الاثنين، 23 نوفمبر 2015

مايميّز روح الشرائع لمونتسكيو.








كتاب:روح الشرائع 
لمونتسكيو

قبل الحديث عن الكتاب نفسه وبعد الإنتهاء من الجزء الأوّل ونظرا لكثرة المعلومات الواردة وتشعّبها والأمثلة الشيّقة والتقسيمات المثيرة والمبسّطة فكّرت بإعادة القراءة وعمل رسوم بيانيّة وخرائط للكتاب الأوّل تسهيلا لفهم الكتاب. قسم طويل من الكتاب فهمته كثيرا بعد أن رسمت تقسيمات نظام الحكم في روما الملكيّة - الأمر أشبه بإعطاء العقل صورة فوتوغرافيّة للمنظر بعد وصفه-.  ولكن عند البدء من جديد لرسم الرسوم من البداية أدركت صعوبة المهمّة، بل لاأبالغ لو قلت بأنّ القيام بذلك هو بمثابة تأليف كتاب آخر/كتاب مساعد للكتاب الأصلي! عندها أدركت فعلا قيمة كتاب "أطلس-dtv: تاريخ العالم"  لـ لهيرمن كيندر و فيرنر هيلغيمن. والذي يحوي على ٢٤٩ رسما وخريطة.


       
عن الكتاب نفسه ومعه مقدمة ابن خلدون

كثيرا ماعتبر ابن خلدون مؤسسا لعلم الاجتماع. ولطالما كان وجود هذا الكتاب من قبل المهتمين بالتاريخ ظروريّا. وبرأيي المتواضع أجد أن "روح الشرائع" يأتي بعده من ناحية الأهميّة. 
مالم يلتفت اليه أحد والتفت اليه ابن خلدون قبل الجميع. هو أنّ التاريخ يعيد نفسه وأنّ لتاريخ العلاقات بين البشر بالمستوى الاجتماعي والأممي والسياسيّ  قوانين -نبالغ إن قلنا ثابتة ونبالغ أكثر إن قلنا أنها غير موجودة- تتغيّر معطياتها بتغيّر الظروف والزمان لايكاد يكون إلا منظرا أفقيّا يقف بعيدا كخلفيّة لمشهد الحدث التاريخيّ. قد يفهم أن للرياضيّات والفيزياء والكيمياء قوانين ثابتة تفاوتت طرق معرفة واكتشاف هذه القوانين ولكن تصوّر وجودها كان أسهل بكثير من تصوّر وجود قوانين -أو شيء يشبهها أقلّ صرامة-  تخضع لها الأمم البشريّة بكامل فوضويّتها!
منذ بدء التاريخ الاسلامي لطالما اعتبر سقوط دولة ما صعود لدولة أخرى
سقوط الأمويّة= صعود العبّاسيّة
سقوط الاخشيديّة= صعود الفاطميّة 
وسقوط الفاطميّة= صعود الأيوبيّة
سقوط المرابطين= صعود الموحّدين 
ذلك يذكّرنا بالآية القرآنيّة الكريمة {وتلك الأيّام نداولها بين الناس} 
 وغيرها الكثير من الروابط التي كانت نتيجة لروابط أخرى وتؤدي هي إلى روابط أخرى لاحقا. وكما جاء في كتاب ابن خلدون أنّ للأمم عمر يبدأ بالنشوء والازدهار ومن ثمّ نهاية بالانحطاط.


الآن لنتحدّث عن مونتسكيو وكتابه. فهو يرى بأنّ القوانين انّما تنشأ تلقائيّا وفق طبيعتنا البشريّة بطريقة دينيماكيّة مع الظروف والتضاريس والعرق. محاولة فهم القوانين ونشأتها لابسردها تاريخيّا. وقد كان تطعيم الكتاب بالكثير من المعلومات والأمثلة دور في جعل الكتاب مادة قيّمة منبعها ثقافة المؤلّف الواسعة. 

اقترح المؤلف أنّ أوّل قانون وجد وجد قبل المجتمع، فلوتخيّلنا انسانا وحيدا في البراري أوّل شيء سيسعى اليه هو المحافظة على كيانه(نفسه) لذلك الخوف سيدفعه نحو تجنّب المشاكل. إذا أوّل قانون لدى البشر هو "السلم". ولايأتي الاعتداء الذي ينشأ من الشعور بالقوّة بدلا من الضعف(الخوف) إلا عند تكوين المجتمعات أي عندما يصبح الانسان أقوى مع غيره. 
ومن أجل سهولة تتبع ودراسة روح القوانين قام بتقسيم أنواع الحكومات إلى مستبّدة تعتمد على الخوف وملكيّة تعتمد على الشرف وجمهوريّة تعتمد على الفضيلة  أو لنقم بتقسيمها كالآتي: 

١- حكومات فرديّة:-
أ- ملكيّة  ---> تعتمد على الشرف
ب- مستبدّة ---> تعتمد على الخوف

٢-حكومات جمهوريّة:-
أ-من طبقة معيّنة  (أرستقراطيّة) ---> تعتمد على الفضيلة
ب- من عامة الشعب (ديموقراطيّة) ---> تعتمد على الفضيلة    


وإن شئتم لنقسمها كما قسّمها مونتسكيو:

١- ملكيّة
 ٢-مستبدّة
٣- جمهوريّة: أ-أرستقراطيّة ب- ديموقراطيّة

ولكلّ حكومة ميزة وخصائص وشكل وطبيعة الأمر الذي ينسحب على قوانينها. وبالكتاب بشكل عام يتحدّث هو عن آرائه ورؤيته أكثر ويسرد الأمثال ويتناول العيوب والمميزات من هنا وهناك ومن منطلقه الذي ابتدأ به فيما يخصّ روح القوانين ونشأتها وأسبابها الأمر الذي يجعله يذهب بعيدا بالتاريخ ويتحدّث عن البرابرة حتّى. لعلّنا نستطيع القول بأنّه مثلما لكلام ابن خلدون قيمة عظمى عند حديثه عن التاريخ في مقدمته، كونه يتكلّم بعد أن أدرك أنّ لتاريخ الأمم سنن ثابته. فلكلام مونتسكيو عن القوانين قيمة عظمى نجدها من خلال كتابه كونه اكتشف أنّ للقوانين روح هو أصل نشأتها وكيف تتجسّد تطبيقا وأثرا بعد ذلك فبضوء ذلك لاشكّ وأن يكون كلامه ثمينا. وماأجمل استشهاده بكلام سلون المشرّع الأثيني

وسئل سلون: هل القوانين التي أنعم بها على الأثنيين هي أحسن القوانين فأجاب: "منحتهم أحسن مايستطيعون احتماله من قوانين" 

وذلك يذكّرنا نحن بقول معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-  :

 "لست خيركم ولكنّي خيرٌ لكم" 


القوانين وصلاحيّتها عالم غامض من السذاجة أن نعتقد أن القانون هذا أو ذاك يصلح لعلاج هذه المشكلة وتلك. إن لم يصلح قانون ما هنا مثلما كان يصلح هناك فقم بتعديله بما يتلاءم مع روح القانون نفسه.