هل تعرف اسم معلقة امرؤ القيس؟ نسميها عرفا "قفا نبكِ". لماذا لا يسمّي الشعراء قصائدهم كما يفعل الروائيين؟ غالبا ما تأخذ القصائد أسماءها من اجماع الناس على مطلعها أو مقطع وعبارة تمثّل ماريّة بارزة مثل "صبا نجد" لابن الدمينة، وأحيانا وصف يمثّلها مثل "لاميّة العرب" و "اليتيمة". القصائد بذلك تشبه الحكايات الشعبيّة (الفلكلوريّة)، عناوينها مختارة بتلقائية المتلقين بخلاف الروايات التي يمثّل العنوان السطر الأوّل منها، وإن وجدنا العديد من القصائد التي سمّاها أصحابها، وندرك أن العنوان حينها قد يمثل توقيعا للمؤلف أو الشطر الأوّل و الأخير من الأبيات. هل تفقد القصائد بذلك تلقائيتها وتصبح نظما وغاية مثل "نهج البردة" للبوصيري وندرك إذا الفرق بينها وبين قصيدة "البردة" ؟ لا أميل لذلك ، وإن أخذت القصيدة بذلك منحى مختلفا عن التلقائية المعهودة بالأشعار، شيء ما يختلف بينهما مثل الاختلاف بين قصة قصيرة معنونة لكافكا مثلا، وحكاية شعبيّة نتداولها بعنوانها المُجمع عليه.
ما الذي يعنيه أن تعطي عملك الفنيّ اسما وما الذي يعنيه أن يترك العمل بلا اسم ليتلقّف الناس له اسما يمثّله؟ التأويل فضاء لا نهائيّ، لكن يُستدلّ فيه، كما نستدلّ طريقنا من النجوم في الفضاء الـ لانهائي، لكن وجود اسم وعنوان يعني أن أحدهم يشير بإصبعه الى نجمة محدّدة.
القصائد غالبا عناوينها تلقائيّة سواء من المؤلف أو المتلقّي مثل الحكايات، بخلاف الروايات والقصص الأدبيّة. وفي عالم الرسم نجد هذا الاختلاف، لوحات نعرف أسماءها لأنها تصف مشهدا بعينه، وهي بذلك أسهل عنونة من القصائد، وأخرى اختار لها الرسامين عنوانا مميّزا، يمثّل توقيعا بارزا، وجزء أصيل من العمل نفسه، أكثر أصالة من أجزاءها الماديّة، بقايا الخربشات والتشققات وشعر الفرشاة. والإطار.
"ولازالوا يقولون السمك غالي الثمن!"
لوحة الرسام خواكين سورولا، رسمها عام 1894م. يمكن للوحة أن تحدّثا عن نفسها ببساطة، فلوحة جيريكولد الشهيرة "طوف الميدوزا" تصوّر طوف الناجين من الموت والغرق بوضوح والعنوان أوضح أن اسمها الميدوزا لا أكثر، لكن بعنوانها تحدثنا لوحة سورولا بشيء لا نراه في اللوحة نفسها. ومثل ذلك نجد لوحات يبدع فنانيها عناوين جذّابة، مثل "الحرية تقود الشعب" لديلاكروا، أو تزيد المشهد عمقا مثل "الوقت" لفرانشيسكو جويا، وأخرى تستعير مفردة شاعريّة مثل "Saudade" للبرازيلي ألميدا جونيور، وهي مفردة برتغاليّة شهيرة لا مرادف لها باللغات الأخرى كأن اللوحة تحاول فعل ذلك بنفسها، المفردة تعني الشوق والحنين بلذة دافئة وألم لأحد نفتقده، وقد يأتي عنوان بعبارة تمثّل سياقا دقيقا للمشهد، مثل لوحة الفنان وليام ييمس "ومتى رأيت والدك آخر مرة؟" تصوّر صبيّا نبيلا يحقّق معه ضبّاط من الجيش البرلماني ابّان الحرب الأهلية البريطانية، اللوحة بالفعل تشبه مشهدا مسرحيّا وكلّ ما فيها من أشخاص وأوضاع تدور في فلك العنوان نفسه. وقد يطغى العنوان على المشهد مثل لوحة "هذا ليس غليونا" لرينيه ماجريت، فرغم العنوان إلا أن اللوحة تصوّر غليونا بالفعل.
"الوقت" فرانشيسكو جويا، 1810م


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق