الأحد، 9 مارس 2025

خاطري في الشعر النبطي

في الجزء السادس من كتاب "العقد الفريد"*، أَرِق الرشيد وطلب أحدا يؤنسه فجيء بالأصمعي، طلب منه  قصيدة عدي بن الرقاع في بني أمية، وكان الرشيد يستوقف ويسأل الأصمعي في بعض أبياتها  فيجيبه ويصف ردة فعل الخليفة الأموي أثناء إلقاء القصيدة، وموقف الفرزدق وجرير. بدا أن الرشيد متلهّف ليعرف أكثر واسترسل الأصمعي وقادهم الحديث - بمشاركة الفضل بن يحيى-  الى ذكر قصائد أخرى مثل جيميّة الشمّاخ، التي وصفها الأصمعي، بعروس شعره. غبطت الرشيد، إذ أنه كان يؤتى أحكم الإجابات وأوثقها في كلّ مرة يسأل، تخيّل لهفتك وأنت تسأل ChatGPT ويجيبك عن موضوع تحبّه. تمنّيت لو أن للشعر النبطي قصة مثلها. نحن نحبّ قصص الأبيات في حظرة الملوك والحكام وموقفهم منها ونراها كثيرا على الـ You Tube و TikTok. 

للأصمعي كتاب مُذهل اسمه، "فحولة الشعراء"، يشبه  دليلا ارشاديا لمعرفة الشعراء وقيمة شعرهم (فحل أم لا). كان الأصمعي بارعا جدّا في اختزال الشعراء بوصف يجسّد شاعريّتهم ويعكس عمق فهمه، كذلك النقد برأيي؛ نحت عبارات مجرّدة، تعطي وصفا محكما للأشياء. مثل العبارة الدارجة عن الحطيئة بأنه: متين الشعر شرود القافية،  لهذا كان الجميع يخشى قصائده، لأنها شاردة الانتشار، وعبارة "جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت في الصخر"، لنا في الشعر النبطي عبارة (أتصوّر يتيمة) وهي "غير ابن لعبون كلهم يلعبون". لا يوجد كتاب يتناول جماليّات الشعر النبطيّ خارج إطار المدح وإطراء "صحّ لسانه". يوجد كتاب اسمه "الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النصّ"*، يهمّني العنوان، أما الكتاب مليء ببدايات الشعر النبطيّ وجلّها قصائد هلاليّة مهجّنة بين الفصيح والعامي. ذائقة الشعب وسلطة النصّ! في مسابقة "شاعر المليون و المعلقة" يمكننا ملاحظة الفرق بين نوعيّة القصائد المطروحة، والتي كانت وفق الطلب الذائقة. فعلا، ذائقة الناس تحكم على الشعراء أساليبهم، إلا ما ندر (وفي حالتها لا يبرز إلا شاعر علم). كثيرا منا يحبّ تداول الأبيات في وسائل التواصل بما لا يتعدّا ثواني؛ لهذا تبهرنا الأبيات التي تسرق الانتباه وتشبع الاحساسي بلحظة خاطفة (عصر الدوبامين). وكما كان شعراء المنتديات غارقون في حداثيّتهم؛ كان شعرهم يُقرأ لهذا توجد فرصة لتفكيك المعاني بخلاف المسابقات والأمسيات، تلك الرمزيّات والغموض لا تجدي نفعا، لهذا سقطوا في المسابقات. تعوّدنا أن الشعر النبطي مقرون بسالفة، في العصر الحالي " ما من سوالف" لهذا يخترع الشاعر مواقف مسرحيّة للظهور والترند. على كلّ حال الشعر العربي أشبعته البحوث ولازال يطلب المزيد، أما  النبطي فلا زال بكرا. 


--------

*العقد الفريد لابن عبد ربه و كتاب الشعر النبطي لسعد الصويان. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق