الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

دمى تتحرك



*




في اليوم الذي قررت فيه الدمى أن تتحرك دبّ الذعر في الناس. 
يمكن الشعور بذلك الفزع، لا يشبه الفزع من القيامة الذي يعني نهاية كل شيء. من هيئة المرعوبين كان ذلك يعني بداية شيء ما.

ليلا ومن النافذة وقد أطفأت الأنوار حتى لا يخرجني ظلي خارج الغرفة. الناس في الخارج مذعورون ويحاصرهم الفزع -أتخيل أن الوجود بينهم أكثر أمانا من وحدتي-. بطرف الساحة مجسم ضخم يتحرك -لا بفعل الرياح- يحاول ضجرا أن يتحرر مثل اجناسه من المسامير التي تثبت جسده. متضايقا من هيئته التي صنع بها على شكل نصف جسد علويّ ممسكا بتلك الأداة على يده. واصل الاهتزاز لينتزع نفسه من المسامير التي تثبته كلوحة إعلانية فوق أحد المحلات التجارية. كأنه ثبت بإحكام خوفا من مثل هذا اليوم. مثل الأضواء التي تحدق فيه، وخلافا لجموع الهاربين مجموعة من الناس تحدق فيه كأنها لا تصدق ما يتحرك أمامها. 

لم أعد أرى الخيول التي كانت تزين الساحة. امتطت حريتها وجرت بعيدا. كأنها تحركت قبل باقي الدمى. وبقية التماثيل انتزعت نفسها لا أثر إلا أقدام انتزعت سيقانها حتى ذلك الطير والذي كان يزين سطح أحد المباني طار بعيدا. المكان بات خاليا الا من الناس التي تملؤ المكان بالفزع

الفوضى تعم الساحة -أكرر ذلك يأسا في نفسي-. لم أزح الستارة عن وجهي كاملا. فلا يراني الوحش ولا باقي الدمى. يمنحني ذلك شعورا بأني بعيد عن حالة الرعب التي يعيشها الناس بالخارج "أنا في مأمن" أقول ذلك كأني أحسب أن ورقة  قد تقيني من لكمة أحدهم 

بالساحة أحد الهاربين يجرّ صاحبه يحاول إكمال شيء يود قوله، مالذي يوقفك عن الهرب للحديث مع أحدهم الا أن تقول بأنك كنت تعرف بأن ذلك كان سيحدث وأنك تعلم بأن الدمى كانت تحدق بنا طوال الوقت. وأن تلك الأصوات ليست تكسرا للفراغ داخل قطع الأثاث بالمنزل ولا خدش الرياح لصمت المكان. الدمى كانت تتحرك طوال الوقت دون أن ننتبه. 

لم ينتبه الهاربون الذين بدؤوا يحتشدون بالساحة الى الحشد المقترب من بعيد. ليسوا بشرا كما يبدو، فهم يمشون على مهل بخلاف البشر الذين أراهم أمامي. 

كأنه انتزع المسامير من أقدامه هرب أحد المتجمهرين من أمام ذلك الوحش. بدأت المسامير بالانحلال وحركته باتت أشد اضطرابا. كأنه يود أن يلقي ما في يده على الناس لينال نصيبه من إرعاب الهاربين

كان الهاربين الذين احتشدوا أكثر بالمكان وبعضهم أكمل هروبه خارج الساحة يصطدمون ببعضهم البعض. ومن ثم يهربون سوية باتجاه واحد. بالعادة كان أحدهم يشير الى مكان ما، لاشك يشير الى البيت الذي هرب ومنه، أحدهم يشير الى بيتي! "هل علي أن أركض مثلهم؟" 

خلفي مباشرة، أشعر بحسيس يتحرك. قدم صلبة تطرق الأرضية بهدوء "تحركت دميتي أخيرا" . وقدم أخرى بدت وكأنها تهمس في مشيها الناعم. الستارة عالقة في يدي. وقفت جامداً. بالخلف كأن شيئا ما يحدق بي. ذلك التحديق الذي خلته وهما بات يخترق جسدي ويكاد يهزني مسقطا طرف الستارة العالقة في يدي.

لم الذعر؟ الدمى كانت أفرادا من العائلة. أكانت تلعب خفية وتتحرك بالخفاء؟
بدأت الستارة تنحل من يدي وهو ما أقلقني. حكة تنهش جلدي -الفراغ فعل ذلك عمدا-. يمكنني أن أشعر  بما كانت تشعر به الدمى المقيدة في جمودها خوفا من الحركة. كم وددت تمزيق ذلك الجزء من يدي بأظافري. الأقدام لا زالت تقترب. لكنها على ما يبدو كفت عن التحديق بي. لم تعد توجه اقدامها نحوي. 

لكن حجم خطواتها بدأ يكبر. أي أنها تقترب أكثر. "ماهو حال الأطفال في مدن الألعاب؟" هذا أبعد مكان ذهب اليه تفكيري الذي يخشى التحرك مثلي. 

هل سقطت الستارة من يدي؟

لا أدري

دبّ الذعر في الدمى التي كانت تقترب. تمزقت أحشائي وهي تتحرك داخلي دون أن يتحرك جسدي شبرا واحداً.

هل أجري مع الناس للخارج؟ أم أتحول الى دمية قد تتحرك في يوم ما. 

قد يطول جمودي لسنوات طوال خوفا من أن تثير  حركتي الرعب والفزع في قلوب الدمى دون قصد مني 

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

فقاعة ماء في الهواء


Henrik Sorensen

اليك أكتب..
ودائما أتخيل -وهذا مايخيفني بأن يأتي يوم لا أفرق فيه بين حياتي وخيالي- مشهد اكتشفت بأني أحبه من الخارج أكثر وكدور أقوم بتأديته لهذا أدركت بأني أجبن من أن أقدم على الانتحار في يوم ما.
وعرفت -أو يحتمل- أني أحب المشهد لانه عندما يقدم من يقوم بدور الانتحار عني لا يقتلني أنا بل أشياء أريد أن تموت عني

أتخيل
أني أصعد سلالم بناية عالية -المرتفعات العمرانية ترعبني إلا أن المرتفعات الطبيعية تأسرني- البناية كالبرج، وهي وسط منطقة مدنيّة حيّة ومليئة بالناس وكم تخيلت أن الناس يعيشون حياة رائعة دون أن يخبروني بها. أكمل صعودي للبرج، أخرج من جوفه الى السطح. الجو بارد، وأثر المطر واضح من خلال الأرضية الرطبة والأصوات التي تقطر من حولي، وتشعرني بأن شيئا ما يرمقني. وسحابة لم يكتمل رحيلها وإنزال مافيها.

أصعد درجات سلمٍ للأعلى
رجلي ترتجف، الهواء البارد. وتنزلق، لعله الخوف. ارتعش،البرد يفعل أكثر من ذلك. أتمسك بالقضبان الحديدية لأكمل صعودي، أتوكأ عليها، أنهار قليلا، أتوكأ بخدي على حديدة، باردة كالثلج. ألذ وأحن عليّ من الدفء

أبكي
أبكي وتتغير ملامح وجهي. لطالما اعتبرت ملامحي فظيعة عند البكاء.وجهي ليس قبيحا لكنه بشع عندما يبكي أحب طريقة تعبيره وإن لم يعجبني شكله وكأنه يمسك بملامحه ويشد على ما يبكيه بقوة

أتنفس بحرقة. أتحسس الحديدة أصبحت دافئة قليلا.

أكمل طريقي، وأتخيل بأني لا أدري مالذي فعلته بعدها لكن أَجِد نفسي أطير وأنا مستلقي بظهري على الهواء
أطير 
أطير للأسفل
بقوة
أحس بأن الدمع يطير للأعلى وهو يخرج من عيني، هذا الفراق يجعلني أتخيل الدمع فقاعات وأنا أغوص برأسي للأسفل بالماء كما كنت أحب
ابتسم
وارتطم بالأرض

لطالما كان السقوط بالخلف يؤلمني أكثر. أذكر أن رأسي يقتلني ألما ان سقطت على ظهري ورأسي بالخلف. ذلك يجعلني أطلق شهيقا حادا يخترق صدري بعنف
ألم
لا أدري لم اخترت أكثر شيء كان يؤلمني، طريقة لانتحار أحدنا؛ لعلي ظننت بأني سأسبح كما كنت أحب ولن أسقط كما كنت أخشى دوما

أكمل الرسالة بعد أن هربت وبطريقة بهلوانية كقصة من رأسي الذي كنت أفكر به