الأحد، 25 يوليو 2021

( العالم الذي تمّ تجسيده في فيلم Blade Runner 2049 )

 



Blade Runner 2049

إخراج الكندي: دينيس فيلنوف (٢٠١٧)

للمخرج أفلام تركت بصمتها الملفتة Prisoners (2013) و Arrival (2016). الاستمرار على هذه الوتيرة مذهل وأكثر شيء يشدّ الانتباه جمال الألوان والصور في أفلامه.


ليس تناصا بل بناء يمكن الحديث عنه. يمكن الانتباه الى أن الفيلم بنى أغلب تجسيداته من أعمال سابقة بالذاكرة. الجميل أن الفيلم أكمل ما يمكن أن نسمّيه ما بدأ به السابقون في تصوّراتهم وتجسيدهم للعالم بعد انتهائه أو مشارفته على الفناء حتّى استعادة السيطرة عليه من خلال قوى خارقة. أعداد لا حصر لها من الأفلام تحدثت عن الدمار ونهاية العالم يمكن أن تستشفّ مدى تشابه مخيّلة المخرجين عند النظر الى أوجه الشبه بين عوالمهم المظلمة. هذا الفيلم لم يقدّم تصوّرا موازيا بقدر ما يمكن اعتباره بأنّه أكمل البناء على نحو أفضل


-فيلمي Demolition Man و Equilibrium -


من أولى علامات التشابه وضوحا بطل الفيلم الذي يتجوّل بحثا بالقصّة يذكّرنا كثيرا ببطل فيلم Equilibrium (2002)  قد لا ننتهي ونحن نتطرّق ونعيد استذكار كل تلك المتشابهات بالأفلام ولا يمكن أن ننتهي بذكر الأمثلة إلا ونتوصّل لبعض الأسباب القريبة وهي أن أغلب شركات الانتاج والاستديوهات والمصممين زملاء مهنة وعمل ويشتركون كثيرا معا في مختلف الأفلام ناهيك عن تأثير مجتمع صنّاع الأفلام الحيّ والذي يملك -حتما- تصوّرا جمعيّا للعديد من الأمور لهذا نجد نسقا متينا يشبه بعضه بالأفلام والبروز منه صعب ويحتاج الى تفرّد يجيده كثيرا مخرج هذا الفيلم. 


نعود الى بناء عالم الفيلم والذي يشكّل بنهاية المطاف الاستديو الخيالي الذي تسير القصّة عليه. حتّى بأفلام الفضاء قد يبدو عالم الفيلم ضيّقا ،خانقا ،لا تشعر باتساع كون الفيلم وإن عبّر الفيلم عبر شخصيّاته وأحداثه بأنّ العالم لا نهائيّ لكنه يبدو ضيّقا مثل استديو مغلق -لنقل كأنهم يمثّلون في حجرة- بالنهاية كل فيلم استديو سيميائيّ مغلق وما يختلف هو مقدار الاتساع بالمعاني ودقة الوضوح. ما يميّز هذا الفيلم هو الشعور باتساع عالمه لا من خلال نقل المشاهد لمساحات واسعة ومفتوحة ففيلم 2012 (2009) نقل المشاهد الى مناطق جغرافيّة مختلفة لكنه ظلّ محصورا رغم وجود سياقين للقصّة في نفس الفيلم وكذلك لوس أنجلوس في فيلم Demolition Man (1993) لوس أنجلوس تبدو محدودة في حين أنها واسعة كثيرا في هذا الفيلم الذي لم يصوّر مناطقها الداخليّة كثيرا. 

العالم في هذا الفيلم أوسع يشبه الذاكرة والتي تبدو لا نهائيّة وعميقة بسبب معالمها المشوشة التي تبقى بفضل محاولات الاستعادة والتأمل واسعة. في أحد مشاهد الفيلم حديث جميل عن الذاكرة مع شخصيّة تملك مؤسسة لصنع الذاكرة التي يتمّ غرسها في الكائنات البشريّة التي يتم انتاجها مختبريّا. وبالحديث عن البشر الموازون للبشر الطبيعيين تعود ذاكرتنا كثيرا الى تلك الكائنات التي صنعناها بالأفلام لتشبهنا أو لتخدمنا لكنها انتهت الى عذاب لا ينتهي ما إن تدرك مصيرها أو ماهيّتها في هذا العالم وكيف أنها ليست مثلنا لا تملك ذكريات ولا لحظة فناء تشكّل هويّة دائمة لها مثلنا نحن البشر. رجال آليين شاهدناهم يعانون رغم آليتهم بالأفلام.ولعل أشهر فيلم تعامل مع هذا الجانب مشروع كوبريك الذي أخرجه سبيلبيرغ

 A.I.Artificial Intelligence (2001) 

صبي شعر بالمعاناة بعد أن أدرك أنه آلة وليس بشرا، مثلما نعاني نحن من تحسّرنا لأنّنا لم نلد كما وأين ما نتمنّى. أما كيف تلعب تلك المخلوقات دورا مصيريّا في مصيرنا وعن ذلك التوجّس الذي ينتابنا من مخلوقات صنعناها نحن البشر فهو يبدو واضحا في فيلم I, Robot (2004) -كالعادة الأمثلة كثيرة ولا تنتهي ويوجد ماهو أحسن منها لكن لا يمكن حصرها- في هذا الفيلم مزج بين هذين الأمرين بشكل مؤثّر، تشعر بأنّ القصة بنت على ما نملك من قصص حكايتها الأكمل. أكثرت الأفلام بالحديث عن المشاعر والعاطفة والحب لكن هذا الفيلم ركّز على ماهو أعمق، الذاكرة. 

 

-قلعة هاول المتحركة-




السيارات الطائرة والمباني المهيبة والسدود التي تحجب المحيط بأمواجه الهادرة بفعل اختلال البيئة والمركبات المخيفة، وكل تلك المعدات والمنشآت بنيت بالفيلم بصورة جماليّة وذات أثر بليغ بالمعنى. الجمال في كل تلك المجسمات والمباني والألوان  توحي بأنّ كل لقطة ومشهد تمّ تصويرها لتبدو عملا فنيّا. لا يمكن الاستهانة بشكل الآلات والمنشآت وأثرها بالأفلام.  ولو أردنا تذكّر بعض الأفلام التي أبدعت في تجسيد ذلك لوجدنا الأمثلة تبدأ من أفلام الفضاء وصولا بالأفلام التي تتحدّث عن المستقبل. بعض النماذج المجسمّة قد تصبح أيقونة لفيلم كامل وأشهر مثال سفينة فيلم Titanic (1997) الكل منبهر من تجسيد ضخامتها بالفيلم و مثال من عالم الانمي (قلعة هاول المتحرّكة) لميازاكي لا يمكن أن يفلت شكل القلعة من ذهنك عند مشاهدتك الفيلم. أيضا لا يمكن الاستهانة بالأشكال والأشياء التي يتمّ بناؤها للظهور في بضعة مشاهد في فيلم، بل إنها أحيانا تأخذ جزءا كبيرا من ميزانيّة الانتاج كما حدث بالمركبة الفضائية بفيلم كوبريك A Space Odyssey:2001 (1968)  

 

-مشهد الحديقة الافتراضيّة من مسلسل (عدنان ولينا) وهنا يبدو عدنان ولينا وعبسي مدهوشين من وجود البشر يلعبون في الحديقة حولهم ولم يكونوا إلا صورا هولوغراميّة-


-الحديقة الافتراضيّة بالفيلم-


يوجد مشهد مبهر وجميل وهي الحديقة الافتراضيّة، الفيلم يتحدّث عن انقراض الغابات والأشجار لهذا وُجد من أنشأ حديقة افتراضيّة تروّح عن روحه. تلك الحديقة تذكرنا بحديقة البرج في القلعة بالمسلسل الكرتوني (عدنان ولينا) صنعت هذه الحديقة أيضا لنفس الغرض ولأننا نتحدّث عن بناء من مكوّنات وأساسات من ذاكرة عالم الأفلام، هل شاهد فيلنوف (عدنان ولينا) ؟ أكاد أجزم بأنّه لم يشاهده على الإطلاق؛ لكننا كبشر وإن كنّا نبني تصوّراتنا وخيالاتنا على ذاكرتنا وللبشر تجربة مشتركة لا شكّ أننا سنبني أشياء متشابهة بطريقة أو بأخرى. حتّى في تكويننا كبشر ولو اعتبرنا ذلك جزء من تجاربنا سنفهم أكثر كيف أننا قد نلتقي كثيرا بتصوّراتنا عن أبعد الأمور من الحديقة الافتراضيّة الى أساطير النشوء وحكاية الطوفان والتي اشتركت فيها شعوب لم تلتقي ببعض ومع ذلك لها تصوّرات مشتركة في العديد من المسائل. وكأن لنا تصوّرا جمعيّ.

 



يمكننا أن نتخيّل الفيلم كقصّة جميلة لكنها مثّلت في مسرح خلاب وفي غاية الروعة ومبهر بكل الإمكانات والتقنيات. كل ذلك الوهج كان مسلّطا على القصّة نفسها لهذا أتت بهذه الروعة. 

 



البناء الذي جسّد عالم الفيلم هو أقرب مافي الفيلم من كمال ولو أنّ عالم المشاعر في الشخصيّة الأساسيّة بالفيلم مؤثر للغاية وحكاية الذاكرة من أروع ما جسّد في عالم الأفلام؛ ولم يتم اعتصار مشاعر ولحظات الشخصيّة الى حدّ الابتذال. كذلك لا يمكن نسيان بعض زوايا المشاهد والتي أخذت بطريقة فنيّة ومعبّرة




 ومشاهدة لا تُتنسى

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق