السبت، 11 يونيو 2016

من مطبخ التاريخ


هل تعلمون بأنّ كيسا صغيرا من احدى هذه التوابل -جوزة الطيب على وجه التحديد- كان قادرا على شراء ثلاث بقرات في أوروبا بالقرون الوسطى! وكان الأمراء يتهادون الفلفل الأسود. وفي السابق بعهد الرومان كانت رواتب الجنود تدفع ملحا ولذلك يقال بأنّ كلمة الراتب "salary" مشتقة من "salt" ولو أردنا التوسّع أكثر لعرفنا أن هذه الأشياء المعروضة في الصورة قامت بتشكيل دول وإنهاء دول كلّ ذلك بعد أن استدار فاسكو دي جاما حول رأس الرجاء الصالح.

هذا الغلاء دفع طاهيا فرنسيّا مشهورا إلى تأليف كتاب عن فنّ الطبخ ودعا إلى الإستغناء عن التوابل مقابل استخلاص عصارة المواد الغذائيّة المتاحة من أجل تتبيل الأكل. ولذلك نجد المطبخ الفرنسي بالوقت الحاضر غنيّ بالنكهات المستخلصة من مختلف الأطعمة والدهون من المصادر الحيوانيّة وإستخداماتها. في حين نجد المطابخ الشرق أوسطيّة وبقيّة الأقطار الإسلاميّة غنيّة بالبهارات كونها كانت متوفّرة بالعالم الإسلامي منذ ذلك الحين.

يبدو أنّ كتاب طبخ واحد كان له تأثير كبير مثل كتب الفلسفة ولكن كلّ بجانبه المعيّن. الجانب المتعلّق بتاريخ الطبخ والأطعمة يكاد يكون مبهما أو مهملا في المكتبة العربيّة. رغم أنّ دراسة هذا الجانب قد يشي بالكثير من الأمور ويدعم ويبيّن العديد من الحقائق. أتذكّر طاهية ايطاليّة قالت بأنّ السبب الذي جعل المطبخ الإيطالي غنيّ بالعناصر النباتيّة هو أنّ اللحوم كانت باهضة الثمن في ايطاليا أكثر من البلدان الأخرى لذلك حاول الفقراء إضفاء شيء من النكهات والأصناف على أطباقهم من خلال إضافة المزيد والمزيد من العناصر النباتيّة الوافرة في بيئة البحر المتوسّط. وبالجانب الشماليّ بالدول الاسكندنافيّة وشمال أ وروبا لم تكن تلك العناصر النباتيّة وافرة ولكن العناصر الحيوانيّة والبحريّة كانت أكثر وفرة وهذا ماانعكس على ماكانوا يأكلونه من لحوم محفوظة بطرق بدائيّة وتطوّرت مع تأثّر الجميع بشعب الهون الغازين الذين وجدوا طريقة لجعل اللحم النيء قابلا للأكل! وقد ذكر توني روبنسون في كتابه "أسوأ المهن بالتاريخ" طعاما مكوّنا من لحم سمك القرش يتمّ حفظه بدفنه وعند إخراجه يكون له رائحة سيّئة وهذه احدى الأسباب التي جعلت المؤلّف يعتبر الإبحار في سفن الفايكنج من أسوأ المهن بالتاريخ. 

لعلّك تستطيع أن تعرف طبيعة الشعب الأمريكي بإلقاء نظرة سريعة على أنواع مطاعمهم التي تقدّم الوجبات السريعة التي تؤكل في كلّ وقت ومكان، هذا الشعب الدؤوب يبدو أنّه لم يملك الوقت ليعدّ طعامه بنفسه حتّى،  فتجده يتقبّل الأطعمة من مختلف الثقافات كالبيتزا والنودلز طالما أنّه يلائم طبيعتهم.      

يقال بأنّ شارل ديغول قال: كيف يمكن توحيد شعب يملك كلّ هذه الأنواع من الأجبان. ومن شدّة ولع الحاكم بأمر الله بالملوخيّة (الملوكيّة) منع الشعب من أكلها وخصّها لنفسه! 




foie gras

أو كبد الإوز. وهو صنف يعبّر على مدى الشراهة التي وصل بها الإنسان في سبيل إشباع رغباته. هذا الطبق مكوّن من كبد الإوز الغير طبيعي، ذلك لأنّ وزن الكبد الطبيعي ٥٠ غراما ولكنّ بعد عمليّة -أقلّ مايقال عنها أنّها تدعو للإشمئزاز- يصبح وزن الكبد ٣٠٠ غرام! نظرة بسيطة على طريقة الحصول عليها باليوتيوب كافية لجعلك تتألّم وهذا الصنف ممنوع في العديد من الدول. 

يبدو أنّ تاريخ الكائنات المسكينة خاضع لسلطة رغباتنا! فالعديد من الكائنات المهدّدة بالإنقراض أصبحت كذلك بسبب أنّها -ولسوء حظّها- مقوّية جنسيّا! لذلك الكافيار مهدّد وأسماك القرش يتم قطع زعانفها ومن ثمّ تلقى حيّة في البحر والنمر محاصر بالخرافات التي تعتقد بأنّ مسحوقا منه يقويّ جنسيّا ولعلّ ذلك صحيح فموطنه الهند والصين يشهدان على ذلك.

تاريخ الطعام والطبخ يمنحنا زاوية فريدة تمكّننا من رؤية العالم بطريقة مختلفة وفريدة.  وهنالك كتب مثل "التوابل: التاريخ الكوني" لفريد كزارا وكتاب "الطعام والمجتمع في العصر الكلاسيكي" لبيتر غرانسي وكلّها من إصدارات "كلمة".

للأطعمة حكايات وحكايات. مرتبطة بأشخاص خلّدهم التاريخ مثل الأميرال سندويتش أو ببقرة ثارت وأسقطت عجينة على زيتٍ مغليّ فكانت الدونات. أو مارغريتا لاأعني بيتزا مارجريتا بل ملكة ايطاليا مارجريتا وبها سمّيت هذه البيتزا. 

وبالختام تذكّر بأنّ طبقا عاديّا يُقدّم إليك قد يحوي في جعبته العديد من الحكايات التاريخيّة المنسيّة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق