السبت، 25 نوفمبر 2017

الذي جمع مشاعر الضحيّة والجلاد في فيلم Salo


Sul Ponte Di Perati

هذه هي الأغنية الرثائيّة لإحدى الوحدات الايطاليّة "جوليا" والتي غنّاها الممثل باولو بونشيلي بشكل جميل في فيلم Salo , or 140 Days of Sodom (1970) للمخرج بازوليني. في مشهد اجتمعت فيه مشاعر الضحيّة والجلاد بالفيلم وغنّوا معا! وكأنّ بازوليني أراد أن يكون المشهد الغنائيّ البسيط فاصلا مستقطعا من الفيلم، لإحياء ذكرى خيرة الشباب الذين قضوا بالحرب من نفس الوحدة وغيرها.







يبدو أنّ بازوليني قد أتى بالأغنية لأنّه يحبّها أكثر من كونها تعبّر عن شيء يريد ايصاله بالفيلم. عنايته بالمشهد كانت واضحة من خلال تركيز الكاميرا على هذا الشاب وكلمات الأغنية تقول "خيرة الشباب الذين ذهبوا للحرب، رحلوا معها" ويمكن أن يكون لميول بازوليني أثرا في ذلك. 

على كلّ حال الحسرة على من قضوا بالحرب من الايطاليين تختلف عن الحسرة على غيرهم. لاشكّ وأنّ بازوليني مثل العديد من الايطاليين كانت عندهم مثل تلك الحسرة. 




من أين جاءت تلك الحسرة؟ 
ايطاليا في الحرب:

بالحرب العالميّة الأولى والثانية بالذات، لم يكن للجيش الايطاليّ شيئا يفخر به! اعتاد الطليان على تلقّي الخسائر المُخجلة وكانوا فرصة لإظهار بطولات أعدائهم. بالكاد يمكن إظهار تاريخ الجيش الايطالي بالحرب خارج إطار كوميديّ مرير مع صورة طاووسيّة للدوتشي موسوليني. يبدو وكأنّ لعنة حلّت عليهم، قاوم موسوليني بكلّ قوّته اصرار الألمان على دخول الحرب تلبية لتحالفهم، كان موسيليني يعرف مقدار ضعفه. في الوقت الذي كانت الجيوش الألمانيّة تنزل أشدّ الخسائر إذلالا بالجيش الفرنسي وقبل انهيار البلد دفع موسيليني بجيوشه لغزو جنوب فرنسا ولكن الفرنسيين -الذين كانوا يظهرون استهانتهم بالطليان- لم يبقوا إلا أضعف وأقل الوحدات لصدّهم والتي كانت كافية لصدّ الهجوم الايطالي التعيس! حتّى أسطول ايطاليا الجميل هزم بمعركة "رأس ماتابان" بسبب حظّه العاثر والنتيجة أكثر من ٢٠٠٠ قتيل مقابل ثلاثة قتلى انجليز!. وهزائم أخرى أشدّ مرارة من اليونانين باليونان والانجليز في مصر وليبيا.

إنّ حسرة الايطاليين بكلّ ذلك لاعلاقة لها بالنتائج التي ترتّبت عليها تلك الهزائم بقدر ما هي حسرة على رجال شجعان قاتلوا بشراسة وبكلّ شجاعة -بشهادة الانجليز- ولكنّهم قضوا بالحرب بكلّ بساطة لأنّهم كانوا في الجيش الأضعف. بدا وكأنّهم كانوا وقودا لعربة دخلت في سباق خاسر. لم يموتوا دفاعا بكلّ يأس عن وطنهم، بل ماتوا في سبيل مشروع جنونيّ. حيث ألحق التاريخ العار بهذا المشروع  وقام بتدوين كلّ تلك الخسائر بالأرقام، وبدت تلك الأرقام وكأنّها تضحك رغما عن شجاعة الذين ماتوا، فكيف السبيل إلى رثاء هؤلاء؟  




وبلغت القصّة أوجها عندما اضطرّ موسيليني للاستجابة لطلبات هتلر وأرسل الآلاف من الجنود الايطاليين للمشاركة بمعركة ستالينغراد. حيث لايذكر التاريخ -بالغالب- شيئا عن هؤلاء إلا كوحدات مسحها الجيش الأحمر بكلّ بساطة، وكيف أنّها بدت وكأنّها موجودة فقط على الخريطة. بالواقع لا أحد أنكر شجاعة هؤلاء وبسالتهم ولكن التاريخ اعتاد على ذكرهم بهذه الصورة من أجل سياق القصّة الكبرى لستالينغراد، ولم يكن هؤلاء مع الأسف إلا جزءا بسيطا منها. والسؤال المؤلم: من أجل من ماتوا؟
بالنهاية تمّ احتلال ايطاليا مرّتين: عندما سقطت موسوليني احتلّها الحليف الألماني وعندما دخلها الحلفاء أخيرا. 
 
 




 في الفيلم الايطالي Cinema Paradiso (1988)  وبهذا المقطع من الدقيقة 2:10 وبينما كان الطفل يلعب سأل أمّه عن أباه الذي ذهب إلى روسيا ولم يرجع رغم انتهاء الحرب.  





وفي هذا الفيلم الايطالي Lamerica (1994)  توجد حكاية لواحد من هؤلاء المنسيين ولكن في ألبانيا. 



وعودة للأغنية. بازوليني لم يسهب في الرثاء، والواقع أنّ الإشارة قد تكون أبلغ من الكلام بفضل توقيتها. 

وأخيرا 






أداء جميل للأغنية