السبت، 12 مارس 2016

كندا تريد أن تضع امرأة ناجحة على عملتها



في خبر رسميّ أعلنت كندا بأنّها تريد أن تكرّم نساءها الناجحات بوضع صورهنّ على العملة الكنديّة. ولاتوجد صورة لإمرأة في العملة الكنديّة إلا الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا ولكونها أيضا ملكة على البلاد. عند صدور الخبر أوّل ماتبادر إلى أذهان الناس سيلين ديون ونيللي فرتادو إلا أنّ البنك الكندي أشار إلى أنّ المرشّحة يجب أن تكون متوفية قبل ٢٥ عاما وهذا ماإستبعدهنّ وماجعل بعض عناوين المواقع تعنون الخبر بـ منع ظهور صورة سيلين ديون على العملة الكنديّة. 

أكثر الأسماء المرشحة هي: نيللي ماكلونغ المتوفاة ١٩٥١م وكانت قد دافعت عن حقّ المرأة في التصويت.  على كلّ حال لن تكون هنالك صعوبة كبيرة في البحث عن ناجحات في عدّة مجالات في ذلك الزمان. لكن الغريب لماذا عندما ذكر الخبر تبادر إلى الأذهان اسم لمغنيتين؟ هل تغيّر الزمن والمجتمع أم تغيّرت المرأة؟. ألم يعد هنالك نساء ناجحات أم أنّنا لم نعد نكترث إلا لنجاح المغنيات والممثلات؟ لو لم يكن هنالك شرط الوفاة قبل ٢٥ سنة وكان هنالك تصويت لوجدنا القائمة -ربّما- تعجّ بالمغنيات والممثلات. دائما عندما تصل الحضارات الى مراحل متقدّمة ومتأخّرة من الإزدهار تجنح الى اللهو والترف بعد تاريخ طويل من البناء والإزدهار. فناجحات الأمس لسن مثل ناجحات اليوم. وبالأمس لن يقفز إلى ذهن أيّ أحد اسم مغنية أو ممثلة لو صدر مثل هذا القرار. حتّى على صعيد الرجال فشكسبير الذي كان يمثّل لم يكن إلا الكاتب المسرحيّ ولو كان في زمننا هذا لما عرف إلا شكسبير الممثل. 

من الظلم أن نلوم الناس على عدم معرفة ناجحات إلا المغنيات والممثلات فشاشات التلفاز تضجّ بأخبارهنّ ومناسباتهنّ ولاندري ذنب من أن ترسخ في الأذهان فكرة أن النجاح هي "الشهرة". وقد يأتي يوم حيث لم تعد أعيننا تفارق هواتفنا الذكيّة ولا نجد من نضع صورهم في عملاتنا إلا نجوم مواقع التواصل الاجتماعي.







الأحد، 6 مارس 2016

كيف نختار كتبنا؟

عند الكاشير قد يشعر المرء بوخز طفيف من الندم. خاصة عندما يشعر بأنّه أخذ أكثر من حاجته من  الكتب -بشهيّة مفتوحة- ولأنّ الكتب لاتؤكل فلا غير ذلك الوخز قد يوقف محبّ الكتب في مثل تلك اللحظات التي تكون فيها شهيّة القارئ مفتوحة للاقتناء أكثر من القراءة. لكن نظرة واحدة الى تلك الكتب التي كانت عند الكاشير وهي بالأرفف لاحقا تزيل كلّ ماتبقّى من ندم.


كيف نشتري كتبنا؟

بالنسبة لي:

أحيانا أشعر برغبة في الاقتناء بنهم. وأحيانا أشعر بالملل من النظر الى أرفف العناوين في المكتبات، مع شعور بالإحباط بأنّه لاشيء يستحقّ الاقتناء في الوقت الحالي. لكن عند النهم أكثر مايتعبني اختيار الكتب التي لايجب أن آخذها! لأعيدها الى رفّها بانتظار فرصة أخرى.
  
موضوع ما مرّ علي أكثر من مرّة في كتب التاريخ، والمطلوب البحث عن كتاب يتحدّث عن ذلك الموضوع بإسهاب. ذلك أصعب شيء ممكن أن تبحث عنه في كتب التاريخ. فمثلا من يقرأ التاريخ الاوروبي لابدّ وأن يمرّ على ويليام الفاتح، النورماندي الذي أتى من فرنسا واستولى على عرشها وحكمتها سلالته من بعده. بسبب ذلك كان حرب المئة عام، وأيضا لذلك كان الملوك الانجليز يتحدّثون الفرنسيّة عوضا عن الانجليزيّة! ماأريده ليس ذلك ولكن ماأريد هو وصف حال الانجليز حينها. هل كان ويليام ملكا متوّجا أم غازيا؟
بعد أن حلّ الأنجلو سكسون محلّ البريتون(السيلت) أتى ويليام ليحكم هذا الشعب. ومعه جيش من الأسر الارستقراطيّة - تقريبا أغلب الأسر النبيلة الانجليزيّة تعود الى تلك الأسر!- وكذلك أتى بقوانينه  ومن ضمنها تحريم الصيد في غابات البلاد التي باتت ملكا له. ترى ماكان موقف الشعب الانجليزي؟ هل كانوا في داخلهم مثل روبن هود؟
كتب التاريخ المتوفّرة تذكر ماحدث باستعجال. تذكر موقعة هاستنغز عام ١٠٦٦م والمطالب بالعرش هارولد ولاشيء آخر. في حين نظرة بسيطة الى كلمات مؤلفين انجليز معاصرين توحي بأنّه حدثت أشياء كثيرة في ذلك الوقت:
فكولن ولسون  المعروف يقول بأنّ الانجليز عاشوا بعد تتويج ويليام الفاتح لمئة عام  كما عاشت الشعوب تحت حكم النازيين. ويقول توني روبنسون صاحب الكتاب "أسوأ المهن في التاريخ" بأنّه بعد قدوم ويليام تمّت عمليّة احلال عرقيّ كامل لطبقة النبلاء في البلاد!. وفي ظلّ فقر المكتبات ليس أمامك إلا الاستقراء من عدّة مصادر لتنظم قطعة متماسكة من ذلك التاريخ. وهو عمل سيكون مجهدا ولكنّ نتائجه إن تمّت بجديّة ستكون رائعة تماما مثل الكتاب الذي ذكرناه "أسوأ المهن في التاريخ".


تمرّ عليّ أوقات أكون مهتمّا بمواضيع معيّنة. فأقتنص مايعجبني من الكتب التي تتحدّث عن نفس تلك المواضيع. أحاول أحيانا التنبؤ بالمواضيع التي قد أهتمّ بها لاحقا، لذلك قد أشتري كتبا لاتهمّني مواضيعها بنفس اللحظة. أكثر شيء قد يعكّر مزاجك هو أن تكون تلك المواضيع قليلة الحضور في مكتباتنا أو لم تحضى بالقدر الكافي من الترجمة والاهتمام. فمثلا موضوع اللغات -وهي DNA  الثقافات- : أصولها وتفرعاتها وتاريخها وتأثيرها نادر جدّا في مكاتبنا، لعلّ أفضل كتاب موجود هو "امبراطوريّة الكلمة" لنيكولاس اوستلر. لم أجد كتبا تتحدّث عن نفس هذا الموضوع وبإسهاب مثله رغم ثرائه -هناك كتاب "كيمياء اللغة" لعلي الشوك لابأس به-.   


وعندما كنت مهتمّا بكتب التراث أعلمني من كنت أثق بنظرته بأنّ أكثر شيء يستحقّ الإقتناء من كتب التراث الأدبية هي التي تجد فيها إسم: عبدالسلام هارون و محمود شاكر -أبوفهر- وهم من أشهر المحققين. وجود اسمهم كافيا ليضعك أمام الإختيار الجيّد للكتب. التحقيق مهمّ في كتب التراث ومحبّي هذه الكتب يدركون ذلك جيّدا. ومن ناحية الشعر الجاهلي كنت أحرص على إقتناء دواوين الشعراء التي مرّت حياتهم بأحداث كثيرة ومهمّة مما يجعل شعرهم مصدرا مهمّا. وعلى كلّ حال لايجدر بأحد الحديث عن اقتناء كتب التراث الأدبيّة مالم يقتني "العقد الفريد" لابن عبدربه  أو "الأغاني" للأصفهاني.
الأغاني! انّه أهمّ كتاب بالتراث الأدبي، والغريب أنّ هذا الكتاب عبارة عن لملمة لشتات كلمات الأغاني المغنّاة في ذلك العصر. لكنّ من هذه الأغاني يقودك الأصفهاني إلى قائلها: نسبه،قصصه،أشعاره،وفاته. أخبار تطربك أكثر من الأغاني نفسها. ليصل الكتاب الى أكثر من ٢٠ جزءا! أرأيتم كيف تتحوّل المواضيع الصغيرة الى كبيرة وشاسعة بالبحث والتفصيل؟


وبالعامي: على طاري التفاصيل والمواضيع الصغيرة. كتاب "الأنقليس: التاريخ الطبيعي والثقافي" لريتشارد شفيد. لمشروع كلمة سلسلة من هذه الكتب الجميلة والمصوّرة. ومايجعل الأنقليس -وهو نوع من أنواع الأسماك-  عنوان صغير قادر على الاتّساع أكثر وأكثر هو ارتباطاته الوثيقة بالتاريخ البشريّ وهو مابدى كثيرا في هذا الكتاب الجميل. وعندما أبحث عن مثل هذه الكتب التي تتحدّث عن الطبيعة وما إلى ذلك أدرك بأنّني أحاول الهرب من المواضيع الجادة التي تعبت من قراءتها، مثل المواضيع السياسيّة.


المواضيع السياسيّة حسّاسة والبحث عن الكتب التي تتحدّث عنها أمر يتطلّب الجديّة أوّلا في معرفة أفضل ماكتب حول هذا وذاك. عندما كنت أريد كتبا عن العراق وتاريخها السياسيّ كنت أعود إلى اللقاءات التلفزيونيّة لأتعرّف على من دوّن ووثّق المواقف السياسيّة المختلفة ومن عايش من كانت بيدهم أهمّ القرارات السياسيّة. ففي أزمة الجزائر مثلا. لعلّ أفضل الكتب التي تحّثت عنها هي "من قتل في بن طلحة" لنصرالله يوس وهو ناجي من المذبحة المسمّاة. و "الحرب القذرة" لحبيب سويديّة وهو ضابط بالقوّات الخاصة هرب من الجزائر بعد أن رأى الكثير، الجدير بالذكر أنّ في الكتاب مقدّمة لقاضي ايطالي اسمه أمبوزيماتو لعلّها أفضل مقدّمة قرأتها وأكثر مقدّمة أجدها ظروريّة القراءة بعكس غيرها. وهناك كتاب "وقائع سنوات الدم" لعميد جزائري مطّلع هرب من الجزائر كذلك وقال الكثير. ومن بين تلك الكتب الثلاث لم أجد الأخير مع الأسف. وأهمّ كتاب تحدّث بشكل تفصيلي وتحليلي بارع وموسّع كان كتاب ألفه مجموعة من الجزائريين والدوليين "تحقيق حول المذابح في الجزائر" وهو عبارة عن موسوعة دقيقة لكن مع الأسف ألّف باللغة الفرنسيّة ولاأظنّه سيترجم في يوم ما.
لكلّ قضيّة سياسيّة كتب معيّنة ينبغي تواجدها في رفّ الموضوع.


كتب لاأستطيع مقاومة عناوينها. مثل كتاب "وقائع ومشاهير" لجون كاري وهو عبارة عن ذكر للوقائع المشهورة بالتاريخ -قبل الميلاد وبعده- برواية شهود عيان ولاشكّ للأحداث نكهة أخرى بلسان شهودها. ومثل هذه الكتب تلقي بالضوء على مرويّات تاريخيّة تمّ تلقّيها بوجهها المعتاد دون تدقيق. أحرص على الكتب التي تحاول إلقاء نظرة عن كثب لبعض الأحداث. فمثلا الأدميرال فيلنوف قائد الاسطول الفرنسي الذي هزم بالطرف الأغرّ على يد نيلسون. تذكر كتب التاريخ أنّه انتحر بعد عودته من الأسر ١٨٠٦م. لكن مالاتذكره غالبيّة هذه الكتب مع الأسف لم تذكر أنّ المسكين وجد ميّتا وعلى جسده العديد من الطعنات ممّا يجعل مسألة انتحاره اختلاق فاضح، لاتقف عندها الكتب التي تعرف ماتروي.


وكتب تتحدّث عن أمور تسلّي الروح وتمرّن التفكير مثل "موسوعة الألغاز المستعصية" لكولن ولسون. ما أجمل الحديث عن الخرافات خاصة عندما يكون الحديث من ثبل شخص لايؤمن كثيرا بالخرافات وقريب من الإلحاد.

وهنالك كتاب لا أكفّ عن الحسرة على من لم يقرؤه ممن أحبّ. وهو "تكيّف" لتيم هارفورد. 


الحديث عن اختيار الكتب لايكاد ينتهي فمابالنا بالحديث عن الكتب نفسها. إنّ مجموعة الكتب التي يملكها كلّ شخص تمثّل سيرة ذاتيّة غير مكتوبة للقارئ. تسجّل تاريخ اهتماماتك ومزاجك وعقليّتك وفهمك. النظر الى سلسلة من الكتب تعيدنا الى فترات معيّنة قبل وبعد اقتنائها وقبل وبعد قراءتها.
باختصار إنّنا نكتب سيرتنا الذاتيّة عن طريق اقتناء كتبنا.