الأربعاء، 10 أبريل 2019

شاهد قبر

*



قبل فترة قرأت قصّة لم يوقظني فيها إلا حكاية الرجل الذي دس رأسه في التراب هاربا. الحكاية أخرجت رأسها من تلك الحفرة وأكملت سيرها في حين ظلّ  رأسي عالقا. رائحة الطين تبعث على الراحة. أشعر بطيب أنفاس الأرض وهي تملأ جوفي. الأصوات من حولي تختنق كأنّ شيئا يخنق العالم دون أن ينتبه إليّ. أدس رأسي أكثر وبكل طمأنينة بدا وكأنّي تركت كلّ مايرعبني وراء ظهري. أتذكّر كيف كنت أحبّ أن أغطس برأسي في الماء عميقا كان الصمت يمنحني شعورا وكأن أحدهم يحاول أن يخنق العالم بالوسادة من خلفي. كنت راضيا! وأطيل البقاء قدر الإمكان أي بقدر ماكنت قادرا على الاختناق بالماء لأشفي غليلي

كانت يداي ترفرفان بعيدا، ومع الوقت لم تعد تبتعد كثيرا. كان دبيب الحشرات فيها يحك رأسي!. فكّرت أيهما رأسي. لم تكن يدان تفكران وتتذكران لتختلف كثيرا عن ماكان يحدث عادة في تفكيري. كانتا تذهبان بعيدا -أي أبعد من جسدي-  كذلك كانت تفكّر. ولؤأكد لنفسي بأنّ يدي ليست رأسي كنت أضرب بها على الأرض؛ ماكان ليضرب بنفسه على التراب. والجرح الذي على يدي لم أشعر به في رأسي، كان عليّ أن أجد وهما أكتفي به ماكنت لأهرب لتضايقني فكرة كهذه، لكن الحيرة عاودتني عندما بدأ الهواء يلعق جرحي
 
 أيام ولم يعد مكان رأسي يهمّني ولم تعد يداي تذهبان بعيدا ولم أعد أشعر بدبيب الحشرات كثيرا عدا عن بعض أرجلها وهي تحك  رأسي بيدي. آخر تربة قبضتها يدي كانت آخر فكرة تذكّرني بها.



نسيت حتّى بدأت أشياء تنمو خلال أظافري، وكأنّ يدي تستيقظ، كانت تحكّني من جديد وانتابتني تلك الفكرة الميؤوس منها، أين رأسي؟ بدأت أشعر بشيء يدبّ داخل يدي، داخل عروقي أصبحت أشعر باللمس وبدأت تنمو هذه المرة لم تعد أرجل الحشرات تزعجني


نسيت أن أتذكّر عيني -وكأنّي دسست برأسي عميقا بالقصّة- كانت الأحلام تطرق جفني وكنت أستيقظ منها سريعا لكنها باتت أعمق من السابق كانت تطرق من الداخل أكثر كأنّها كانت تنمو داخل عيني. لم يعد باب الجفن يفصل بين ما أراه وأحلامي. لم يعد من باب يغلق عيني

الأصوات التي كانت تختنق اختفت لم أعد أسمع إلا وقع أقدام. كانت الأشجار تقترب، هكذا شعرت لوهلة كانت تلقي نظرة بثمارها إليّ. بقدر ماكنت أشعر بأنّي مختفي عن عالمي شعرت بأنّ الأشجار باتت تراني.
 الأشجار تتحدّث عنّي!

بدأت أتذكّر الشعور بالعطش عندما بدأ الماء يصعد في داخلي، الشعور بأنّ كل شيء له دبيب يدبّ من حولي أفقدني نفسي. لا أذكر متى نسيت حاجتي إلى شرب الماء. لا شك وأن شيئا باغتني لأنسي. 

