السبت، 11 يونيو 2016

من مطبخ التاريخ


هل تعلمون بأنّ كيسا صغيرا من احدى هذه التوابل -جوزة الطيب على وجه التحديد- كان قادرا على شراء ثلاث بقرات في أوروبا بالقرون الوسطى! وكان الأمراء يتهادون الفلفل الأسود. وفي السابق بعهد الرومان كانت رواتب الجنود تدفع ملحا ولذلك يقال بأنّ كلمة الراتب "salary" مشتقة من "salt" ولو أردنا التوسّع أكثر لعرفنا أن هذه الأشياء المعروضة في الصورة قامت بتشكيل دول وإنهاء دول كلّ ذلك بعد أن استدار فاسكو دي جاما حول رأس الرجاء الصالح.

هذا الغلاء دفع طاهيا فرنسيّا مشهورا إلى تأليف كتاب عن فنّ الطبخ ودعا إلى الإستغناء عن التوابل مقابل استخلاص عصارة المواد الغذائيّة المتاحة من أجل تتبيل الأكل. ولذلك نجد المطبخ الفرنسي بالوقت الحاضر غنيّ بالنكهات المستخلصة من مختلف الأطعمة والدهون من المصادر الحيوانيّة وإستخداماتها. في حين نجد المطابخ الشرق أوسطيّة وبقيّة الأقطار الإسلاميّة غنيّة بالبهارات كونها كانت متوفّرة بالعالم الإسلامي منذ ذلك الحين.

يبدو أنّ كتاب طبخ واحد كان له تأثير كبير مثل كتب الفلسفة ولكن كلّ بجانبه المعيّن. الجانب المتعلّق بتاريخ الطبخ والأطعمة يكاد يكون مبهما أو مهملا في المكتبة العربيّة. رغم أنّ دراسة هذا الجانب قد يشي بالكثير من الأمور ويدعم ويبيّن العديد من الحقائق. أتذكّر طاهية ايطاليّة قالت بأنّ السبب الذي جعل المطبخ الإيطالي غنيّ بالعناصر النباتيّة هو أنّ اللحوم كانت باهضة الثمن في ايطاليا أكثر من البلدان الأخرى لذلك حاول الفقراء إضفاء شيء من النكهات والأصناف على أطباقهم من خلال إضافة المزيد والمزيد من العناصر النباتيّة الوافرة في بيئة البحر المتوسّط. وبالجانب الشماليّ بالدول الاسكندنافيّة وشمال أ وروبا لم تكن تلك العناصر النباتيّة وافرة ولكن العناصر الحيوانيّة والبحريّة كانت أكثر وفرة وهذا ماانعكس على ماكانوا يأكلونه من لحوم محفوظة بطرق بدائيّة وتطوّرت مع تأثّر الجميع بشعب الهون الغازين الذين وجدوا طريقة لجعل اللحم النيء قابلا للأكل! وقد ذكر توني روبنسون في كتابه "أسوأ المهن بالتاريخ" طعاما مكوّنا من لحم سمك القرش يتمّ حفظه بدفنه وعند إخراجه يكون له رائحة سيّئة وهذه احدى الأسباب التي جعلت المؤلّف يعتبر الإبحار في سفن الفايكنج من أسوأ المهن بالتاريخ. 

لعلّك تستطيع أن تعرف طبيعة الشعب الأمريكي بإلقاء نظرة سريعة على أنواع مطاعمهم التي تقدّم الوجبات السريعة التي تؤكل في كلّ وقت ومكان، هذا الشعب الدؤوب يبدو أنّه لم يملك الوقت ليعدّ طعامه بنفسه حتّى،  فتجده يتقبّل الأطعمة من مختلف الثقافات كالبيتزا والنودلز طالما أنّه يلائم طبيعتهم.      

يقال بأنّ شارل ديغول قال: كيف يمكن توحيد شعب يملك كلّ هذه الأنواع من الأجبان. ومن شدّة ولع الحاكم بأمر الله بالملوخيّة (الملوكيّة) منع الشعب من أكلها وخصّها لنفسه! 




foie gras

أو كبد الإوز. وهو صنف يعبّر على مدى الشراهة التي وصل بها الإنسان في سبيل إشباع رغباته. هذا الطبق مكوّن من كبد الإوز الغير طبيعي، ذلك لأنّ وزن الكبد الطبيعي ٥٠ غراما ولكنّ بعد عمليّة -أقلّ مايقال عنها أنّها تدعو للإشمئزاز- يصبح وزن الكبد ٣٠٠ غرام! نظرة بسيطة على طريقة الحصول عليها باليوتيوب كافية لجعلك تتألّم وهذا الصنف ممنوع في العديد من الدول. 

يبدو أنّ تاريخ الكائنات المسكينة خاضع لسلطة رغباتنا! فالعديد من الكائنات المهدّدة بالإنقراض أصبحت كذلك بسبب أنّها -ولسوء حظّها- مقوّية جنسيّا! لذلك الكافيار مهدّد وأسماك القرش يتم قطع زعانفها ومن ثمّ تلقى حيّة في البحر والنمر محاصر بالخرافات التي تعتقد بأنّ مسحوقا منه يقويّ جنسيّا ولعلّ ذلك صحيح فموطنه الهند والصين يشهدان على ذلك.

تاريخ الطعام والطبخ يمنحنا زاوية فريدة تمكّننا من رؤية العالم بطريقة مختلفة وفريدة.  وهنالك كتب مثل "التوابل: التاريخ الكوني" لفريد كزارا وكتاب "الطعام والمجتمع في العصر الكلاسيكي" لبيتر غرانسي وكلّها من إصدارات "كلمة".

للأطعمة حكايات وحكايات. مرتبطة بأشخاص خلّدهم التاريخ مثل الأميرال سندويتش أو ببقرة ثارت وأسقطت عجينة على زيتٍ مغليّ فكانت الدونات. أو مارغريتا لاأعني بيتزا مارجريتا بل ملكة ايطاليا مارجريتا وبها سمّيت هذه البيتزا. 

وبالختام تذكّر بأنّ طبقا عاديّا يُقدّم إليك قد يحوي في جعبته العديد من الحكايات التاريخيّة المنسيّة. 

السبت، 12 مارس 2016

كندا تريد أن تضع امرأة ناجحة على عملتها



في خبر رسميّ أعلنت كندا بأنّها تريد أن تكرّم نساءها الناجحات بوضع صورهنّ على العملة الكنديّة. ولاتوجد صورة لإمرأة في العملة الكنديّة إلا الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا ولكونها أيضا ملكة على البلاد. عند صدور الخبر أوّل ماتبادر إلى أذهان الناس سيلين ديون ونيللي فرتادو إلا أنّ البنك الكندي أشار إلى أنّ المرشّحة يجب أن تكون متوفية قبل ٢٥ عاما وهذا ماإستبعدهنّ وماجعل بعض عناوين المواقع تعنون الخبر بـ منع ظهور صورة سيلين ديون على العملة الكنديّة. 

أكثر الأسماء المرشحة هي: نيللي ماكلونغ المتوفاة ١٩٥١م وكانت قد دافعت عن حقّ المرأة في التصويت.  على كلّ حال لن تكون هنالك صعوبة كبيرة في البحث عن ناجحات في عدّة مجالات في ذلك الزمان. لكن الغريب لماذا عندما ذكر الخبر تبادر إلى الأذهان اسم لمغنيتين؟ هل تغيّر الزمن والمجتمع أم تغيّرت المرأة؟. ألم يعد هنالك نساء ناجحات أم أنّنا لم نعد نكترث إلا لنجاح المغنيات والممثلات؟ لو لم يكن هنالك شرط الوفاة قبل ٢٥ سنة وكان هنالك تصويت لوجدنا القائمة -ربّما- تعجّ بالمغنيات والممثلات. دائما عندما تصل الحضارات الى مراحل متقدّمة ومتأخّرة من الإزدهار تجنح الى اللهو والترف بعد تاريخ طويل من البناء والإزدهار. فناجحات الأمس لسن مثل ناجحات اليوم. وبالأمس لن يقفز إلى ذهن أيّ أحد اسم مغنية أو ممثلة لو صدر مثل هذا القرار. حتّى على صعيد الرجال فشكسبير الذي كان يمثّل لم يكن إلا الكاتب المسرحيّ ولو كان في زمننا هذا لما عرف إلا شكسبير الممثل. 

من الظلم أن نلوم الناس على عدم معرفة ناجحات إلا المغنيات والممثلات فشاشات التلفاز تضجّ بأخبارهنّ ومناسباتهنّ ولاندري ذنب من أن ترسخ في الأذهان فكرة أن النجاح هي "الشهرة". وقد يأتي يوم حيث لم تعد أعيننا تفارق هواتفنا الذكيّة ولا نجد من نضع صورهم في عملاتنا إلا نجوم مواقع التواصل الاجتماعي.







الأحد، 6 مارس 2016

كيف نختار كتبنا؟

عند الكاشير قد يشعر المرء بوخز طفيف من الندم. خاصة عندما يشعر بأنّه أخذ أكثر من حاجته -بشهيّة مفتوحة- ولأنّ الكتب لاتؤكل فلا تخمة و سعرات توقفه، ذلك الوخز لا غير بلحظات تكون فيها شهيّة القارئ مفتوحة للاقتناء أكثر من القراءة. لكن نظرة واحدة الى تلك الكتب التي كانت عند الكاشير وهي بالأرفف لاحقا تزيل كلّ ماتبقّى من ندم.


كيف نشتري كتبنا؟

بالنسبة لي:

أحيانا أشعر برغبة في الاقتناء بنهم. وأحيانا أشعر بالملل من النظر الى أرفف العناوين في المكتبات، مع شعور بالإحباط بأنّه لاشيء يستحقّ الاقتناء في الوقت الحالي. لكن عند النهم أكثر مايتعبني اختيار الكتب التي (لا يجب) أن آخذها! لأعيدها الى رفّها بانتظار فرصة أخرى.
  
موضوع ما، مرّ علي عابرا أكثر من مرّة بكتب تاريخية أخرى، والمطلوب البحث عن كتاب يتحدّث عن ذلك الموضوع بتركيز وإسهاب. ذلك أصعب شيء ممكن أن تبحث عنه في كتب التاريخ. فمثلا من يقرأ التاريخ الاوروبي لابدّ وأن يمرّ عليه ويليام الفاتح. النورماندي الذي أتى من فرنسا واستولى على عرشها وحكمتها سلالته من بعده. بسببه تحدث ملوك الانجليز الفرنسيّة عوضا عن الانجليزيّة وإحدى تبعات غزوه اللاحقة "حرب المئة عام"  ماأريده ليست تلك الحقائق فحسب بل وصف حال الانجليز حينها. هل كان ويليام ملكا متوّجا أم غازيا؟
بعد أن حلّ الأنجلو سكسون محلّ البريتون (السيلت) أتى ويليام ليحكم هذا الشعب. ومعه جيش من الأسر الارستقراطيّة - تقريبا أغلب الأسر النبيلة الانجليزيّة تعود الى تلك الأسر!- وكذلك أتى بقوانينه  ومن ضمنها تحريم الصيد في غابات البلاد التي باتت ملكا له. ترى ماكان موقف الشعب الانجليزي؟ هل كانوا في داخلهم مثل روبن هود؟
كتب التاريخ المتوفّرة تذكر ماحدث باستعجال. تذكر موقعة "هاستنغز" عام 1066م والمطالب بالعرش هارولد ولاشيء آخر. في حين نظرة بسيطة الى كلمات مؤلفين انجليز معاصرين توحي بأنّه حدثت أشياء كثيرة في ذلك الوقت:
فكولن ولسون  المعروف يقول بأنّ الانجليز عاشوا بعد تتويج ويليام الفاتح لمئة عام  كما عاشت الشعوب تحت حكم النازيين. ويقول توني روبنسون صاحب الكتاب "أسوأ المهن في التاريخ" بأنّه بعد قدوم ويليام تمّت عمليّة احلال عرقيّ كاملة لطبقة النبلاء في البلاد!. وفي ظلّ فقر المكتبات ليس أمامك إلا الاستقراء من عدّة مصادر لتنظم قطعة متماسكة من ذلك التاريخ. وهو عمل سيكون مجهدا ولكنّ نتائجه إن تمّت بجديّة ستكون رائعة تماما مثل الكتاب الذي ذكرناه "أسوأ المهن في التاريخ".


تمرّ عليّ أوقات أكون مهتمّا بمواضيع معيّنة. فأقتنص مايعجبني من الكتب التي تتحدّث عن نفس تلك المواضيع. أحاول أحيانا التنبؤ بالمواضيع التي قد أهتمّ بها لاحقا، لذلك قد أشتري كتبا لاتهمّني مواضيعها بنفس اللحظة. أكثر شيء قد يعكّر مزاجك هو أن تكون تلك المواضيع قليلة الحضور في مكتباتنا أو لم تحضى بالقدر الكافي من الترجمة والاهتمام. فمثلا موضوع اللغات -وهي DNA  الثقافات- : أصولها وتفرعاتها وتاريخها وتأثيرها نادرة جدّا في مكاتبنا، لعلّ أفضل كتاب موجود "امبراطوريّة الكلمة" لنيكولاس اوستلر. لم أجد كتبا تتحدّث عن الموضوع نفسه بإسهاب. عربيّا يوجد كتاب "كيمياء اللغة" لعلي الشوك، لابأس به.   


وعندما كنت مهتمّا بكتب التراث أعلمني من كنت أثق بنظرته بأنّ أكثر شيء يستحقّ الإقتناء من كتب التراث من تجد عليها إسم: عبدالسلام هارون و محمود شاكر -أبوفهر. وجود اسمهم كافي ليضعك أمام الإختيار الجيّد للكتب. التحقيق مهمّ في كتب التراث ومحبّي هذه الكتب يدركون ذلك جيّدا. ومن ناحية الشعر الجاهلي كنت أحرص على إقتناء دواوين الشعراء التي مرّت حياتهم بأحداث كثيرة ومهمّة مما يجعل شعرهم مصدرا مهمّا. وعلى كلّ حال لايجدر بأحد الحديث عن اقتناء كتب التراث الأدبيّة مالم يقتني "العقد الفريد" لابن عبدربه  أو "الأغاني" للأصفهاني.
الأغاني! انّه أهمّ كتاب بالتراث الأدبي، والغريب أنّ هذا الكتاب عبارة عن لملمة لشتات كلمات الأغاني المغنّاة في ذلك العصر. لكنّ من هذه الأغاني يقودك الأصفهاني إلى قائلها: نسبه،قصصه،أشعاره،وفاته. أخبار تطربك أكثر من الأغاني نفسها. ليصل الكتاب الى أكثر من 20 جزءا أرأيتم كيف تتحوّل المواضيع الصغيرة الى كبيرة وشاسعة بالبحث والتفصيل؟


وبالعامي: على طاري التفاصيل والمواضيع الصغيرة. كتاب "الأنقليس: التاريخ الطبيعي والثقافي" لريتشارد شفيد. لمشروع كلمة سلسلة من هذه الكتب الجميلة والمصوّرة. ومايجعل الأنقليس -وهو نوع من أنواع الأسماك-  عنوان صغير قادر على الاتّساع أكثر وأكثر هو ارتباطاته الوثيقة بالتاريخ البشريّ وهو مابدى كثيرا في هذا الكتاب الجميل. وعندما أبحث عن مثل هذه الكتب التي تتحدّث عن الطبيعة وما إلى ذلك أدرك بأنّني أحاول الهرب من المواضيع الجادة التي تعبت من قراءتها، مثل المواضيع السياسيّة.


المواضيع السياسيّة حسّاسة والبحث عن الكتب التي تتحدّث عنها أمر يتطلّب الجديّة أوّلا في معرفة أفضل ماكتب حول هذا وذاك. عندما كنت أريد كتبا عن العراق وتاريخها السياسيّ كنت أعود إلى اللقاءات التلفزيونيّة لأتعرّف على من دوّن ووثّق المواقف السياسيّة المختلفة ومن عايش من كانت بيدهم أهمّ القرارات السياسيّة. ففي أزمة الجزائر مثلا. لعلّ أفضل الكتب التي تحّثت عنها هي "من قتل في بن طلحة" لنصرالله يوس وهو ناجي من المذبحة المسمّاة. و "الحرب القذرة" لحبيب سويديّة وهو ضابط بالقوّات الخاصة هرب من الجزائر بعد أن رأى الكثير، الجدير بالذكر أنّ في الكتاب مقدّمة لقاضي ايطالي اسمه أمبوزيماتو لعلّها أفضل مقدّمة قرأتها وأكثر مقدّمة أجد قراءتها ظرورية بعكس غيرها. وهناك كتاب "وقائع سنوات الدم" لعميد جزائري مطّلع هرب من الجزائر كذلك وقال الكثير. ومن بين تلك الكتب الثلاث لم أجد الأخير مع الأسف. وأهمّ كتاب تحدّث بشكل تفصيلي وتحليلي بارع وموسّع كان كتاب ألفه مجموعة من الجزائريين والدوليين "تحقيق حول المذابح في الجزائر" وهو عبارة عن موسوعة دقيقة لكن مع الأسف ألّف باللغة الفرنسيّة ولاأظنّه سيترجم في يوم ما.
لكلّ قضيّة سياسيّة كتب معيّنة ينبغي تواجدها في رفّ الموضوع.


كتب لاأستطيع مقاومة عناوينها. مثل كتاب "وقائع ومشاهير" لجون كاري وهو عبارة عن ذكر للوقائع المشهورة بالتاريخ -قبل الميلاد وبعده- برواية شهود عيان ولاشكّ للأحداث نكهة أخرى بلسان شهودها. ومثل هذه الكتب تلقي بالضوء على مرويّات تاريخيّة تمّ تلقّيها بوجهها المعتاد دون تدقيق. أحرص على الكتب التي تحاول إلقاء نظرة عن كثب لبعض الأحداث. فمثلا الأدميرال فيلنوف قائد الاسطول الفرنسي الذي هزم بالطرف الأغرّ على يد نيلسون. تذكر كتب التاريخ أنّه انتحر بعد عودته من الأسر 1806م. لكن مالاتذكره غالبيّة هذه الكتب أنّ المسكين وجد ميّتا وعلى جسده العديد من الطعنات ممّا يجعل مسألة انتحاره اختلاق فاضح، لاتقف عابرة عندها الكتب التي تعرف ماترويه.


وكتب تتحدّث عن أمور تسلّي الروح وتمرّن التفكير مثل "موسوعة الألغاز المستعصية" لكولن ولسون. ما أجمل الحديث عن الخرافات خاصة عندما يكون الحديث من قبل شخص لايؤمن كثيرا بالخرافات وقريب من الإلحاد.

وهنالك كتاب لا أكفّ عن الحسرة على من لم يقرؤه ممن أحبّ. وهو "تكيّف" لتيم هارفورد. 


الحديث عن اختيار الكتب لايكاد ينتهي فمابالنا بالحديث عن الكتب نفسها. إنّ مجموعة الكتب التي يملكها كلّ شخص تمثّل سيرة ذاتيّة غير مكتوبة للقارئ. تسجّل تاريخ اهتماماتك ومزاجك وعقليّتك وفهمك. النظر الى سلسلة من الكتب تعيدنا الى فترات معيّنة قبل وبعد اقتنائها وقبل وبعد قراءتها.
باختصار إنّنا نكتب سيرتنا الذاتيّة عن طريق اقتناء كتبنا.
  


 

 

الاثنين، 22 فبراير 2016

قصص من الكالتشيو








في يوم ما كان هذا الرجل الموجود بالصورة يسمّى "بملك التكتيك" ومتابعي الكالتشيو لاشكّ يفهمون مثل تلك المبالغات. اليوم حتّى متابعي الكالتشيو قد لايعرفون أين هو الآن ماريو بيريتا. عندما تسأل مالسبب سأجيبك بأنّه الكالتشيو لاأكثر. في الكالتشيو هنالك جنون مختلف من قبل محبّيه، يتعدّى صور البروفايلات التي تحمل شكل ميسي ورونالدو والميداليّات والبدل الأصليّة التي يلبسها متابعي الدوريّات الأخرى.

قد يتخيّل العاشق الكثير من الصفات الجميلة -وهمًا- في محبوبته وهو كذلك عشق الكالتشيو. تجد جمهوره والمهتمّين فيه لايفوّتون أيّ لمحة جمال تمر دون التغزّل بها.

درّب بيريتا أندية عديدة ليتشي ،تورينو وقبلها سيينا، النادي الذي لايملك أيّ شيء وفعل كلّ شيء في سبيل القتال أمام الفرق الكبيرة -خاصة مع المدرب جيامباولو-، فملعبه تطلّ عليه البيوت! من صغر حجمه ومع ذلك كانت هزيمته تصعب على الكبار -أتحّدث عن مواسم مابعد الكالتشيو بولي مباشرة-. كان ثمن لاعب احتياط في البريميرليج يساوي ثمن بطاقة لاعبي سيينا جميعا! ومع ذلك فسيينا بقي على مايرام. وحافظ على تشكيلة لابأس بها وفيها لاعب من دولة لختنشتين! -ابحث عنها في الخريطة إن كنت قادرا- وهو فريك، لاعب لابأس به انظروا الى أين وصلت جهود هذا النادي في البحث عن لاعبين.

في موسم ما بيريتا  كان سببا في حرمان الانتر من التتويج في الجوزيبي مياتزا بالدوري. وذلك بسبب التعادل المفاجئ الذي فرضه سيينا عليه. وصل الحال ببعض الجماهير أن تهجّموا على المدرّب بيريتا، فهم يقولون بأنّه قاتل بشراسة ليحرم الانتر من طعم التتويج لأنّه ميلانيستا!. رحل بيريتا ومن بعدها أتى جامباولو ومع جامباولو حكايات أخرى.

عندما اهتزّ الكالتشيو بفعل فضيحة الكالتشيو بولي صعدت عدّة فرق تحاول البروز من جديد. ففي تلك الفترة عاد نابولي من النسيان وأبدع سامبدوريا أيّما ابداع بعد ولادة قيصريّة جديدة لكاسانو وباتزيني للحياة. لم يكن ينقص الكالتشيو ذاك شيء إلا أن يكون الانتر أقلّ قوّة مما كان عليه، فذاك الانتر\البلدوزر داس على بقيّة الأندية وحطّم أحلام الرومانيستا الذين اكتفوا بالوصافة أكثر من اللازم. لقد كان فريقا لايتكرّر: توتي،بيروتا،شييفو،ميكسيس،جوان،بيتزارو،فوزينيتش وسوء الحظّ أخيرا.    

في تلك الأيّام كان عشّاق الكالتشيو يتحدّثون بشغف -ربّما- عن ماتزاري وعن ديل نيري ومرّة عن لاعبين مثل فلوكاري، كوموتو، اسبوزيتو (لاعب ليتشي). ليس الفراغ بل الهوس بكلّ مافي الكالتشيو، حتّى مدراء الأندية معروفين ورؤساء الأندية الصغيرة أعني كذلك معروفين. في عام ٢٠٠٧ قدّم الميلان هديّة لعشّاق الكالتشيو بفوزه بدوري الأبطال  فتلك البطولة كانت بطولة انشيلوتي وكاكا وشيء آخر ليس  DNA  كما يزعم غالياني. ذلك الفوز جعل العديد من الجماهير الرياضيّة تكفّ أذاها عن عشّاق الكالتشيو، الدوري الممل والدفاعي. فحتّى كلمة التكتيك كانت كريهة الى أن أحبّها عشّاق تشيلسي\البريميرليج  مع هيدينك. كان الكثير لايكترثون بالكالتشيو من عشاق باقي الدوريّات، بل كانوا يتجهالونه عمدا ويسخرون منه في حين استمرّ عشاق الكالتشيو بالعيش في عزلتهم هائمين. ولاأنسى تعليق أحدهم عندما سخر منهم وقال: "حتّى جوفينكو يقولون عنه موهبه وهو بهذا العمر" ! .

فعلا كانوا معزولين. في زمن إن لم تتحدّث بكثرة عن ميسي سواءا حبّا أو كرها فأنت في غيبوبة عن عالم الرياضة.

لبقيّة الدوريات حكايات أجمل من سيينا وبيريتا -الذي بالنهاية أعتبره الآن مدرّب عاديّ وقد انتهى أخيرا-  لكنّها لاتُروى وهنا الفرق. 

الأجواء مع تشجيع الكالتشيو أجمل مما نتصوّر. حتّى التصاريح لاتشبه التصاريح الرياضيّة الأخرى: 
"بيرلو كالجرح المفتوح يزداد عمقا كلما رأيته يلعب لليوفي"  
*بيرلسكوني


 في الكالتشيو
 المبالغات مستساغة كثيرا والبطولات الوهميّة لها احترامها ونسج الأساطير حول الفرق والأبطال جزء من حقيقة الكالتشيو. تبجيل للماضي التليد بمجده الذي يكبر مع مرّ الأزمان. رجال لم يصنعوا ربع ما صنعه براين كلوف وبوب بيزلي بإنجلتراجعلوا منهم قياصرة هنا في الكالتشيو.
الإحتفاء والإحتفال مختلف عندما يتمّ الإحتفال، في صحّة الكالتشيو.

الأربعاء، 3 فبراير 2016

مدوّنتي: في السماء غرفة

http://aaaziz.blogspot.com/

"في السماء غرفة" مدوّنتي السابقة. كنت قد فقدت القدرة على الدخول إليها وتركت المحاولة لآخذها هنا معي. لم يكن في تلك الأيّام وأنا أكتب فيها أشياء تشغلني أكثر من الأشياء التي كنت أحبّ الحديث عنها والكتابة عنها. لكن في هذه الأيّام هنالك الكثير من الأحداث التي تتخطّف الأذهان. لايمكنك الكتابة عن شيء بهدوء دون أن تقاطعك الأحداث المؤسفة التي تحدث من حولنا في العراق وسوريا. 

في السماء غرفة اسم أخذته من فيلم الانمي الجميل والذي كتبت عنه هنا