الأربعاء، 28 أغسطس 2024

شخصيات متزمتة هزمتها الطفولة (منيرة والخالة بولي)

 "على الكتاب أن يكون الفأس الذي يحطّم البحر المتجمّد فينا"

فرانز كافكا



على غير ما قيلت له، تذكرني العبارة بشخصيّات نسائيّة محافظة، شاهدتها بمسلسلات "مسرح تحف العالم"، لأعمال الانمي المقتبسة من روايات عالميّة. القاسم المشترك بينها، أنها كتبت بأقلام نسائيّة. تحديدا، منيرة  في "شمّا في المراعي الخضراء" و الخالة بولي في "بوليانا"، وبدرجة أقلّ، العمّة مارش في "نساء صغيرات". يمكننا تصوّر تسلسل بديل لقصص تلك الإنميّات، يدور حول تحرّر تلك الشخصيّات المحافظة من سماتها القاسية، وتحوّلها من شخصيّات متزمتة الى شخصيّات لطيفة  ومرنة. كأنّ الإنمي يعيدها لطبيعتها الأولى، التي افتقدتها، جرّاء التربيّة وظروف ذلك الزمان (الذي كتبت فيه الروايات). شخصيّات طُوّقت بإطار متجمّد، لكنه يتحطّم بنهاية سعيدة، غالبا  على يد شخصيّات طفوليّة محبّبة في تلك الأعمال، مثلا، شمّا و بوليانا، شخصيّات لا تشبه عفويّتها إلا كل ما يتمناه من أُثقلت روحه بأعباء التربية، وهاجس الأعراف والعادات.


في حلقات تلك الأعمال، جرت العادة أن تدور حول مواقف وتصادمات بين البطلة (الطفلة بطبيعتها) والشخصيّة المحافظة. يزداد التوتّر مع مرور الحلقات، حتّى لحظة انكسار الشخصيات المحافظة، وعودتها الى طبيعتها. ذلك يشير  الى وجود طيبة كامنة في داخلها. الخالة بولي مثلا، بالبداية لم تحبّ حديث بوليانا المتكرّر عن السعادة، وكثيرا ما أثارت عبارة "السعادة" غيضها وهي تؤنّبها. رغم أنها عاشت طفولة مرحة،  لكنّها بعد هَجر شقيقتها، ووفاة والديها وتحمّلها أعباء إرث العائلة أصبحت بذلك الجمود والنفور، الى حدّ انتباه بوليانا وحزنها، إلى أن خالتها التي حذرتها مرارا وتكرارا من إغلاق الباب بقوّة لأي سبب كان، ليست سعيدة؛ كونها لا تعرف معنى أن يمتلك أحدهم سببا سارا  يجعله يغلق الباب بقوّة. وترى الخالة بولي، بأنّ السعادة ليست أهم ما يُبحث عنه. لهذا  لم تعد بوليانا تذكر لعبتها المفضلة، والتي تسمّيها "لعبة السعادة" أمامها. إلا أن الحادث الذي تعرّضت بوليانا له، أثار فزع الخالة بولي، وأدراكت الأثر الذي يصنعه وجودها، بالنهاية، بوليانا حرّرت خالتها وحطّمت الجمود الذي كان  يقيّدها،  كما فعلت مع السيّد بنديلتون ولاحقا مع السيدة كارديف. والإنمي بهذه الطريقة، يصوّر القوّة الناعمة التي تمتلكها بوليانا. أما منيرة في "شمّا في البراري الخضراء"، وبعد تبرّمها من خطأ المأتم، الذي أرسل الفتاة شمّا بدلا من صبيّ يساعدهم على أعباء المزرعة، رأت أن الفتاة ستشكّل عبئا إضافيّا عليها وشقيقها، لكنها أدركت أن شمّا، ساعدتهم على أعباء لا تقلّ ثقلا وارهاقا عن أعمال المزرعة. بدأت منيرة تستشعر الحياة وهي تدبّ في كلّ ركن بحياتها وشقيقها بالمزرعة. وبفعل تصرّفات شمّا وثرثرتها العفويّة (التي أحبتها منيرة لاحقا بخلاف البدايات)، بدأ الجمود الذي يقيّد الحياة في المزرعة ينحلّ أكثر، وأصبحت شمّا مثل الابنة؛ تعلمت من منيرة خبز الكعك، ومن شقيقها العمل بالمزرعة، وأشرفوا على دخولها للمدرسة، ومن ثمّ الجامعة -لم تعد اليتيمة التي قدمت للمساعدة بالمزرعة-، وبفضل الروعة التي تقدمها لوسي مونتجمري، بشكل خاص - مؤلفة الرواية الأصليّة "آن الجملونات الخضراء"-، يمكننا بدقّة، استشعار الأثر الفعال لطبيعة شمّا العفويّة (آن في الرواية)، من خلال انطلاقة تعابيرها وأفكارها، والتي كانت تحطّم بالتدرج، ذلك الجمود المخيّم على حياة منيرة.


بالنهاية، أتذكّر عبارة كافكا، وأتخيّل أن الفأس الذي حطّم الشيء المتجمّد في تلك الشخصيّات، لم تكن إلا براءة وعفويّة الشخصيّات الطفوليّة. بعين الرأفة -ربّما- نظرت الأقلام النسائيّة الى الشخصيّات المحافظة. كأنها فهمت الظروف التي حوّلتها الى ما هنّ عليه. وبسياق الإنمي ومونتاجه الخاص، لم تكن طفلة الخلاص بعفويّتها، إلا صورة تشبه طبيعتهنّ القديمة. في فترة تأليف تلك الروايات (نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)، أصبحت الأقلام النسائيّة أكثر تطلعا، للتعبير عن الحقوق والمساواة. وبدأ الإدراك بأنّ الكثير مما وُصمت به النساء من صفات سلبيّة، لم تكن إلا نتاجا وصايات المجتمع، أكثر من كونها صفات طبيعية. لهذا عوضا عن تحطيمها والانتقام من تلك الشخصيّات المحافظة، وجدنا الروائيّات يرسلنّ وجها طفوليّا، لتحطيم تلك القيود. 





 

الأحد، 18 أغسطس 2024

-٣٦-

 -36-

في هذا اليوم الضيّق، أتذكّر جلسة فتون علف، من مسلسل "الحيّالة"، على السطح. أحتاج أجلس معها (ومانع توّه طالع للسوق وبيتأخّر)، نسمع يوتيوبات بعض، كلن على لابتوبه. ونذبّ على همومنا بأقسى التعابير الكوميديّة . تماما، مثل جلسات المقاهي الشعبيّة، للأسف، الشيشة دمار للصحّة، ومغامرة خطيرة، إذا استمريت بتعاطيها لأكثر من عشرة سنوات من عمرك. نطعة الطعم في جوف الرأس، ولذعة تشبه انتعاش النعناع، مع أوّل نفس، تكون النكهة قويّة (أحيانا تسبّب ارتعاشة رضى بالجسم)، ثواني بدايات الجلسة، هي الأجمل. لا أدري كيف، أتحسّر على ساعات طويلة جدّا، أهدرتها في المقاهي وحيدا أو برفقة بسيطة، رغم حنيني لما يربطها من مشاهدات ومواقف وأشياء. لكنها رمتني داخل قوقعة، كلّ ما أخرج منها أعاني، بسبب مزاجي الذي أصبح كائنا رخويّا. نعود لفتون، أو في وقت لاحق أعود بمزاج أفضل؛ هناك الكثير مما يستحق هبده بالموضوع. كنت أفكّر أكتب عن ثلاثة أشياء، بتدوينات منفصلة:

1. ذاكرتي مع الطعم والمطاعم.

2. ذاكرتي مع الأمكنة، وصنع قاموس للأماكن في الذاكرة.

3. ذاكرتي مع الأغاني والأصوات. 

بحاول أكتبها بمزاج آخر.

 

ملاحظة: الخطّ أخيرا عرفت كيف أغيّره