الجمعة، 26 أبريل 2019

برج


*

الساعة تشير الى الرابعة مساء، الجميع يهمّ بالخروج للعودة الى بيوتهم. كنت لا أزال أحاول إنهاء عملي قبل خروجي، لكن التعب دفعني لترك الأوراق بحثا عن بيتي. كالعادة أتوجّه الى المصعد. انتظر، الناس يدخلون ويخرجون، قبل الاصطفاف أحدهم يشير إليّ:" عفوا لايمكنك الوقوف هنا فهذا مكاني" يحدق الجميع بي وكأنهم يوافقون على كلامه. كنت قد سكبت كل  مالدي  من تعابير على اوراق عملي فلم أعد قادرا على ابداء أيّ  شيء كردة فعل حيال ذلك. كنت منهكا. اترك المكان المليء بالصفوف.

أعمل في هذا المبنى (البرج) منذ سنين وبحكم عملي أملك غرفة فيه، أو بالأحرى توجد غرفة خصصت لي كافية لامضاء ما يبقيه العمل من يومي. وكعادتي وبعد كل سبب -وفي كل يوم- يقصيني من صفوف المصعد أدخل غرفتي الخاصة حيث كل شيء يسير كالمعتاد. ينغلق الباب ويقفل كأنّ ذلك يحدث من تلقاء نفسه. لا أملك -على ما أذكر- صورة في ذهنيّ وأنا أقوم بتلك الأشياء بنفسي. آخر شيء  يمكنني فعله ألقي بنظرة من على النافذة وكأني أوشك على القاء نفسي من الطابق الـ .. لم أعد أتذكر الرقم، كان عاليا لدرجة أنه القاني بعيدا بالأعلى. يصعب تمييز الأشخاص، يبدون متساوون من الأعلى لكن يمكنني أن أميز كلّ شخص بخطواته، أكاد أسمع مايقولون في أنفسهم، كأنهم يكتبون ذلك بخطواتهم. كيف هي الحياة بالأسفل؟ لا أحد يمكنه اخباري. للأسف لست قادرا على شتم كل شخص يمنعني من أخذ المصعد ولم  أجد شيئا يدفعني لاعتبار مايحدث سببا جديرا باختلاق المشاكل. بالأمس الجميع ينظرون الي بعد انتهاء العمل "لايعقل بأنك تود الخروج معنا" هكذا كانوا يقولون، لم أعد أرغب بالكلام يمكنني سماع الكلمات من أعينهم. الاقتراب من تلك الصفوف يشعرني بالضيق. كيف يبدو البرج؟ نسيت شكله لكن من خطوات الناس الذين قد ينظرون اليه قليلا من الأسفل يبدو كوحش أليف، بشع ومهاب المنظر لكنه مسالم. يبدو وأنّه يستمر بالنموّ في كلّ مرة يغيّر الناس طريقة تحديقهم به. أتخيل لو أمكنني رسم البرج من خلال ذلك. 

قبل اغلاق الستارة أشدّ على قبضة يدي كأنّي أحاول ابقاء الستارة في يدي بقوّة أمام رغبة هادئة. هذا أشد ماستطعت فعله. أغلق الستارة تاركا ندبة بسيطة على القماش

كانت غرفتي بسيطة الأثاث تلبّي حاجتي والتي لا تلحّ كثيرا على أي حال. الستارة التي ذكرتها وبلونها المائل للون الجدار والذي يمكنك أن تعتبر لونه أبيضا دون الأخذ بعين الاعتبار إضاءة الغرفة. طاولة بلون قاتم أحبّه يترك الحفر فيها أثرا واضحا. كرسي حرصت على أن يكون مريحا أكثر من سريري لأنّي أقضي فيه أكثر وقتي. من حسن الحظ كان كذلك وإلا ماكنت أدري رغم حرصي ان كنت قادرا على تبديله لو لم يكن كذلك. بضع لوحات صغيرة أتيت بها من عالمي بالأسفل. اللون الأزرق يغلب عليها يمكن للون الأزرق أن يقول مايحلو له بالأشكال ليبدو جميلا بنظري. الغرفة صغيرة ومناسبة وأنيقة كما قلت بشكل جميل. لا أذكر كيف ولكن لاشكّ وأنها صممت من أجلي كانت تلبي طلباتي كما أنها ألمحت كثيرا إلى أشياء لم تكتمل كنت أودّها لكني قبلت بما دونها عن طيب خاطر  هكذا بدت الغرفة تحدثني. 