كم لبثت دون أن أحرّك جسدي؟ لايهم كنت حيا بما يكفي وكان الشعور بحركة من حولي يكفيني. إلى أن بدأ ذاك النسيم يهب ولأول مرة شعرت بقلبي كنت أميل! حيث يذهب النسيم وان ذهب بعيدا كنت أميل أكثر وذلك كان يؤلمني. تذكّرت كيف سيبدو شكلي بهلوانيّا ومضحكا وأنا أميل بجسدي بتلك الهيئة. إلا أن ذلك لم يوقفني عن الميلان، أحاول إيقاف نفسي مع أنّ التماهي مع ذاك النسيم يريح قلبي ويسعدني. كأنّ حفلة تدور بالأعلى. الكل  كان يلعب الأشجار كانت تلعب لست بهلوانيّا هكذا بدوت في نفسي. أكاد أنكسر! ذاك النسيم لم يعد نسيما. شيء كان يلويني إليه ليكسرني أكثر.
 استيقظ تفكيري أكثر وبدأت أفكر:
 ليته يكسرني إليه أكثر ليحررني

ما إن دب قلبي إلا وعاودت بي الحياة. قدماي! وكأنها كانت تطأ الهواء بالأعلى. الشعور بالرعب بدأ يدفعني للأعلى، أحدهم أنا أو غيري دس رأسي بعيدا في التراب ومع أوّل حركة من جسدي ولأول مرة منذ وقت لا أذكره تنفس جسدي أخيرا. أحاول سحب نفسي للأعلى وعيني بدأت تؤلمني، بدأت أحرك كل ما أمكنني بدأت أتفقد أعضاء جسدي بألمي. بالبداية أحاول سحب رأسي إلا أن ألما فظيعا يندفع داخل عيني ليصل أعمق الى الداخل كانت الأرض تتشبّث بعيني أحرك وجهي لتندفع أملاح التربة الى الداخل، كان ذلك يشعل وجهي. إلى أي حد تشوهت خلقتي؟ أعاود سحب وجهي أكثر لأسمع أصوات تقطع العروق في الداخل كان نزيفها يدفع بالملح أكثر وكانت الأرض تسحبني. إلى هذا الحد لم تعد قصتي تتحرك

نمت العروق وتلاشى آخر أمل بالخروج. كل شيء يدب من حولي والحياة مليئة بالداخل وهناك بالخارج في الأعلى كانت الأشجار والتي بدأت أفهمها أكثر تحدثني عن أناس يمشون من حولي لا أحد يطأ الأرض التي أنا عليها كما أن لا أحد حاول انتزاع تلك الأقدام للأعلى. ومع الأيام بدأت أرى حديث الأشجار بعيني: كنت شيئا يشبه شاهد قبر. على كل حال ماكانت الأشجار لتعرف ما أكون بالضبط      




*Andres Marti

هناك تعليق واحد:

  1. وماذا بعد.
    هل أستسلمت.
    الأرض لاتموت، هي تخبئك عندها ليوم جديد.
    أنت الذي ذبلت، هي لا تذبل،
    ملايين الملايين من البشر والحيوانات والأشياء تموت كل يوم. هل تريدها أن تنتبه لك وتذر كل هؤلاء.
    أترك عنك هذا، فالماء لا يفيدك الأن ولا الهواء
    هل تريد حبل نجاة؟؟
    ابحث عن الهواء
    انت الآن حر تطير بلا أجنحة
    هنا وهناك أعلى وأسفل
    طر حيث تريد
    وماذا بعد
    .....
    إبحث عن الأجداد. نعم الأجداد إنهم متجمعون في مكان ما
    أنا لا أعرف المكان لكنهم حتماً متجمعون
    وكلمة سر في إذنك (إنهم يعرفون أنك قادم لكنهم يحبون عنصر المفاجأة)
    يكفي الآن أريد أن أنام فقد عدت الآن من عندهم سأعود إلى الطيران حول بيتي القديم فقد سمعت أن جارنا قد ذكر إسمي يوم أمس ولا أريد أن أتأخر. يمكن أن يذكره مرة أخرى.
    أمس،،،، مرة أخرى،،، نسيت
    الزمن هنا لا معنى له أبداً
    لا تقل هذه الكلمات أبداً هناك
    أراك قريباً

    ردحذف