الاثنين، 29 مايو 2023

-٣١-

كيف فقدت ذلك الحبل الرفيع الذي كان يربطني بمدونتي؟ لم أعد أكتب منذ مدة كما تُكتب المدونات، أفكار غير مرتبة وآمال وتطلعات مبعثرة أقوم باختطافها برفق كما تُخطف الفراشات قبل الطيران. 


by the way تذكرت معلومة لا أذكر أين حصلت عليها، غالبا من فيلم وثائقي قديم. المهم، في الكولوسيوم كان المصارعون يتقاتلون حتّى الموت تحت هتاف الجماهير، كانوا عبيدا وأسرى حرب بالغالب وبعضهم عومل بالنهاية كالأبطال. إن أراد أحد المصارعين الاستسلام كان يجثوا على احدى ركبتيه ويرفع يده اليسرا، عندها يقترب الخصم بهدوء ويغرس السيف في عنقه من الخلف بكلّ رحمة! مالذي يدفع أحدهم لهكذا استسلام؟ هل تعب من القتال، هل ضجر من كل ذلك العبث ليقول كفى أروني كيف نبدو بعد الموت؟ لا أظنّها شيئا من ذلك، كلها افتراضات تشبه بنات أفكار عصرنا؛ السلم جعلنا نفرغ للتفكير. ما يحزنني أنني لم أجد ذلك المنظر في لوحة، لا لأن ذلك قد يعني أن المعلومة خاطئة وأني أتمسّك بها لرومنسيتها -أيشبه تفكيري هذا شيئا من تفكير شيطان الجرة في انمي "قاتل الشياطين" الذي يتأمل سكرات الموت كصورة فنيّة- أكرهه، على كلّ حال كم أتمنّى أن أسمع كلمات المستسلم الأخيرة، كم كان عددهم؟ هل كان غاضبا وهو يسمع صوت هتافات الجماهير؟ ربما منها صافرات استهجان وجهت نحوه. كلهم الآن ميتيون وبعد أكثر من ألفي عام ما رأيك أنت بما حدث؟ هل يمكنك تفسير ذلك الحشد من الجماهير؟ لعلهم كانوا أعلى  صخبا من جماهير شالكه أو بروسيا دورتموند أو لاتسيو روما في أوج حماسهم بعد احراز فريقهم لهدف في المرمى، أريد منك أن تُسكت من يسخر من هتاف البشر على دخول كرة مطاطيّة داخل المرمى وتجعله يخبرك لم كانت جماهير الكولوسيوم تهتف بجنون؟ لا أحاول عَصر معنى مأساوي من كل ذلك، لكن الانسان لئيم لا يبالي غالبا بالآخرين، إنه لا يبدي أي اهتمام ببوح أحدهم طالما أن ذلك البوح لم يُخرج بصورة جمالية تثير اعجابه؛ لهذا يحتفي بحزن الشاعر ولا يأبه لغيره، لمن لا يحكي شيئا بل إنه وعلى علم منّا يعيش مأساته بصمت لكن الشاعر ومن مثله يُحتفى به حتّى يجد في حزنه لذّة وقيمة. الواقع أن فينا شيئا يشبه شيطان الجرّة الكريه في انمي "قاتل الشياطين". 

 

انتهيت، لو كنت رساما لرسمت كلّ محارب استسلم في تلك الحلبة. لوحة أجمل من لوحة الرسام الفرنسي جيروم "التصويت بالابهام" 

 

 

 - شكرا على ما قرأت ووصولك لآخر سطر D: -

لو كنتَ أنت  رسام، ماذا كنت سترسم عزيزي القارئ؟