الخميس، 13 مايو 2021

جدار الزمن




* Hermann Josef Hack


على بعد ملايين السنوات الضوئية أو مايسمّيه هؤلاء خلف الجدار:

 

(وبعد أن استوعبت Q  أنها وصلت الى مكان لا تعلم أين، بعد تلك الرحلة الطويلة على متن المركبة التي اختفت بدأت تسمع من يخبرها بأنهم يرون الزمن!)

( .... عادت  Q  للحديث إليهم تقول) :

 ـ لا أدري حتّى إن كنت حاليّا أراكم ولكن يمكنني الشعور بكم والحديث الآن معكم، ماكان السؤال؟

 ـ أخبرينا من يعيش هناك -من حيث جئتي- وكيف يبدون؟ ذكرتي العديد لكن يبدو أنهم نسخ مكررة أو لا ندري حتى لم تقومين بعدّهم والتفريق بينهم وبينكم.

ـ حدثتكم كثيرا عنهم، عن الكائنات هناك لكن قلت لكم أن الأهم هم الذين يبدون مثلي تماما. ويمشون مثلما أمشي أنا بالضبط -إن مشيت أمامكم-.

ـ بماذا تختلفون عن باقي الكائنات هناك بالضبط مالسبب الذي يجعلهم خارجا عنكم  (خارج جنسكم) ؟ طالما هم كما قلتي: يأكلون مثلكم وأغلبهم يتنفس مثلكم والنصف يتكاثر بالطريقة التي تتكاثرون فيها.

ـ في كل شيء، ومن أول وهلة وعلى اختلاف ملامح جنسنا يمكنكم أن تدركوا الفرق بيننا وبينهم.

(وبعد أن أدركت Q  أن لا طائل من رسم الأشكال بالكلام وكأنّهم لا يرون فرقا بالأشكال والألوان قالت) :

ـ لو أمكن لي لقلت إننا أسياد تلك الأرض وهو أوضح فرق بيننا عن باقي السكان/الكائنات  ولو أن أحدا منهم أتى مكاني وحدثكم سيجد ذلك أقرب وصف لنا.

(لم تعد تستطيع الإكمال؛ انقطع صوتها وكأن غصّة متحجّرة تخنق أنفاسها، تلك الغصّة كانت حنينا الى المكان الذي جاءت منه. حتّى أنهم انتبهوا جيّدا الى أن شيئا يقف في حلقها ولهذا تبدلت

وباشروا الحديث قائلين) :

ـ  على أن جدران الزمن التي تفصل بين عالمنا وعالمكم وبقيّة العوالم  وهي تقف بعلوّ شاهق كنّا نشاهد علوّ ذلك الجدار من بعيد جدّا وندرك أن حدودنا تنتهي عنده ويستحيل اختراقها ولم يخطر على بالنا عبورك إلينا. لا ندري كيف قفزتي إلينا من أسفل ذلك الجدار؟!

(كانت قد انتبهت إلى أنهم يرون الزمن وفق حديثهم ولا يرون مايدلّ على المسافات)

ـ جدران الزمن؟ حدثتوني عنها مرارا وبالكاد أفهم ذلك، لماذا تسمّونها جدران الزمن؟

ـ لأنها بنيت من مادة الزمن.

ـ تتحدّثون وكأنه ماثل أمامكم. كما نرى نحن هذا وذاك هنا وهناك، أما الزمن وكلّ ما ندركه ولا نراه ماثلا أمامنا نخلق له أشكالا لا نهاية لها وأوصافا تصنع أثرا حيويّا يشبه استجابة العين لما يُرى.

ـ ألا ترين الجدار؟!

ـ لا أو لأقل أملك منكم تصوّر عنه كما أملك تصوّر عنكم ولكني أقول كيف يبدو ذلك الجدار من جزيرتنا أو كوكبنا، هذا الشيء الذي تسمونه لا يُرى في كوكبنا. حتّى أنتم قد لا نراكم.  

ـ يقال بأن هذه الجدران بنيت قبل وجودنا، كما ترين لو كنتي منّا هي مرتّبة وتحدّد كلّ شيء هنا ونعرف أشكالها والجدار العظيم الذي يحيط بنهاية عالمنا نلمسه ونتحسسه، يبدو أن الأشياء التي تسمينها المسافة، المكان ماهي إلا أجزاء من ذلك الجدار. حديثك عنها يشبه تماما حديثنا عن الجدار الذي تقولين بأنكم لا ترونه.

ـ كيف يبدو الزمن الذي ترونه؟

ـ بل رجاءً أجيبي كيف هي الحياة دون أن تري الزمن يوما؟ يبدو أنك ترين فعلا لكنك لا ترينه وحياتك مليئة مليئة بالأشكال والأشياء مقابل عدم رؤيتك للزمن. كأن الزمن جدار يخفي كل ذلك عن الأعين لهذا أعينكم تقفز أسفله. تتحدثين بوضوح وبشكل مجرّد وأنتي تقولين: أمامك، أمامي، جواري، هناك، كلها أشياء نتحدّث عنها بخواطرنا وأحلامنا ليس بذلك الوضوح المجرّد الذي تتحدثين عنه. لكن إطلاقا لا تتحدثين عن الزمن بالوضوح الذي نتحدّث عنه وكأنك تتحاشين لمسه. نعرف كيف جئتي إلينا (قفزتي إلينا) لكن لا ندري لم لا تعرفين كيف قفزتي.

(توقفوا عن الحديث؛ عادت تلك الغصّة من جديد وبشكل أقوى)

(لكنها بادرت تقول) :

ـ لا أدري كيف قطعت  كل هذه المسافة وأصبحت بعيدة.

ـ أصبحت خلف الجدار بعد كل تلك المسافة التي قضيتيها. هيئتك لازالت تشبه ذاك الجدار، يمكننا أن نلقي بك خلفه.

ـ هل يمكن أن تفعلوا لي شيئا؟ هل تبدو هيئتي مصنوعة تماما مثل ذلك الجدار؟

(غصّة الحنين أطبقت على أنفاسها بيأس محكم وبقدر ما أيقنت الآن بوجود من يحدّثها خشيت أن توقن بأنّها باتت على هيئة مصنوعة من الزمن؛ شيء لا يمكن -في عالمها الذي جاءت منه- لمسه وقالوا دون أن تكترث لهم) :

ـ أضعنا المسافة التي فاتت وأنتي لا تريننا والآن تقولين كأني أراكم وبدأنا بالحديث، مثل ما تأكدتي منّا بأنّنا هنا، نؤكد لك أننا كفيلون بحدوث ما تتمنينه .. فانتظري حدوث ذلك.