"الأطباق الطائرة لم تعد تظهر لأن الناس لم تعد تؤمن بوجودها" قالها صاحبي وكأنه يحدّث نفسه، بدا كلامه وكأنه كان نتيجة تفكير طويل من الأعماق.
"ولكن هل تذكر تلك البرامج التي كانت تلمؤ التلفزيون؟" بهذا أجابه شخص معه ولم أعرفه وبدا أنه كان يتحدث معه من مدّة طويلة.
"بالفعل الناس كانوا يشاهدون كلّ ذلك، كل من كان يؤمن بها شاهدها فعلا حتّى من لم يكن يؤمن بها تفاجأ بها كثيرامرة" وبعد توقّف لبرهة أكمل صاحبي "لم يكن الخوف وحده من فعل ذلك، ببساطة الناس كانوا يؤمنون بها، وكانوا يتخيّلون كلّ شيء حولها. أشكالها الدائريّة وبريقها في السماء، حتّى ذلك السلّم الضوئي الذي تنزل منه تلك المخلوقات تخيّلوها كثيرا، لكنها مخلوقات مشوهه بناها الخوف أكثر من أي شيء. الأطباق بنيت بخيال حالم لهذا كان انجذاب الطبيعة لها أقرب".
"لماذا غادرت تلك الأطباق؟" سأل صاحبه.
يجيبه صاحبي "لم تعد موجودة".
"لماذا لم تعد كذلك؟" يعيد صاحبه السؤال.
" لم تكن موجودة إلا لأنّ الناس آمنوا بها وتخيّلوها. كان الخيال جامحا، وكافيا ليزاحم الطبيعة في وجودها لهذا وجدت"
أجابه ملتفتا اليه وكأنّه استغرب من جهله معتقدا بأنه يعرف الاجابة مسبقا
أجابه ملتفتا اليه وكأنّه استغرب من جهله معتقدا بأنه يعرف الاجابة مسبقا
"لا يمكن للناس خلق شيء بخيالهم" علق صاحبه متهكما
"يمكنهم لو تخيّلوا بملء أعماقهم، الطبيعة تنتبه كثيرا لتحديق البشر وترقبه بحذر أو لا أدري لكنها تترقّب" وكأن صاحبي انتظر كلمات تحفّزه للمضيّ أكثر
فيسأله صاحبه "هل الطبيعة تخشى البشر؟ أم أنها تلبّي رغبات البشر؟"
فيجيب " لا، اطلاقا لكن الطبيعة صدّقت وجود تلك الأطباق ببساطة" قالها وكأنه يريد أن يغيض صاحبه بقوله "ببساطة"
" هل كانت الطبيعة تبحث في السماء مثلنا؟ هل كانت تترقّب قدومهم؟" ويضيف صاحبه " هل كانت الطبيعة تصدّقنا؟"
كعادته وكأنه يتخذ من طفولته مرجعا لتفسير كلّ شيء في الكون قال صاحبي " أذكر ذلك اليوم جيّدا الذي وبّخني الجميع فيه. قالوا بأني كنت أنا من كسرت تلك الأنوار بالكرة، كان الجميع يحدّق بي لدرجة أنهم كانوا يقذفون بتلك الكرة على وجهي في كلّ نظرة. حاولت الانكار، حاولت أن أبرّر مافعلته، لا أدري مالذي غاص فيني وجعلني أنا من كسرت تلك الأنوار واتّسقت بالكامل مع ما حدث في خيالهم. كان خيالهم أقوى من الحقيقة. لم يكن بمقدوري تجاوز خيالهم عنّي. لا أدري كيف أشرح لك، كنت طفلا لم أستطع الصراخ في وجه أحد منهم لتمزيق خياله العالق في عينه. لهذا ، لهذا أو لا أدري لذلك تمكّنوا منّي بالكامل. ولا زلت أعيش على أني فعلت كلّ ذلك بالفعل"
"أنت لم تفعل ذلك" يردّ صاحبه وبدا ضجرا ولم يرغب بإطالة تعليقه أكثر.
"صوت انكسار تلك الأنوار عالق في أذني، شعرت بها، يكفي أني شعرت بها وهل توجد حقيقة أكثر من ذلك؟ أكثر من أني لو فعلت ذلك على حدّ فهمك ولم أشعر بذلك الصوت في أذني" بدا وكأنه صوّب كلامه بدقه في وجه صاحبه
"لو أخبرتهم بكل ماحدث وأنت بهذا العمر لصدقوك وتلاشت من أذنك تلك الأصوات" بنبرة حادة حاول صاحبه أن يؤنبه
" لن ينتهي ولن يتغيّر أي شيء سأقول لك بأنّ لا أحد سيستفيد من إقامة حجر دومنو سقط بالسابق وكان سببا في سقوط سلسلة من أحجار الدمنو والتي لازالت تسقط، مالفائدة من إقامة ذلك الحجر وحيدا؟" وكأنّه يحاول إغلاق الموضوع وإنهاؤه على طريقته قال " لهذا كما قلت لك يمكنني أن أحقّق أي شيء لو تخيّلته بعمق، لو استطعت أن أرغم الطبيعة على خيالي لحقّقت ما أحلم به من كلّ أعماقي، أكاد أبكي! الفكرة وحدها تبكيني وإن لم أستطع يوما فعلها، سأرجو من الناس الذين تخيّلوا في الماضي الأطباق الطائرة أن يتخيّلوا ما ومن حلمت به، حتما سيأتي، حتما سيتحقّق في يوم ما. سواء بخيالي أو بخيال الجميع سأحدث الكلّ عنه حتّى يأتي ذلك اليوم الذي يسقط فيه من السماء كنجمة اختارها القدر من بين الملاييييين لتسقط وتستقرّ في المكان الذي أنا فيه"
كان بريق عينيه لامعا وملفتا وكان كافيا أن يجعل أعين الناس تبرق ويرون كلّ شيء غارق في ذلك البريق من خياله. كان يمكنه أن يحلّق بهم ويريهم ما يحلم به، كان يمكنه أن يجعلهم يحلمون معه، يتخيّلون معه لكن كلّ ذلك وهذه اللحظة الناعمة بالذات والصافية كانت رقيقة لدرجة أن صوت انفتاح باب غرفته بقوّة كان كافيا لتمزيق كل هذه اللحظة بعنف وتختفي كل تلك الأصوات الحالمة مدهوسة من وقع صوت فجّ يقول " كنا ننادي عليك تعال"
تذكّر ما دار كان يشبه إقامة حجر دنمو سقط منذ مدّة وأكمل سلسلة السقوط التي لازالت تستمرّ بعيدا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق