مالذي أحمله في يدي؟
في الممر كل النظرات عدوانية، انهم يعرفوني جيدا ولا أعرف أي أحد منهم. عند الاستقبال، تلوح تعابير الغضب في وجهه! أخيرا وجد حوضا فارغا أمامه يصب فيه غضبه. ألتفت لا أحد انما أنا هذا الحوض، التفاتتي تغضبه أكثر.
ما الذي يحملونه؟؟ كلهم يحملون أوراقا مختلفة عني، ولا أحد ينظر اليهم، وحدها النظرات تحدق بي وكأنها تدفعني بعيدا عنهم.
الهواء خانق، وحده الحديث يمكن أن يفتح ثقبا في هذه الأجواء، لكن الأفواه التي أراها ملتصقة بقوة كأنها تحاول كتمان غضب جاثم يكاد تنتفخ منه الوجوه.
الكرسي المعدني فارغ الا منّي، وهو لثلاثة أشخاص يجلسون جوار بعضهم، بارد للغاية. أمنع نفسي من الارتجاف
خلف جدار نصفه زجاجي، مكاتب عدة مليئة بالأوراق ويجلس فيها شخص وحيد لم تتغير منذ ساعات وقع حركاته الروتينية وكأنه آلة وجزء من تجهيزات تلك المكاتب.
شخص يخرج من المكان عبر الممر الذي جئنا منه ولا أحد يلتفت إليه. شعور عميق بالضجر والترقب المزعج. ألتفت الى الممر، فيه حارس مدجج ببزته وتعابيره الرسمية، انتبه الي وكأنه ينهرني من أي تفكير للخروج من هذا المبنى الذي نسيت شكله بالخارج، ولا أذكر إلا أن السماء كانت بلون اسمنتي، والمبنى ملطخ ببقايا اسمنتية سقطت من سقف السماء الاسمنتية مع مواضع حالكة بالسواد.
في الوقت الذي انتبه الى أن حديثا عابرا كان يدور في الجهة التي فيها أشخاص يجلسون بالانتظار، سمعت أحدهم يصب لعناته على مجموعة أشخاص في باله، لا أدري لم شعرت بأنهم يعنون لي شيئا، وآخر يقول "ليتهم يُحرقون"، وآخر بكل برود يتحدث عن العمر وكيف يضيع أغلبه في مثل هذه الانتظارات التي لا تنتهي قائلا "تركت كل أعمالي وأهلي وهذا رابع يوم لي ولا فائدة"، وصوت كان قد ألقي علينا من بعيد، من جهة فيها مجموعة موحدي اللباس والمكاتب، وهم من بيدهم إطلاق سراحنا، بالكاد رأينا وجوههم ولا ندري من أي فم كان قد ألقي منه ذلك الصوت قائلا "فلاااان"، نهض فجأة أحد المنتظرين، كان في حالة إنطفاء كاملة، كان شعورا رهيبا، أن صوتا يحمل اسمه ألقي به من تلك المجموعة بكل برود لكنه كان قادرا على احياء ما خلناه آلة مطفأة لينهض بكل نشاط ملبيا ذلك النداء. كيف سيكون وقع ذلك الصوت بأسمي؟ لايمكنك تخيل من هم هؤلاء الأشخاص وما مدى أهميتهم.
مضت بضع ساعات منذ أن عادت الحياة الى هذا المكان بوقع ذلك الصوت، تفاجأنا بأن الآلة (الشخص الذي لبى النداء) كان مطفأً أمام أحد هؤلاء الموظفين، آلة ملقاة بالكرسي، أمام الموظف الذي أظهر أخيرا أجزاء من بدلته الرسمية بفعل التفاتته الى زميله الذي يحادثه بود.
السقف يهبط والممر يحكم قبضته!
كم سنة وأنا على هذه الحال؟ مررت بكل سنواتي أتذكر. كان الزمان جالسا عندنا، تخيلته أطول قليلا وتخيلته مرة كخط عابر يكاد يكون مستقيما، تخيلته أي شيء يجذب البصر وامتداده بعيدا، لكنه كان جاثما معنا وها أنا أراه وتحيط به عيني، شخص هزيل أكثر مني، شعرت بالشفقة كثيرا عندما تذكرت بأن كل ما فيني جزء منه، كان أهزل من أن يحمل أحلامي "لعنة" وكان أهزل من أن يخرجني من هذا المكان ..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق