كان الصوت يرعبه قليلا، صوت هتاف يحيط به. كأن الهتافات تناديه. لا يدري، الخوف جعله لا يدري للأبد.
الفراغ من خلفه يدفعه نحو الستار، حيث ينتظره الجميع خلف الستار. قدماه تعجز عن حمله وأخذه اليهم. هي أثقل من دفع الفراغ. قلبه يرجف بين ذلك كله.
تذكر عدد الأشخاص الذين ينتظرون ظهوره. ما الذي عليه فعله لا أحد من حوله يخبره.
رغم الإضاءة، الظلام حالك حوله. ما من نور ينعكس على وجه أحد لينير عينيه. مكان واسع فارغ. أرضيّة خشبيّة -وقع الخطوات يوحي بذلك- . اللون القاتم يغلب على المكان وكل الأثاث من أجل استخدام محدّد. شعر بأن وجوده خطأ مالم يكن من أجل استخدام محدّد.
قبل الخروج إليهم، من خلف الستار بدأ يشعر بأنّ الهتافات تزداد، ولج فجأة.
" أحدهم دفعني من الخلف" - هذا ما قاله لاحقا
"لم يدفعك أحد، أنت أتيت بنفسك"- وهذا ما قيل لاحقا له
قشعريرة أصابت جلده، رعشة باردة أكملت مشهد تصبّب العرق على وجهه.
لم يدر ما يفعل، الهتافات سكتت "يعني أن أقول شيئا؟" - هذا ما قاله في نفسه
"كل شيء على ما يرام" رنّ هذا الكلام في أذنه، كان قد سمعه من قبل ولا يدري متى.
وجد يده تخرج ورقة من جيبه! تملي عليه ما عليه فعله وقوله. أخرجها، بدأ يرتعش "هل يسمح لي ذلك؟" تبادر هذا السؤال الى ذهنه.
انتظر حدوث كسر في حالة الصمت هذه، توحي بأن خطأ ما قد حدث وقد تكون يده أو الورقة. لا شيء حدث، بدأ بفتحها، بالكاد قرأ ما في داخلها. وميض الإضاءة المحدقة تزعجه، يشعر بوجود عدد كبير حوله وكلهم ينتظرون. يكمل قراءة الورقة التي تقول: " تقدم إلى "k" وقل له: ....! " بدأت المعالم حوله تظهر أكثر.
أشخاص ظهروا، بدأ يتذكرهم، يبدو أنه قد دارت بينه وبينهم بضع ورقات في الجيب سابقا. الكل متحفّز ينتظر دوره والآن دوره، لا وقت ليسأل ما الحدث؟ عرف أن عليه أن يسير نحوها ويقول لها ما في الورقة. الكلام لا يمكن قوله لابد وأن الكلام لم يكن ليخرج منه في الواقع، بدأ يتذكّر بأن كلّ ما عليه هو أن يؤدي دورا أنيط به وينتهي كلّ شيء ليعود أخيرا إلى نفسه. تقدم وقالها وبدرت من "k" التفاتة كسرت رتم المكان و أحدثت خرقا في قلبه، كأنه جاء من شيء اندفع من مكان بعيد من الخلف.
غمغمة بدأت تعلو ومن ثمّ تلاشت تدريجيّا ليحل محلها، صوت همسات خافت يريب القلب.
الأنظار التي يشعر بها تكاد تنهشه. يدرك أن عليه إكمال دوره، للتو تذكّر ما عليه القيام به. ينقضّ بالكلام على "k" دون أن يجد ورقة في جيبه. تعلو الغمغمات فجأة. يخرّ "k" ساقطا وينهض الجميع ليرى ...
"ما كان عليه فعل ذلك" أحدهم قال ذلك بصوت مسموع.
وقف مشدوها، "ما الذي فعلتُه؟" يلتفت قلقا إن كان أحدهم قد سمع ما قاله في نفسه، لم يسمعه أحد.
"أكل شيء طبيعيّ؟" يسأل نفسه، أيضا تأكد بطمأنينة، لم يسمعه أحد.
إلا أن الجميع بدأ يقترب منه، وآخرين يحاولون الاطمئنان على "k" الذي يتعرف عليه أخيرا ويتعرف بعدها على ما تبقّى من ذاكرته التي كشف الستار عنها ويدرك كل ما قترفت يداه دون أن يدري. الأعين تكاد تطعنه. وقلبه يسقط في حفرة داخل جوفه، يكاد يسقط هو فيها مع قلبه.
الأيدي تهزّه والكل يحاصره، يحاول جاهدا القول بأنه لم يفعل ذلك، أو لم يفعلها بإرادته، وأصعب من ذلك محاولة القول بأنه كان يلعب دور الضحيّة الذي أرغب به، أو أنه لم يكن دورا بل كان فعلا كذلك. تخلى الجميع عنه، حتى الورقة في جيبه سقطت وتخلّت عنه.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق