الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

الأدب الأجنبي والشعر: مالن تنقله الترجمة



"سيجيء الموت وستكون له عيناك" 
تشيزاري بافيز



"حيث يستعصي الأمل، الذي لايستعصي على أحد"
جون ميلتون



المقطعان من قصائد مترجمة. الأولى عن الايطاليّة والثانية عن الانجليزّية. لم تفقد الترجمة لم تفقد بريقهما. لعلّ المعنى كان شاسع التعبير لدرجة أنّه استوعب الترجمة بصدر رحب. لكن عندما تحاول أن تقرأ الشعر الأجنبيّ بالذات فإنّك لن تجد إلا القليل القليل من مثل هذه المقاطع التي لم تفقد بريقها. 

حاولت مرارا وتكرار قراءة أشعار آليغري وإدغار ألن بو وإليوت لكن دون جدوى! كأنّني أقرأ جثث قصائدهم. لقد إزددت قناعة بأنّ ترجمة الشعر مستحيلة وبالكاد يصلنا شيء من روعة تلك الأشعار عدى بضع مقاطع متفرقة، ليتني أفهم كيف بقيت كذلك. هل من روعة الترجمة، أم من روعة المقطع نفسه؟

لعلّ محبّي الروايات سمعوا كثيرا عن حرص القرّاد اقتناء النسخة التي ترجمها منير البعلبكي دون غيرها. السبب بكلّ بساطة روعة الترجمة، وكأنّ روعة القصّة لاتصل روعتها إلا بترجمة جيّدة بالذات. 


 "الترجمة والحرف أو مقام البعد" لانطوان برمان.

لقد عثرت على ضالتي في هذا الكتاب. الكتاب الذي يتحدّث بشكل مبسّط وجميل حول الترجمة. فيه وجدت كلّ التساؤلات المعتادة حول الترجمة ومشاكلها مع النصّ الأدبي. في العديد من الأمثلة المبسطة بكلّ وضوح. وكلام المؤلف جعلني أتذكّر بضعة مواقف مرّت بي. 

عندما أردت أن أصف أحد الأجانب بطيبة القلب قلت: he has a white heart عندها لم يفهم الأجنبي ماأعنيه! كنت أعني بأنّ له قلبا أبيضا -وهو مايفهمه كلّ العرب- ولكنّ وصف القلب بالأبيض غريب عليهم. لذلك عندما يترجم أحدهم نصا أدبيا عربيا فيه هذه العبارة عليه أن يقول: he has a kind heart  أي قلبا طيّبا، مما يعني أن ننسى مسألة القلب الأبيض كليّا وبالتالي استحالة ترجمتها دون تحريف "الأبيض" لما يعنيه "بالطيب". 

أيضا كيف يمكن للعربيّ أن يترجم محادثة بين عربّيين من بلدين مختلفين؟ أو عندما يستشهد عربيّ بهذا المثل "يادار مادخلكش شر" ؟ عند الترجمة لن ينتبه القارئ الأجنبي إلى أنّ العربي استخدم مثلا بلهجة مختلفة، مما يعكس دلالات معيّنة وفق السياق. لأنّ الترجمة أتته حرفيّا. أو عندما يتمّ استخدام مفردات محليّة لها دلالات معيّنة مثل: لهجات الجنوب أو نجد أو الحجاز، قد نستخدمها عمدا لإيصال صورة ما لن توصله أي ترجمة.   






أيضا مسألة أخرى. لاشكّ وأنّ العربي يدرك الفرق الواضح بين قراءة القرآن بلسانه العربيّ وقراءته مترجما! الأمر أشبه بالفرق بين قراءة آيات القرآن وقراءة تفسير الآيات.


وفي كتاب "محاكمات نورمبرغ" تأليف ج. م. جيلبرت وترجمة: أحمد رائف. يوجد مقطع لفت نظري. وهو كلام لهانز فرانك حاكم بولندا الألماني النازي الذي عبّر عن ندمه وقد اكتسى بعد الأسر وبالمحاكمة روحانيّة واضحة طغت على كلماته.  هذا الكلام كان وصفا لحال هتلر وطغيانه وكيف أن الله كان يراه.


لقد أتى أحمد رائف بآيات قرآنيّة! بالتأكيد لم ينقل فرانك هذه الآيات بل إنّ المترجم وجدها أفضل كلمات ممكن أن تترجم ماقاله فرانك. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق