الجمعة، 27 ديسمبر 2019

-١٧- (رسالة)


هل كان مقدرا علي أن أتعرف عليك يا سيد هانس؟ 

لن أحدثك عن معرفتي بك، وكيف أنه لو قيل لي بعد ولادتي بأنك لن تنسى اسم ذلك الشخص أبدا لكان كلامهم صحيحا. كل خلية من جسمك لم تتصور يوما أن يذكرك شخص مثلي وأن يتمنى زيارة قبرك! "هانس" لهذا الاسم وقعه عندي من خلال ما لاعلاقة له بنا يمكننا معرفتنا أنفسنا كثيرا. لا علاقة بكل هانس أعرفه بك يا سيد هانس. لكن لأحدثك عن كل هانس مر علي وكيف أني وجدت -كما أنا معتاد على اعتبار بعض الأسماء مميزة صوتيا- بأن من يحمله شخص مميز. هانس غودريان وما أشهر هانس في الحرب العالمية الثانية وكم قرأت كثيرا عنه وتمنيت لو أني أجيد الالمانية لأقرأ مذكراته، للأسف كل من يحمل اسم هانس في الغالب شخص الماني. هانس، لا أدري أكان هذا اسمه؟ رفيق سيلفر في (جزيرة الكنز) على كل حال هكذا سمعت اسمه شخصية لها وقعها رغم أنها هامشية بالقصة لكن الاسم كان إطارا بارزا. بالفعل كدت أن أنسى، في فيلم Nordwand (2008) علق متسلقان المانيان في الجبل أحدهم أتى ليسأل مساعدة متسلقين مشهورين أحدهما اسمه هانس نعم هانس، لكنه قال بأن الأجواء العاصفة لا تساعد على الخروج أذكر وقتها كيف أن الـ آحدهم وقف صامتا فترة وهو ينتظر إجابة أخرى ومن ثم قال كرر رجاءه وبعد لحظة صمت قال "هاااانس" كان لوقع الاسم في خضم الصمت عميقا. وبالطبع لن أنسى أغنية البداية في فيلم Cross Iron (1977)  وكانت "Hanchen klien" وتعني هانس الصغير ذهب وحيدا، أيضا كان هانس وقد تواجد في واحدة من أفضل بدايات الأفلام بالنسبة لي. قبل أن أنهي حديثي هل تصدّق؟ أحب الخلفيات الموسيقية بالأفلام ألفها شخص اسمه هانس؟ هانس زيمر! NOW WE ARE FREE من لا يعرفها الآن يا سيد هانس؟ هل تصدّق في المسلسل الكرتوني (حكايات عالميّة) لا زلت أذكر صوت مناداة الأب "هانسيل" هانسيل وأخته التائهان في الغابة. (بائعة الكبريت) ايقونة تنقلت كثيرا بالحكايات حتى (سالي) ألفها شخص يدعى هانس. أكثرت من حديثي ولن أكثر وأقول بأني قرأت من أين أتى اسم هانس من البداية وكيف أنه كان صدفة، اختصار لاسم أطول. الصدف التي تبدو بلا معنى، تعني شيئا أعمق من المعنى نفسه سيد هانس. 

لم تفهم كلامي، ولم تفهم لم كتبت رسالة إليك يا سيد هانس، لن تصلك الرسالة، فأنت قبل ١٩ عاما. مؤلم أن نقول شيئا ذو معنى ولا يعني شيئا لأحدهم لهذا أحب أن أقول أشياء بلا معنى بلا مناسبة بلا فهم يمكن لأحد -إن وجد من يهتم- أن يفهم. على الأقل ليذهب كلامي سدى فهو بلا معنى لكن أؤكد لك أن أشياء هي بلا معنى لأنها تحمل أعمق من المعنى يا سيّد هانس. 

باللحظة الأخيرة مسحت اسمك الأخير وأبقيت على اسمك الأول "هانس". وقبل أن أختم كتبت رسالتي إليك وأنا أسمع أغنية Monkey 23 لفرقة اسمها The Kills قلت لنفسي ماذا لو كان اسم أحدهم هانس؟ تصور أحد الأعضاء اسمه Hince !  

الأربعاء، 25 ديسمبر 2019

جرأة و مشاغبة كوميدية في الانمي

.. لا تصل لحد الخلاعة بل الى كلمة أقل منها قليلا لكن سنستعير لفظة "خلاعة" بأقل ماتعنيه من معنى:

أتصور أنه لم يعد أحد يسأل هل الانمي للأطفال أم البالغين. نظرة واحدة على مراحل نمو "نامي" في انمي (ون بيس) توحي لك بأنّ الانمي أصبح بالغا. بقي لنا مانسميه "أفلام كرتون" أو هي انميات دبلجت ووجهت للأطفال و المراهقين. أتذكّر كيف أنها لم تكن تخلو كثيرا مما لا أدري هل تصل الى حدّ تسميتها ايحاءات جنسيّة. الإطار الكوميدي المرح هو ما كان يضحك بالفعل، لم يكن ذلك خادشا، كما يمكن أن يكون لو كان فيلما أمريكيا كرتونيّا أو غيره. شعرت بأنّ لليابانيين القدرة على المرح بتلك المواضيع دون أن نشعر بالذنب.


كيف نفهم الانمي والرسّام؟ 
من ملامح وجه الشخصية نعرف الكثير، الوجه الجوكريّ "المثلث المقلوب" يوحي بالشرّ عادة وأقرب مثال "دو فلامنغو" في (ون بيس). أو "المدمر جحيم" في المسلسل الكرتوني (جونكر) يمكن للرسام أن يخبرنا عن الشخصية من خلال الملامح التي اختارها. 

مع كثرة المشاهدات سنفهم نمطيّة الرسامين. تخيّل معي:
مشهد لولد وبنت يسقطان سويّة فوق الثلج. السيناريو النمطي لعادة اليابانيين في تصوّر شغب الأولاد ولطف البنات سترسم لنا الولد يقع على رأسه في حين البنت ستقع بخفّة. في ( هجوم العمالقة) عندما قامت العملاقة الأنثى برمي حصان أرمين وإلقائه على الأرض كان سقوط "أرمين" يشبه كثيرا سقوط البنات أو تماما مثلما سقطت "ميكاسا" بعد ذلك بحلقات ذلك أوحى كثيرا الى طبيعة "أرمين". بالرسم كلّ شيء متعمد ليس كالأفلام، قد يظهر شكل عفوي بالمشهد. 

نعود إلى الايحاءات. بالنسبة لي يمكننا -أو لأقل يمكنني- فهم اليابانيين في نكاتهم أكثر من الغرب ولا أدري مالسبب. لكن تلميحاتهم الكوميديّة أشعر بأنها قريبة ومفهومة أكثر. الصورة المترسخة حولهم عبّاد العمل والجديّة لا تعكس أبدا طبيعتهم المرحة وهنا أعني المرح بجرأة. 




في احدى حلقات المسلسل الكرتوني (الهداف) لعب فريق الكمال مع فريق البنات. طبعا لم يفوت اليابانيون لعبتهم بالمرح بهذه المواضيع. بالطبع يبدع اليابانيون في عدم تجاوز بعض الأمور والسبب هو قدرتهم على تصوّر ما يجب تجنبه لهذا يمكنهم رؤية ما تبقى من مساحة بوضوح بخلاف الأعمال الأمريكية مثلا، وإن حاولوا تجنب ما يجب تجنبه فإنهم يقعون فيه لأنهم على مايبدو لا يملكون تصوّرا واضحا حوله أو أن نظرتهم للجرأة تختلف.

أكيد لا أعني أن اليابانيين في أعمالهم بريئين، ففي أعمالهم الموجهة للبالغين أو "الهنتاي" خيال يصعب التفكير بإمكانه. لكنهم يجيدون كثيرا كوميديا الخلاعة بشكل ينزع عنها صفة الجدية أو لنقل صفة المجون ولو أن التفكير في بعض المواقف محير فهم جعلوا من الجسد متاح لأبعد حد لكنهم تجنبوا بشكل واضح الايحاء بأي اتصال صريح. 





