في ذلك اليوم كنا في قاعة النشاط -أعتقد الثقافي بهذه الأسماء تسمّى مثل هذه القاعات- لم يدري المعلم مالذي يفعله بنا، كلّ شيء معدّ ليكون مناسبا تماما لأي زيارة ولا أحد يريد استخدام أو تحريك أي شيء حتّى لا تفسد القاعة الديكور. قام بتشغيل المسجّل وعلى صوت أحد الدعاة أو المنشدين، لا أدري متى يمكنني إخراج أذني من هذا المكان. بعض الطلبة جلسوا على الكراس والبعض الآخر على الطاولات؛ لم يكن العدد يكفي وكانت الطاولات شيئا جديدا لذلك اليوم. الوقت لا يتحرّك كان جالسا معنا في سكون. أتوق لباب الخروج رغم شمسه الحارقة. لطرد الوقت من قاعتنا حاولت أن أقرأ شيئا، لا شيء مسلّي على الإطلاق، بضع منشورات، حاولت البحث عن قصّة؛ بعض المنشورات تحمل قصص الجن والسحر شيء ممتع أكثر من كونها قصّة معبرة. وجدت واحدة وهي لداعية مشهور - لا أحب ذكر الأسماء التي سأنتقدها- كان يحكي عن فتاة تخرّجت من المرحلة الثانوية، افترضت أنها أكبر منّي بسنتين. كانت الفتاة المدلّلة لوالدها المليونير التي لا يرد لها طلبا. استمرّت غارقة في دلال والدها -كنت أشعر بالفخ الذي ينصبه الداعية لحياتها، أو لأقل أن الداعية لم يكن إلا راويا لا أكثر- بعد تخرّجها من الثانوية طلبت من والدها أن تدرس بالخارج وأنها ستذهب وحدها وأنها ستتبرج وتلبس ما تشاء -شعرت بأنّ الفتاة عدوانيّة كلمة بسبب كلمة تبرّج- رفض الأب بكلّ لين وحاول إقناعها وحاول أن يعرض عليها الدراسة في الداخل بأيّ جامعة تريد -لم تكن هنالك جامعات تذكر- لكنّها رفضت و لا أذكر التفاصيل ولكني شعرت بأنّ الفتاة بدأت "تنفلت" على والدها بهذا التعبير العامي فهمت. كانت القصة تتجه نحو نهاية معتادة في مثل تلك المنشورات لكني تعاطفت معها قليلا. بعد أن كثر الجدال انقلب والدها الطيب الذي يدلّلها الى ذلك الوالد القاسي الذي أرغمها على ما يريد ومنعها من كلّ شيء اعتادت عليه وحبسها وبعد نصيحة من أحد الدعاة -أفترض أنه صاحبنا أو صوته الذي كان يروي القصة كخلفية صوتية لمشهد جرا تمثيله- قام بأخذها بقوّة إلى "الديرة" وهي قرية قريبة من بلدتهم -أعرف تلك البلدة- وقام بتزويجها من أحد الرجال الأكفاء والذي يرعى الأغنام ويسكن في بيت شعبيّ -تقريبا كذلك كانت التفاصيل- تخيّلت البيت ووجدته يشبه بيت عمّال شعبي في حي جدّي أمامه أرض صفراء غابرة. بعد أن رمى الرجل ابنته في أحضان زوجها أو "بعلها" وتركها عاد بعد مدّة طويلة ليزور ابنته فتفاجأ بإمرأة -الصبيّة أصبحت امرأة كأنّها عاشت السنة بسنوات ولم ينتبه الراوي لذلك- تفاجأ الأب - الراوي يصف الدهشة بأنّها دهشة رضى وسعادة- خرجت من الباب أمرأة يركض أمامها طفل ومنتفخة البطن لاستقبال والدها الذي فاته كلّ ما عاشته ولم يسأل عنها. يقول الراوي، بأنها كانت نهاية سعيدة لحكاية هذه الفتاة! شعرت بالضيق، شعرت بالقهر وشعرت بكلّ شعور مقيت يمكن الشعور به. مع اني افترضت أنها فعلا سعيدة -كنت أصدق الراوي- لكني شعرت بأنها ظلمتو لم يكن بالإمكان الإفصاح عن ذلك كان سيقال لي وبفم كريه "ماشأنك؟". مالذي يجعلنا نختزل السعادة في طوق تقليدي وضيّق كهذا؟ ألم يمل البشر من هذه السعادة وكثرة تكرارها؟ لم تكن سعادة بدت أشبه بالواجب الذي عليك أداؤه في حياتك رغما عنك. تخيّلت شكلها، تخيّلت منظرها تخيّلتها بعد أن كانت أكبر مني بسنتين وقد أصبحت أكبر مني بعشر سنوات. هل بقي شيء من حياتها؟ لا شيء تم امتصاص حياتها بالكامل وترك ما تبقّى من المجسّم جامدا يقف عند الباب.
بعد سنوات مررت بتلك البلدة في طريقي إلى مدينة بعيدة. مررت ببلدة أفترض أنها كانت موطنها، وفي الخلف حيث توجد قرى صغيرة، افترضت أنها هناك في واحدة منها. أو أنها وكعادة أغلب الدعاة والمنشورات في ذلك الزمان لم تكن إلا فتاة افتراضيّة اعتدنا وجودها في مثل تلك القصص.
اشتقت الى تلك الأيّام ولم أدري أن باب الخروج الذي خرجت منه بعد سنة أو سنتين وكانت الشمس حارقة، كان خروجا من حياتي التي أغلقت عليّ الباب الى الأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق