إن كنت من عشّاق الأنستغرام فأعتقد بأنّ هذه الصورة قد مرّت عليك. الصورة لمارينا ابراموفيتش، فنّانة صربيّة يقوم فنّها على الأداء الجسدي. في تجربة قد تفيد علماء النفس والمهتمّين بالسلوك البشري، وقفت مارينا متيحة للناس جميعا أن يفعلوا بها مايشاؤون. بدأ الجميع بمعاملتها بلطف وبعد مدّة انتهى بها المطاف مجرّدة من بعض ملابسها وقد تمّ التحرّش بها وإيذائها! دون وجود أيّ دافع يعتقد وجوده لمن آذاها.
للفنّانة تجارب عدّة وصور أكثر. لكن هل ماتقوم به من أداء يعدّ فنّا؟
لو نظرنا الى الفنّ من جانب شعور المتلقّي الانطباعيّ والصادم بالشيء الذي أعطاه هذا الشعور سواء كان إعجاب أم إشمئزاز أمّ تعجّب. إنّنا نسمّي الأشياء فنّا لأنّ ذلك الشعور جاء من قطعة فنيّة لطالما كان ذلك الشعور لذيذا ومبهجا أو شعور بالارتياح ومع القرن العشرين اتّسعت دائرة الفنّ لتشمل كلّ شيء يعطي شعورا بالصدمة! وإن لم يكن ذلك الشعور مريحا! -ومستقبلا وإن لم يكن ذلك من خلال قطعة-.
"المرحاض" لمارسيل دو شامب
بالإمكان أن نعتبر هذا عملا فنيّا بمقاييس العصر الحديث: مجسّم يخلق شعورا غير مألوف بالصدمة. حسنا على اعتبار أن كلّ الأشياء التي تجسّم ويخلق النظر إليها شعورا بالبهجة تعتبر فنّا. بات كلّ شيء مجسّم ويخلق شعورا صادما ولايهمّ إن كان ذلك مبهجا أو مريحا؛ إنّه العصر الحديث!
بما أنّنا عرفنا بأنّ العصر بات يهمّه كلّ شيء صادم، ولاشكّ أن الصدمة ينبغي أن تكون قويّة الأثر في عصر الضجيج. فقد بدأ هذا المفهوم يغزو فنّ الأداء وهو ماتفعله مارينا ابراموفيتش - الأفلام لاتشبهها ولا القصيرة كونها تقوم على قصّة وبعد زمنيّ- . هنا المادة ليست مجسّما، بل شعورا صادما يشبه ماتخلقه المواد الفنيّة ولكن من خلال الأداء. إن كان ثمّة مواد فهي الصور الفوتوغرافيّة لأدائها والاستنتاجات التي نصل إليها، وهي تهمّ لمعرفة السلوك البشريّ. وأيضا ردود فعل الناس سواء من تصرّفات أو صورا للمشاهدين. لا أدري لكن أعتقد أنّ أحد العوامل التي ساعدتها هي ملامح وجهها التي تشبه الى حدّ بعيد التماثيل الكلاسيكيّة.
ليدي غاغا
ابتداء من إسمها إلى طريقة اختيار ظهورها أعتقد بأنّها تقوم بأداء شيء قريب من فن الأداء. لكن سيكون من الإجحاف أن نقارنها بمارينا التي كرّست حياتها لذلك بخلاف غاغا.
لكن:
أكلّ ذلك فنّ؟
وهل بدأ العلم يغزو عالم الفنّ؟ وبات الفنّانون يجرون تجاربهم على ذائقتنا؟
بالعودة إلى تجربة مارينا. فإنّ تدرّج ردود أفعال الناس اتّجاهها من حسن الى أسوأ تذكّرنا بقوانين التعذيب التي أقرّت قديما في العديد من البلدان وكانت مبدئيّا موضوعة من أجل الاستجواب لا أكثر ولاتتمّ إلا بإذن محدّد ولكنّها مع الزمن باتت ممارسات اعتياديّة وإجرائيّة روتينيّة حتّى وصل بها الحال إلى ممارسة بشعة هدفها التلذّذ بالعقاب وليس العقاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق