذكّر "كالميرو"، الذي لا أحب مشاهدته على كلّ حال أضحك كثيرا أتخيّل أنه طيّب وعلى سليقته لا يختلف عن ماكان عليه بطفولته داخل بيضة؛ لا زال محتفظا بتلك القشرة على رأسه، لا شكّ أنه إذا محتفظ بأكثر منها في داخله، طفولته، عفويّته -قبل تلويث الحياة والمواقف له- احتفظ بكل ذلك رغما عن شكله المضحك فيها. لكن عندما أيضا أفكر بطريقة أخرى أحزن كثيرا كثيرا، فهو بالنهاية سيعيش طول عمره داخل البيضة التي لم يخرج منها بشكل كامل. سيظل حبيسا طوال حياته. هل سيموت قبل أن يلد؟! أو أن هذا يعني أنه عندما يموت سيدفن داخل بيضته التي ستفقس من جديد؟! لا أدري يمكن للكلمات أن تحدث كلّ شيء. لا عجب إن كانوا يقولون "ابراكادابرا" في عالم الكرتون والخرافات حتّى يتحوّل كلّ شيء بفعل سحر ما، سحر الكلمة أو لا أدري هل الحياة قائمة على كلمة ما؟ هل مشاعرنا والتي يمكن أن يختلف تشكيلها بفعل كلمة وإن كانت تكذب؟ هل مشاعرنا تشبه مكعبات التركيب التي يلعبها الأطفال؟ مشاعرنا لأنّها هي التي تقرّر بالنهاية مالذي تعنيه هذه الحياة. 

 

 

كل لون أحمر أحبه يمكن أن أكرهه بعد أن يقول لي أحدهم بأنّ هذا لون دم مسفوح، الشكل والبريق ودرجة اللون لا شيء تغيّر إلا معنى من كلمة قيلت، ربّما كانت تكذب. 

 

 

مالذي أبعدني عن "كالميرو" وأنا أتحدّث؟ 

على كلّ حال تذكّرت كالميرو الذي يمكنني أن أعيد تشكيل نفسي فيه مرارا وتكرارا وتذكّرت أني مثله لم أخرج من نفسي يكفي أن أقصى احتجاج قمت هو عدم الاستيقاظ باكرا كما اعتادوا عليّ.

 

 

  

الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

الشكل الفني للفراغ

 





ملء الغرف بالأثاث والزوايا وبتعبير آخر ملء الفراغ، هل يمكن أن نقول بصورة أخرى أنه رسم أو نحت للفراغ لإعطائه شكلا؟

عند دخولك أي غرفة أو مكان مغلق بطبيعة الحال مليئة بالأثاث والزوايا وهي بالمجمل تشكّل شكلا لها وللفراغ بالنهاية. يمكن تقييم مدى جمال الأشياء الماديّة أكثر وبصورة أقل الفراغ "الذي يسبح فوق أسطح الأشياء بتعرجاتها" فوق وعلى جنبات الزوايا وقطع الأثاث ويأخذ شكلا بالنهاية . لو غمرنا المكان بالماء ثم جمدناه وأزلنا قالب الثلج الناتج، سيكون له شكلا وهو انعكاس ماهو موجود من مواد وزوايا وقطع. بكلّ الأحوال المصمم لم يصمم ذلك القالب من الفراغ بل وُجد كانعكاس لما قام بتصميمه. 

السؤال: شكل الفراغ هذا، هل نشعر أو نعلم أو نراه في باطننا دون أن ندرك؟ هل يحدث ذلك من دون وعي ويكون له أثر بالغ على ارتياحنا في المكان نفسه؟

 

 

Ando Fuchs

كيف يمكننا أن نفهم بأننا نشعر بهذا الشكل من الفراغ دون وعي؟ 

(سقف الغرف) لو نسخنا غرفتين وجعلنا احداهما ذات سقف منخفض والأخرى ذات سقف عالي. سيحدث ذلك تغييرا كبيرا، يشبه الاختلاف بين شكل "المستطيل" و "المربع". رغم أن مساحة الغرفة لم تختلف ولا توزيع القطع والمواد، لكن الغرفة اختلفت كثيرا، وأثرها على الشخص أيضا. كلّ هذا أحدثه تغيير شكل الفراغ، وبصورة أدق كتلة الفراغ. ولو أدخلنا على السقف تعديلات شكليّة ليست بالزخارف والأبعاد التي يتضح تأثيرها بسهولة، بل تعديلات مثل انحناء زوايا السقف بطريقة معيّنة "ربع دائرة مثلا" أو بزاوية مكسورة على  90ْ هل سيحدث ذلك فرقا؟ وهل الفرق سينجم عن شكل زاوية السقف المنحنية أو المكسورة نفسها أم بالفراغ الناجم عن ذلك؟ يمكننا أن نقول بأنّ زوايا الأسقف تحدث فرقا بالفعل وعلى افتراض ذلك لماذا نجزم بتأثير الفراغ الناجم من زوايا الأسقف ولا نجزم بالفراغ الناجم من أسطح المواد والأثاث نفسه؟ ولو أجزمنا بتأثيرها نعود ونقول: هل ذلك ناجم من الشكل أم من الشكل الناتج بالفراغ؟  وعندما نقول مكان مريح، أثاث مريح، هل يعني ذلك أنه جميل؟ إذا كيف يكون العمل الفنّي مريحا -على اعتبار أن التصميم الداخلي عمل فنّي كذلك- هل نقول ذلك عند اعتباره عملا جميلا؟ بالنسبة للمكان والقطع، هل نقول مكان مريح بفضل الكرسيّ المريح فيه وباقي أدوات الراحة، أبفضلها نقول عن المكان مريح؟ أم لأسباب تتعدّى ذلك؟

 

 

ولو جزمنا بأن التصميم الداخلي عمل فنّي، أيعني ذلك أننا سنجد ما يتوافق بالمعنى استخدام كلمة "مريح" لوصف جمال عمل فني آخر وليس تصميما داخليّا؟ هل من مقاييس جمال العمل الفنّي أن يكون مريحا؟ لعل علينا أن نعود إلى معنى كلمة "مريح" باختلاف لغاتنا ان كنّا نؤمن بدقة إطلاقاتنا وتعابيرنا العفوية وكيف أنها عميقة إلى حدّ أن المفردة المختارة تحيط بالمدلول بكافة مرادفاتها (معانيها المعجمية) هل ماهو مريح بالفن (التصميم الداخلي) له رديف بالأعمال الفنية الأخرى مثل الرسم والنحت وغيره؟

 

 
Jesus Perea

 

 

في سبيل محاولتنا معرفة قيمة الفراغ، من خلال توزيع المواد والزوايا علينا أن نتذكّر أن ذلك سيعتمد على "ثلاثة أبعاد" في حين الرسم مثلا يعتمد على "بعدين" لكن البعد الثالث بالرسم يتمثّل بالخلفية وتخلقه الأشكال والألوان. الموناليزا المزيّفة، تختلف عن الأصلية في أوضح صورها من خلال الخلفيّة، (كتلة الفراغ ذهنيّا) والتي يمكن افتراضها وفق الألوان والأشكال. البورتريهات تختلف كثيرا وفق لون الخلفيّات وحدها، بعضها قد تخنق الوجه والشخص المرسوم وتغرقه، تمنحه مساحة شاسعة، وكما عبّر شبنغلر بكتابه "تدهور الحضارة الغربيّة" عن عمق "البني السرمديّ" وأشار إلى عظمة اكتشاف هذا اللون بالبورتريهات وكيف أنه يمنح الشخصيّة المرسومة بعدا وعمقا وأنت تتأمّلها، كأنك تتأمل عمر الشخص نفسه. يعني أن اللون وتدرجاته سيتحكم ويغيّر كثيرا بكتلة الفراغ المفترضة بالأذهان. 

 

أيضا الشكل (شكل الشخص وهيئته وكتلته الأمامية وتقاطع حدوده) والانحناءات الناجمة عن ذلك صانعة حدودا للخلفيّة. كيف يؤثر على شكل الفراغ باللوحات؟ 



عائلة رولين، رسم فان غوخ


يتضح ذلك كثيرا في لوحات فان غوخ بالذات، خصوصا رسمه لعائلة ساعي البريد رولين والدكتور جاشية. الخطوط فيها أنيقة وليّنة وفي غاية اللطف تمنحك شعورا مريحا تشبه نوعا ما الخطوط الأنيقة والميلان في الرسومات اليابانيّة.حدود الفراغ خلف لوحات فان غوخ لطيفة. 

 

 

ولو قلنا بأن الفراغ الناجم بالنهاية شكل. وقبل ذلك لنعد للشعور المريح أو الإحساس المريح، هل لهذا الشعور أو الإحساس وزن أم شكل؟ هل له شكل (كتلة) أكثر مما له وزنا؟ وهل لهيئة الفراغ شكله (وإن كان غير مرئي بل شكل ذهنيّ) وزن وثقل نشعر به في قلوبنا (مثل أن نقول شعور ثقيل) ؟ لديّ شعور بأنّ شكل الفراغ له أثر على هذا الشعور بالراحة وفي حكمنا على المكان. كأن نقول بكلّ بساطة عن شيء بأننا لا نرتاح له -وفق شكله-. هذا الشكل الذي نشعر به ونراه دون وعي أكثر مما نراه مباشرة ويؤثر في شعورنا نحو المكان. 

على كل حال وكما يصعب حكر الجمال بقاعدة أو نظام ثابت؛ بالإضافة الى تخبّط الأذواق واختلافها وتباينها توجد أمور أخرى غير مفهومة تجعلنا لا نفهم على وجه الدقة متى يكون الشيء جميلا أو لا كعمل فنّي لكن الأمر أقل ابهاما مع البشر والكائنات.

 

دائما ما أتخيل أن أثاثا مليئا بالنتوءات البارزة والطويلة بنهايات "شعيرية" -أو نهايات كنهايات أسطح كنيسة السيجرادا فاميليا- قد يخلق فراغا منفّر الشكل، يشبه بأطرافه الكائنات المجهريّة. مما يجعل المكان غير مريح. أتساءل إن كان ذلك ناجم من أطراف الأثاث نفسه أم الفراغ؟ 

 

 

الى هنا نحن نعرف بأن للفراغ شكل مؤثر لكن ليس له لون يرسم حدوده بدقّه. فراغ مجوّف، فكيف يمكننا الحكم على أثره وهو لايملك لونا وإن خمّنا بأن له هالة نشعر بها وبحدودها ما يجعل له شكلا تقريبيا يتشكل بالنهاية في أذهاننا، هذا الشكل "الهولوجرامي" الذي نجد أنفسنا -دون أن نشعر- أمامه وحتّى ونحن في داخل عمقه لا يخرج عن أذهاننا وجوده. إن ما يساعدنا على تشكيل الفراغ هو اللون والضوء. فهو يرسم حدوده بالزوايا والمساحات والأسطح والمواد. لهذا يمكننا أن نتخيّل أكثر بأنّ التصميم الداخلي عمل صعب. لا نستطيع القول بأن التصميم الداخلي والأماكن -بما فيها الطبيعيّة- تصمّم شكل هذا الفراغ بالأساس. بل هو نتيجة انعكاسية وإن كان جميلا ومريحا كان انعكاسا لما هو أجمل بالواقع. شيء جميل في نفسه وأثره (انعكاسه) 

 

 

رينيه ماغريت

بالنهاية لنقس على الأشخاص في معرفة عمق الحكم وفق الفراغ وشكله. نحن نعلم لأي درجة بأننا لا نحكم على وجودهم بالأساس دون أن نحكم وبصورة أعمق على غيابهم وما يحدثه هذا الغياب -ولو فرضا- من فراغ. بل إننا وبلا وعي نراهم من خلال ذلك الفراغ الذي يمكن افتراضه 



     



السبت، 5 سبتمبر 2020

-٢٧-

 ٤ ساعات غير كافية من النوم هذا كل ما أحتاجه لقضاء يوم سيّءوالوقوف في وجه أحزاني لم أعد قادرا على التغلب عليها؛ كل فكرة موبوءة بما يشعرني بالحزنمزعج ادراك أن ما ينهكنا ليست الا أحزان كان يمكن طردها خارجا من تفكيرنا لكنها مهارة لا تنمو مع الوقت غالبا أو أنها أنهكتهل يمكن ان أخبرك بكل شيء في يوم ما؟ لماذا أشعر بأن ما أود قوله ليس الا جزء منّي ولا استطيع فصله جسديا الا بانتزاعه بكل ألمهل ستتقبلني بشكلي الجديد وقد انتزع جزء منّي؟ لا أبحث عن شيء من ذلك، لطالما حرصت على قطع ساعات نوميللنهوض بحثا عن شيء لا أعرفه، ولم يكن يعنيني أن اعرف ذلك، كان يكفيني أن أبحث عن شيء، أن أبحث ليس إلا، وكان لذلك معنى كافي بالنسبة لي.

الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

الحياة تضيق داخل جلده

 



"مالذي ينقص هذا الكرسيّ حتّى يكون مريحا؟" 

لطالما تساءل عن عدم اكتمال أي شيء جيّد من أجله. قام بغسل وجهه ليشم رائحة الماء، وبدأ يجفّف الماء من وجهه ليشعر بلذعات الهواء أكثر على جلده، والذي يزعجه الشعور بأنه يتصبّب عرقا من الداخل. 

 

"كلّ شيء جيّد لهذا اليوم؛ لم أضطر للقيام بأي عمل جديد بالنسبة لي. إعتدتّ إلى الآن على أداء هذا القسط المريح من الأداء مع الناس" قال ذلك رغم أنه يبقيه بعيدا عنهم. 

 

"لديك زيارة للسيّد # " فاتحه مدير عمله بذلك قبل أن يرحّب به بشاشة. 

"هل سأحتاج لبذل مجهود أكبر على ملامح وجهي؟ جلدي ملتصق بشدّة وتحتاج رسم التعابير إلى عضلات أقوى. بالأمس أدّيت جيّدا لكنّي أنهكت عضلات وجهي في رسم ابتسامات لم تكن ظرورية" قالها مستعطفا مديره.

 

"ستعتاد على المقدار الأدنى من هذه الابتسامات مع الوقت" قالها بعد أن رسم له ابتسامة موزونة وأردف قائلا "ليس عليك على كل حال أن تحرّك وجهك كثيرا، السيّد # بالكاد يرى جيّدا"

 

اطمأن صاحبنا * لذلك قائلا "هذا يعني أن أتكلّم بنبرة ألطف أو أرسم بها عوضا عن تجاعيد وجهي ابتسامة مسموعة"

 

ردّ عليه المدير بكلّ رضى "كدت تتقن كلّ شيء، لم يبقى عليك إلا القليل يا * "

 

أمام المرآة، بدأ بتحسين هندامه ويتأكد أن يظهر بالمرآة بالشكل اللائق، ليبدأ عمليّة تجميد هيئته بأحسن هيئة ممكنة، ويحملها كما هي إلى عمله للسيّد # . شعر بانزعاج طفيف، الجلد مشدود على جبينه أكثر وهو يخشى أن يتقرّح. 

"ليتهم قالوا لي بأن مرهم الوجه أهم بكثير من أشياء أخبروني بأهميّتها" قالها متأففا. 

 

أثناء مشيه خارجا للسيّد # لم يخفى على أحد بأنه كان يواصل وضع اللمسات الأخيرة على هندامه. رغم وضعيّة الجمود التي غطس بها غامرا تفكيره. لم تكن تلك اللمسات التي لا تحدث فرقا في حالة الجمود أن تنتهي إلا لحظة دخوله على السيّد ( .. )

 

يقفز الى الرصيف و يشعر بأنه تجاوز شيئا أكثر من البضعة سنتمترات التي تجاوزها بالفعل لامتطاء الرصيف. بدأ يتخيّل نفسه وهو يجري أمام الملأ ويقفز بين فترة وأخرى. هل سينال ذلك الشعور، الشعور بأنه تجاوز شيئا لا يعرفه ويستمر بالقفز أكثر؟

" في اليوم الذي أودع فيه هذا العمل المقيت، سأقفز خارجا منه" 

 

لم يضطر لإظهار مالم يعتد عليه مع السيّد ( .. ). كلّ شيء سار بهدوء. عدا أن شعورا عاصفا كان يعصف في داخله. حاول التماسك أكثر. فهو لا يريد تمزيق هيئته التي باتت تخنقه أكثر ويحاول طرد فكرة تمزيق كلّ شيء والقفز خارجا من كلّ ذلك. 

 

شعر بأنه يرتدي شيئا أجبر عليه على غير رغبته وطبيعته التي قاسى منها ومن أجلها. ( ذلك يشبه ارتداء ملابس شتويّة في صيف قائظ وتحمّل درجات الحرارة العالية وإشادة الأشخاص البليدة والتي ترفع درجة حرارة جسده المحرج أكثر) 

 

وبعد أن وصل إلى غرفته الوحيدة أخيرا وتكرار قول "كلّ شيء جيد لهذا اليوم .. " وبكل حذر وهو يراقب إن كانت غرفته خالية تماما وبعد إغلاق الستائر بحذر كي لا يراه أحد على حقيقته والظهور عاريا بها. وبصعوبة قام بنزع جلده المزعج وأطلق جسده تنهيدة قويّة بحجم الإختناق لهذا اليوم.