قبل اكمال ملابس نومي استلقي على السرير، واحدة من طقوسي التي تجعلني أسهر وحيدا قدر المستطاع، لأن اكمال ملابس نومي يعني تلميحا صريحا لحثّ أفكاري على مغادرة رأسي وتركي وحيدا لأنام. الكتب تتراكم أكثر وأكثر، أحبّ الاقتناء انتظارا لأيام لم تأتي بعد. أدنى سبب كافي لجعلي ألهو بعيدا عن كتبي. سمعت أغنية I 'v Been Working on the Railroad ذلك جرّني بعيدا وأعادني لكتبي لأبحث عن أي شيء له صلة بها، لا أجد شيئا فأبحث عن أي شيء يقترب منها ولأوّل مرّة فكّرت بشيء جدير بالجديّة: أود أن أتعلّم العزف على القيثار. قبل النوم أفتح الستارة، ومن النافذة أمسك بشعور بأنّ أحدا ما يراني وإن لم أراه لأعود إلى السرير وأنام

استيقظ وكعادتي ألقي بنفسي من على النافذة -أو هكذا أبدو- لأرى العالم بالأسفل لاشك وأن البرج شاهق الارتفاع لاأدري كيف للمضخات أن تدفع بالماء للأعلى بعيدا بالأنابيب وكيف لها أن تصل. كانت هذه أكثر فكرة تراودني كل يوم. أي قوة يمكنها ذلك؟ المكان عالي. هل من شأن ذلك أن يمنع جسدي من دفع الدماء عاليا نحو دماغي؟ الدماء وباقي الهرمونات والانزيمات هل يمكن لجسدي الدفع بكل ذلك للأعلى حتّى أستفيق؟

أتناول الوجبات كلّها في جوف هذا البرج. الطعام يأتي من الخارج، أعرف ذلك من مذاقه.

كالعادة انهكتني الأوراق والحديث مع الأشخاص بالهاتف بات يرهقني لم أرهم لكن يمكن أن أحدثك عن لقائي بأحدهم وحديثي معه بمجرّد أن تكون هناك مكالمة معه. بعد نهاية يوم عمل آخر نظرات زملائي الذين يخرجون كانت تودعني وكأنها تقول "تريد شيئا من الخارج؟" وأخرى تقول "نراك قريبا بعد العودة من الأسفل" وأخرى تقول "ابقى مكانك" الكل لايريد خروجي، هكذا يبدو. وكلهم أشعروني بأنهم يعرفون طريق الخروج ويملكون تصريحا لذلك.

نسيت أن أخبركم بأن في جوف البرج نادي للرياضة في كلّ مرّة أهم باليأس أتذكره ليبدو كبصيص أمل يبقيني بخير في الأعلى. بسبب التكييف لا أعرق كثيرا. وبسبب فخامة المعدات والمرافق لا أشعر حتّى بالارهاق كل شيء مريح حتّى للعين أيمكن القول: وهذا أكثر مما ينبغي؟!

كجزء من عادتي لما كنت أعيش مع الناس بالأسفل كنت استحم بعد قضاء الوقت في النادي رغم أني أعيش في غرفة قريبة لكن الاستحمام بالنادي يمنحني شعورا أفضل من غرفتي.

في البرج يتحدّث العديد من الناس مختلف اللغات ولاتحتاج لمعرفة الكثير عنها، فقط القاء التحيّة والسلام أكثر من كافي لملء الحديث بينكم. الكل في مساره وجريانه في عالمه الخاص. كل شيء يسير كما ينبغي مثل جريان الدم داخل شرايين البرج. كذلك يبدو الناس في باطن البرج. لكن رغم كل هذا السريان والمسافات التي نقطعها سيرا على الأقدام لم نكن نحدث أيّ ضجّة أو حياة بمشينا كما يمشي الناس بالأسفل حيث يمكنك أن تسمع كلماتهم من نبرة أقدامهم. الناس بالأسفل يعيشون مستمتعين في ضجيجهم ولا أدري هل من أحد يمكن أن يحدق بنا، نحن الذين لانحدث أي ضجيج. بالكاد تسمع نداء جرس المصعد وكلمة "أهلا بك" تائهة في الممرات ولاشيء أكثر حتى بالعمل لم يعد هناك حديث يكسر جدار تلك الأصوات التي اعتدنا عليها ونسينا وجودها.هل تعرفون؟ عقولنا تتجاهل وجود أنف يعيق الرؤية.

لا أذكر متى قدمت الى هنا. كنت في مقابلة رسميّة، نظر أحدهم الى الأوراق التي كانت بحوزتي وتقرّر بعد ذلك قبولي داخل البرج. مامن قرار -كما يبدو- يمكنه أن يدفعني للخارج، خارج هذا البرج. لمن أقدّم أوراقي بالأسفل؟ بل من أين آتي باوراق تخصني أنا من الخارج، حيث لا أستطيع الوصول.  لا أجرؤ على مفاتحة مديري بالموضوع، موضوع خروجي. في كل مرة أجده يبتسم لي ويشيد بوجودي ويعلق آمالا -لست جديرا بها- علي. ما أقسى طيبة قلبه ذلك يمنعني من فتح الحديث معه. الوصول اليه بعيد أبعد من أن أصله بقفزة واحدة. بعد كل قفزة أعود أدراجي، أشعر بأن وجودي يتلاشى مع أول ابتسامة يقدمها لي. لا يمكن للحديث أن يطول معه أكثر من التحيّة وسماع بعض الاطراء منه ومن ثمّ تختفي من عينه وينشغل بعيدا عنك.
"صباح الخير سيدي"
يرد مبتسما "أهلا عزيزي صباح الخير، كم هو جيد رؤيتك بصحة جيّدا" يكمل قائلا "اليوم تحدثت بالاجتماع عنك وأنك واحد من أفضل موظفينا وقد تقرّر أن نعينك بوظيفة أخرى تليق بك" لم يتح قدرا كافيا من السكوت لشكره لهذا شكرته بابتسامة صامتة وأكمل " اليوم لدينا مشاكل اتصل بي مدير أحد المؤسسات التي نتعامل معها لأمر مهمّ وهو ماسيدفعني للخروج بعد أن أنهي ماتراكم من عمل" يطلب أحد الموظفين على الهاتف ويناديه ويستدرك وجودي قائلا " أوه هل من شيء أتيت من أجله لأساعدك فيه؟". " كلا على الإطلاق" أردّ منسحبا، ولأني اعتدت على سماع حديث الناس في صمتهم بدى وكأنّه يعتذر ويعرف أشياء عني لا يود افصاحها، لم تكن المرة الأولى التي يبشرني بوظيفته تلك، في كل مرة أصعد أزداد بعدا داخل البرج بعيدا عن الأرض. لاشك وأنّه سيفتح نار حديثه علي لو ألححت في طلبي. عن ذلك اليوم والذي أخجل من مجرد التفكير بوقوعه يوما.
في اليوم التالي لا أتذكّر أن حديثا تمّ بيننا إلا بعد أن يقول لي في نهاية حديثه "..هل من شيء أتيت من أجله؟" أرد كالعادة وقد تذكّرت جيّدا "كلا على الإطلاق"

(لا شيء يخفى على المدير) عشت طويلا على هذا القول، استطيع القول بأن هذا بات يسير اغلب تصرفاتي في العمل. لم أكن قادرا على كرهه على ذلك ماكنت متأكّدا من حقيقة معرفته بشيء.





أعين الناس باتت أشد حدة لم أعد أطيل الحديث مع المدير، ولم أعد أصل الى عتبة سؤاله (ان كنت أريد شيئا) وبهذا أغلق آخر باب للخروج.

 م أعد قادرا على النظر للمصعد، آخر مرة كان عامل النظافة ينظر الى بأسى. وهو متكئ على عصى مكنسته، لوى جذعه وهو ينظر الى خلفه إليّ، حتّى اني شعرت بوخز ذلك على ظهري. عندما اقتربت بدأ الناس بالمصعد يحدقون بي، نظرت خلفي اذا بالعامل يحدق بي! أكان ينتظر شيئا يحل بي بينهم؟ ناديت زميلي بالعمل ".." أتاني وقال "أهلا .. هل من شيء؟" قلت له "نسيت أن أخبرك شيئا مهما" لم يخفى على أحد أن كلامي لم يكن إلا وسيلة لسحبه بعيدا عنهم وسألته " مالذي يحدث هل من شيء أرجوك؟". "لايمكن قول شيء حاليّا عد إلى غرفتك وغدا أخبرك" بهذا أجاب. (عد الى غرفتك) لأول مرة أسمع هذه الكلمة من لسان أحدهم. سماعها من أعين الناس طويلا كاد يقتلني وبسماعها أخيرا منه شعرت بأنّها فعلت شيئا حسنا لي. تظاهرت بأني عدت طواعية، لم أسرع خطاي حتى لا ألفت أعينهم. إلا أن ذلك لم يمنع شعوري من الاحساس بأن أحدهم كان يطاردني ليهمس في أذني شيئا لن أود سماعه.

عدت الى غرفتي، على يقين تام بأن المدير والجميع يعرفون كل شيء، كلهم يعلمون. سحبت الكرسي قرب النافذة فتحت الستارة جاعلا من المنظر طاولة لي والشمس التي مالت للغروب مصباح لي والسماء سقفا لغرفتي. المصباح بدأ يخفت كعادة مصباحي. مددت يدي لأهزه كي يفيق. بهذا فقط شعرت بأنّي قد خرجت من غرفتي بعد سنوات طويلة. 



*Georgia O'Keeffe

الأربعاء، 10 أبريل 2019

شاهد قبر

*



قبل فترة قرأت قصّة لم يوقظني فيها إلا حكاية الرجل الذي دس رأسه في التراب هاربا. الحكاية أخرجت رأسها من تلك الحفرة وأكملت سيرها في حين ظلّ  رأسي عالقا. رائحة الطين تبعث على الراحة. أشعر بطيب أنفاس الأرض وهي تملأ جوفي. الأصوات من حولي تختنق كأنّ شيئا يخنق العالم دون أن ينتبه إليّ. أدس رأسي أكثر وبكل طمأنينة بدا وكأنّي تركت كلّ مايرعبني وراء ظهري. أتذكّر كيف كنت أحبّ أن أغطس برأسي في الماء عميقا كان الصمت يمنحني شعورا وكأن أحدهم يحاول أن يخنق العالم بالوسادة من خلفي. كنت راضيا! وأطيل البقاء قدر الإمكان أي بقدر ماكنت قادرا على الاختناق بالماء لأشفي غليلي

كانت يداي ترفرفان بعيدا، ومع الوقت لم تعد تبتعد كثيرا. كان دبيب الحشرات فيها يحك رأسي!. فكّرت أيهما رأسي. لم تكن يدان تفكران وتتذكران لتختلف كثيرا عن ماكان يحدث عادة في تفكيري. كانتا تذهبان بعيدا -أي أبعد من جسدي-  كذلك كانت تفكّر. ولؤأكد لنفسي بأنّ يدي ليست رأسي كنت أضرب بها على الأرض؛ ماكان ليضرب بنفسه على التراب. والجرح الذي على يدي لم أشعر به في رأسي، كان عليّ أن أجد وهما أكتفي به ماكنت لأهرب لتضايقني فكرة كهذه، لكن الحيرة عاودتني عندما بدأ الهواء يلعق جرحي
 
 أيام ولم يعد مكان رأسي يهمّني ولم تعد يداي تذهبان بعيدا ولم أعد أشعر بدبيب الحشرات كثيرا عدا عن بعض أرجلها وهي تحك  رأسي بيدي. آخر تربة قبضتها يدي كانت آخر فكرة تذكّرني بها.