في (ون بيس) الكثير من هذا المجال لكن الابتعاد عن التلميح بالاتصال كان صارما ولو أن صورة "سانجي" نادرا ماظهرت بهذه البشاعة -في الصورة الثانية- يمكنك من خلالها أن تفهم التصور الذي أراد الرسام ايصاله، كان هذا أكثر وجه شهواني "لسانجي". في ما عدا ذلك كان كل شيء مضحك ومرح ومقبول - كان ذلك سيمر على الرقابة لو دبلجت للمراهقين والأطفال- الذي يحب جميع الفتيات ولم تحبه فتاة -عدا واحدة- وصل مؤلف الشخصية معه إلى أقصى درجات الهيام حالة فقدان التوازن مع "سانجي" جعلت منه شخصيّة مضحكة حتى في شهامته التي أضحكت "لوفي" في احدى الحلقات. توجد شخصيات مثل "سانجي"، لكن التطرف في شخصيته برأيي الشخصي وصلت لقمّة المأساة والكوميديا بمشهده الذي يذكرنا بالتفاتة "أورفيوس" المأساويّة. يمكن فهم شخصيّة "سانجي" وكوميديا فقدان التوازن عنده من هذا المقطع

  

أو هنا بنفس الآرك "جزيرة البرمائيين". المشهد قمة في الكوميديا التي يمكن تخيل أداؤها من "سانجي"












يعرف كل مشاهد "لون بيس" مالذي سيقوله "بروك" "لنامي". طلبه لو صور في فيلم يصعب تمريره بشكل كوميدي لكن في "ون بيس" تم تمريره بخفة، لعل السبب في الإجابة التي اعتاد "بروك" سماعها 





وبالوصول الى (رانما ١/٢) نصل إلى ما أتوقع أنه أقصى خلاعة كوميدية مقبولة. تدور حول ولد يتحول لفتاة بعد سكب الماء عليه، نعرف كيف سيتصرف رسامي الانمي حول الموضوع. ويزيد ذلك أكثر مع ظهور المنحرف الهرم "هابوساي"، الذي يحب جمع الملابس الداخليّة للسيدات بالسطو على البيوت. شخصية "منحرفة" فهذه العبارة لا يمكن لغيرها أن تصفه ومع ذلك هي معه مضحكة، هل يمكن تصوير هذا الانحراف بشكل كوميدي دون اللجوء الى الصورة؟ جسد صغير، وهيئة مضحكة، كلها ساعدت على تلطيف صورة الانحراف في الشخصيّة. لكن أكثر مقطع محيّر مر علي كان فرحه بالتقاطه قطعة داخليّة نظيفة لكنه سرعانما أصيب بالإحباط بعد أن عرف أنها لطفلة، مرت الطفلة -كانت بمثل طوله- وأعطاها اياه وقال "هي لك ضائعة" ومضى. علامة استفهام غريبة تركها المشهد، منفرة نوعا ما. 


بالنهاية لو طلب من أحد أن يكتب مشهدا ايروتيكيا وجريئا بسرد غير خادش كيف يمكنه فعل ذلك؟ في الانمي أمكن فعل ذلك كوميديا نوعا ما. 

زائرة لازالت تمشي في الأفق








فَتَحت باب الغرفة منزوعة المفاتيح دون طرقه و قالت :"إنها قادمة لزيارتنا. انزل و ارقب قدومها عند الباب". أوقفتُ شريط الفيديو الذي كان يُكرر  الحلقةَ الثالثة للمرّة الثالثة. كانَ الجوُّ أقرَبَ للشتاء، للتوِّ بات بالإمكانِ رؤية الحلقات دون إزعاج المكيّف.
‏لَم أتضايق كثيرًا رُغم اندماجي مع الحلقة بعدَ مُضيِّ نصفها أخيرًا. أوقفتُها عندَ لقطةٍ متحفزةٍ، تنتظرُ وصولي لإكمالِ المشهد.

‏خَرجتُ و نَزَلتُ الدرَجَ كعادتي راكضًا و قافزًا فوقَ آخرِ ٤-٥ درجات ظَلَّت تَكبرُ معي. صوتُ ارتطام قدمَاي أَعلنَ حُضورِي للجميع بالدورِ الأسفل. على أَن مظهري يُوحي بسعادتي إِثرَ قَفزي، لكن لا أحدَ من البيت ظنَّ ذَلك. كانَ طَلبُها كافيًا لِكَسرِ رُوتيني؛ لهذا قفزتُ احتفاءًا بهِ.

‏المسافةُ التي تَفصلُ بابَ المبنى عن السُّور كانت طويلةً و سَمحت لي بالجري ليصطدم وَجهي بالهواءِ البارد. غَسل الهواءُ وَجهي طاردًا ما تبقى من خمولٍ و كسل. ركلتُ البابَ حتى يرتخِي سِنَّه ليفتح -بعد سنوات سيتطلبُ ركلةً أقوى مِنها- خَرَجتُ، صوتُ احتكاكِ الحجارةِ تحتَ قدمي يَحكني من الداخل. ذخيرةٌ لا تنتهي؛ لرميِ الجُدرانِ و المسافات

‏مشيتُ مبتعدًا قليلًا عن بابِ البيت. كأن حبلًا مشدودًا يشدُني إِليه. وصلتُ حدًا لا يمكنُ الابتعاد عنه. أصوِّبُ النظرَ بعيدًا، مُخترقًا الطريقَ بين بضعةِ بيوت عابرة مساحةً خاليةً من الحجارة و النباتاتِ اليابسة -يقال أن الجرابيع تجري هناك بعد أن طوقتها المدينة- وصولًا إلى قصرِ أفراحٍ يغطُّ في سباتِ مُنتَصفِ الأسبوع. و فوقَ طلعةٍ مرتفعة يمكنني رؤيتها تمشي. "وحيدة؟ ليسَ بعد واحدةٌ تمشي بالاتجاه نفسه تبدو قريبة منها، لا اعلم إن كانت برفقتها" تساءلتُ "لعلها أبعد منها؟" 

‏لا زالت تمشي. على مسافةٍ ما، كان هناك بيتٌ يُبنى يقف أمامهُ كَثيب رمليّ أبيض، بحجم ملءِ اليد من مكاني. لا أدري لِمَ أتخيّل صوتَ احتكاك قدميها بالأرض والحشائش هناك! لطالما قطعتُ ذلك المكان ماشيًا و راكضًا؛ لهذا يمكنني أن  أتخيَّلَ مسارَ صوتِ الأقدام. 

‏لا زالت تمشي. رائحة القهوة بدأت تُطل من نافذة منزلنا. الكتلةُ الرملية لَم تعد موجودةً، أو لعلها أُزيلت. إلا أني رأيتُها أمام بيتٍ آخر يُبنى. البناء السابق اكتمل، و بدأ النظر يضيق قليلًا في الأفق.
‏"هل تحركت كتلة الرمل خلسةً؟"
‏ذلك الكثيب الرملي في كل مرّةٍ يتحرك يكتمل مبنىً و يضيقُ معه الأفق أكثر. الأهم زائرتنا لا زلت أراها. بدأتُ ألحظُ طريقة مشيها. "إنها تشبهها، لكن اليد بعيدة قليلًا لأتمكنَ من الجزم بأن تلك التلويحة يدها هي حتى أجزم بهويتها."

‏الهواءُ بارد و الأشجارُ ترتعش و صوتُ النَّخْل مُنعش. لا تزالُ تمشي بهدوء. ليس عليها قَطعُ شارعٍ معرض لغارات السيارات. لا أحدَ إلا العابرون إن وجدوا حينها، و الجرابيعَ إن كانت هناك. أمَّا السحالي، فإني أذكرها. و قد تَعلَّمنا احترامها، و لا أحدَ منَّا يريدُ من أُم السحالي أن تنتقمَ مِنه. 

‏ألتقطُ حجرًا، أُجرِّب الرميَ بعيدًا. بيتٌ آخر اكتمل! شريط الفيديو لا زال ينتظر، الحلقة تنتظرني! متى تصلُ زائرتنا لأكمل المشهد؟

‏لم تَعد الأحجار موجودة. أمشي قليلًا -الحبالُ قُطعت- لم أعد أسمع صوت احتكاك الأحجار التي تنجرفُ مع كل خطوةٍ مِنِّي. أعثر على واحدةٍ دَحرَجَتهَا من بعيدٍ الأقدام. أقذف بها. الرمي بات أبعد، و زائرتنا لا تقترب



‏سيارة تعبرُ أمامي، قاطعةً لأول مرةٍ الطريق عن بصري. أثارت غُبارًا حجب عنّي رؤية زائرتنا. كانت آخر سيارة تثيرُ الغبار. السيارات باتت تقطع الطريقَ أمام بصري أكثر. زائرتنا باتت تلتفت -تبدو كذلك- وغيَّرت رُتم مشيها -أتخيل ذلك- و سيارة من عندها تلوحُ بالأفق.

‏عَبَرَت عندها أَكمَلَت زائرتنا المسير. جهاز الفيديو بانتظاري على أحرِّ من الجمر! تَركُه كل هذا الوقت مشتغلًا يشعلُ حرارتةَ انتظاره. كان هذا السبب الوحيد الكافي لجعلهِ يُطفأ ليلتقِط أنفاسه. كأني لم أشاهد نفس الحلقةِ مرتين! أتساءل "ما كان سيحدث؟" وكأن المشهد لن يتكرر للمرة الثالثة. و كأن زائرتنا لن تتكر

‏عَبَرَت الشارع الذي كانت تعيشُ فيه الجرابيع و تعبره السيارات المثيرة للأتربة وصولًا للسيارات التي تسير بسرعة جنونيَّة دون إثارة أي ذرة غبار. عَبَرَت قبلَ أن يلحقوا بها. المكان لم يعد مظلمًا. أعمدةُ الإنارة تضيء ذلك الشارع بعد أن عَبَرَته. كما أن أعمدة إنارةٍ غيرها باتت تملؤ الحيَّ الذي أسكنه بالنور.

‏الحجارة لم تعد موجودة. كما أن رمي واحدةٍ منها، سيجعلها عرضة للاصطدام بأحد الذين باتوا يخنقون المكان جيئةً  وذهابًا. الكثيب الرمليُّ لم يعد موجودًا أمام أيِّ مكان. دَفعَتهُ البيوت بعيدًا عن حيّنا. رائحة القهوة تملؤ المكان، تطل من عدة نوافذ.
‏الزائرة لم تصل.

السبت، 7 ديسمبر 2019

كرة بولينغ



في جوف ما يشبه كرة البولينغ بحجم بيت صغير كنت داخل تجويف بالكاد يسع شخص واحد. بالأمس كنت ألعب البولينغ، أو هكذا أذكر أو أحلم. ذلك ما أودعني في جوفها. المكان أضيق مما يبدو عليه. يخيّل إلى أن المكان يضيق أكثر وهذا يخنقني. أحاول دفع الجدار للخارج، أصرخ. لا شيء حتّى صراخي لا ينفذ للخارج. بكيت بحرقة، حيث أني لم أفهم قبل الآن لم يكتبونها هكذا "بكيت بحرقة" الآن أفهمها بحرقة. الدمع يشعل عيني، ولا نسيم أو نفس يطفئ اللهيب عن عيني. 
أصرخ، أدفع الجدار، أخدش الجدار بأظافري. لو أني حفرت للخارج؟ أحك الجدار بقوة، أصرخ حتى يخف الألم، أدميت أصابعي ومقدار ماحفرت لم يكن أعمق مما حفر الجدار في أصابعي. فكرت لو أني حفرت حتى آخر جزء مني لما وصلت للخارج. أجثو على ركبتي، أبكي بهدوء مسندا يداي على الجدار، أشعر بدوار! هل الكرة تتدحرج؟
بأعجوبة خرجت! كان حلما وكان ذلك وشيكا. 

أنهض لأردتي ملابسي، ملابس العمل. وداخل مقر عمل لا يمكنني الخروج منه ومن لباسه وأسواره وحتّى اتصالاته المزعجة أدرك أني لم أخرج منه يوما. 
انتهى العمل. خروج مؤقت. للأسف من المعيب أن تكره شيئا يتمناه غيرك. أصل للبيت بعد سباق مع الزمن للحاق بأكبر قدر من الوقت. أفتح خزانة ملابسي. حيث حبست ملابسي. بالكاد تتعدى اللون الأزرق والرمادي. أنهي لباسي وأخرج. كأن المكان كان مخططا له، أصل إليه بعد تداول عدة خيارات انتهيت كالعادة الى ماعتدت اختياره. كأني أحدق بباقي الخيارات دون أن أخرج إليها، من نافذة نفس الأماكن التي -ولا أدري كيف- أرغمت عليها. كل شيء مثل ما قبل الأمس وقبله. خرجت من المكان أو لا أدري للتو دخلت -متى دخلت لا أذكر- أجلس عنده نفس الطاولة التي اعتدت عليها. أضع أغراضي لأجلس أو لا أدري للتو جمعت أغراضي ونهضت -متى نهضت لا أذكر- على كل ملأت بها جيبي وخرجت وعند الباب أذكر أني للتو كنت قد خرجت، متي وهل فعلا خرجت؟ لا أدري أو لا يهم، أشعر بالدوار وكأنّ أحدهم يدحرج كرة حبسني فيها.