نسيت حتّى بدأت أشياء تنمو خلال أظافري، وكأنّ يدي تستيقظ، كانت تحكّني من جديد وانتابتني تلك الفكرة الميؤوس منها، أين رأسي؟ بدأت أشعر بشيء يدبّ داخل يدي، داخل عروقي أصبحت أشعر باللمس وبدأت تنمو هذه المرة لم تعد أرجل الحشرات تزعجني


نسيت أن أتذكّر عيني -وكأنّي دسست برأسي عميقا بالقصّة- كانت الأحلام تطرق جفني وكنت أستيقظ منها سريعا لكنها باتت أعمق من السابق كانت تطرق من الداخل أكثر كأنّها كانت تنمو داخل عيني. لم يعد باب الجفن يفصل بين ما أراه وأحلامي. لم يعد من باب يغلق عيني

الأصوات التي كانت تختنق اختفت لم أعد أسمع إلا وقع أقدام. كانت الأشجار تقترب، هكذا شعرت لوهلة كانت تلقي نظرة بثمارها إليّ. بقدر ماكنت أشعر بأنّي مختفي عن عالمي شعرت بأنّ الأشجار باتت تراني.
 الأشجار تتحدّث عنّي!

بدأت أتذكّر الشعور بالعطش عندما بدأ الماء يصعد في داخلي، الشعور بأنّ كل شيء له دبيب يدبّ من حولي أفقدني نفسي. لا أذكر متى نسيت حاجتي إلى شرب الماء. لا شك وأن شيئا باغتني لأنسي. 

كم لبثت دون أن أحرّك جسدي؟ لايهم كنت حيا بما يكفي وكان الشعور بحركة من حولي يكفيني. إلى أن بدأ ذاك النسيم يهب ولأول مرة شعرت بقلبي كنت أميل! حيث يذهب النسيم وان ذهب بعيدا كنت أميل أكثر وذلك كان يؤلمني. تذكّرت كيف سيبدو شكلي بهلوانيّا ومضحكا وأنا أميل بجسدي بتلك الهيئة. إلا أن ذلك لم يوقفني عن الميلان، أحاول إيقاف نفسي مع أنّ التماهي مع ذاك النسيم يريح قلبي ويسعدني. كأنّ حفلة تدور بالأعلى. الكل  كان يلعب الأشجار كانت تلعب لست بهلوانيّا هكذا بدوت في نفسي. أكاد أنكسر! ذاك النسيم لم يعد نسيما. شيء كان يلويني إليه ليكسرني أكثر.
 استيقظ تفكيري أكثر وبدأت أفكر:
 ليته يكسرني إليه أكثر ليحررني

ما إن دب قلبي إلا وعاودت بي الحياة. قدماي! وكأنها كانت تطأ الهواء بالأعلى. الشعور بالرعب بدأ يدفعني للأعلى، أحدهم أنا أو غيري دس رأسي بعيدا في التراب ومع أوّل حركة من جسدي ولأول مرة منذ وقت لا أذكره تنفس جسدي أخيرا. أحاول سحب نفسي للأعلى وعيني بدأت تؤلمني، بدأت أحرك كل ما أمكنني بدأت أتفقد أعضاء جسدي بألمي. بالبداية أحاول سحب رأسي إلا أن ألما فظيعا يندفع داخل عيني ليصل أعمق الى الداخل كانت الأرض تتشبّث بعيني أحرك وجهي لتندفع أملاح التربة الى الداخل، كان ذلك يشعل وجهي. إلى أي حد تشوهت خلقتي؟ أعاود سحب وجهي أكثر لأسمع أصوات تقطع العروق في الداخل كان نزيفها يدفع بالملح أكثر وكانت الأرض تسحبني. إلى هذا الحد لم تعد قصتي تتحرك

نمت العروق وتلاشى آخر أمل بالخروج. كل شيء يدب من حولي والحياة مليئة بالداخل وهناك بالخارج في الأعلى كانت الأشجار والتي بدأت أفهمها أكثر تحدثني عن أناس يمشون من حولي لا أحد يطأ الأرض التي أنا عليها كما أن لا أحد حاول انتزاع تلك الأقدام للأعلى. ومع الأيام بدأت أرى حديث الأشجار بعيني: كنت شيئا يشبه شاهد قبر. على كل حال ماكانت الأشجار لتعرف ما أكون بالضبط      




*Andres Marti