السبت، 10 يوليو 2021

إجراءات سفر

*



وصل باكرا لكنّه يشعر بأن الوقت يخنقه ويكاد يُلقي به بيد الموظفين للخارج.  قبل انهاء اجراءات السفر يلازمه شعور مزعج بأنه نسي شيئا. رغم امتلاء جيوب ملابسه على غير العادة وكأنه حشر فيها قبل اخلاء غرفته كل مايمكن حمله ويسهل نسيانه. الجميع جيوبهم فارغة وعاديّة وهو يمشي وفي جيبه الأيسر نتوء مزعج.

يحاول اخفاء شعوره بالثقل بابتساماته التي يوزعها للمارة، خاصة للبزّات الرسمية.

بهو فسيح وأصوات تدوي تنادي بالأسماء والأرقام في كل مكان. كم هو مزعج أن تصطاد عينه نظرة فاحصة في هذا المكان المتّسع. يجرّ حقيبته ويعجل في مشيته برتم ثابت هربا من تلك الأعين ويغضّ طرفه هربا من الاصطدام بإيماءة توقفه. يحسّ بأنه تحت سلطة كل الأشخاص الذين يحيطون به.

أخيرا يصل الى بهو آخر بجانبيه سلسلة من مكاتب إنهاء اجراءات السفر، كلها مرقّمة بلوحات بالأعلى وأغلبها خالية من الموظفين. ثلاثة صفوف بشريّة اصطفّت لإنهاء الاجراءات. كانت تلك الصفوف واثقة الى درجة أحس معها بقلّة فهمه وبدت على معرفة تامة بكلّ ما تتطلبه اجراءات السفر، وإن كانت روتينية لكنه شعر بأنّها بحاجة الى درجة عالية تعوزه من الذكاء.

مالذي تعنيه كل تلك الأرقام؟ لا يجد أي شيء منها في أوراق سفره!

الأعين التي انتبهت اليه تشعره بأنّه اقتحم المكان عليهم. يحسب كلّ خطوة يخطوها عمقا الى البهو. وينتبه الى وجود أية ردّة فعل من الجميع تنبئه بخطأ ما. مشهد تحديث الجميع اليه يربكه.

أي رقم؟ أي صف؟ أيّ موظف عليّ أن أقف أمامه؟ يتوغّل عمقا، لم يقرر بعد، التوتر يقوده، كما لو أنه يمشي على حبل معلّق بالسيرك والكل يحدّق به. وهو يسير الى حيث يقوده.

ينتبه الى أنه يكاد يصل الى نهاية البهو بالطرف الآخر، دون أن يأخذ صفّا أو أن يقف أمام أحد الموظفين. الخوف من الحرج يجعله يجنح الى أقرب مكتب. يقف أمامه وكأنه يأخذ صفّه أمام مكتب خالي من الموظفين! ولا أحد يصف خلفه. واقف بكلّ اتزان أمام المكتب الخالي بانتظار انهاء اجراءات سفره. 

يدرك بأنه علق وحيدا في هذا الجرف. ولا يستطيع اخراج نفسه. يكاد يلتفت لكنه يمتنع . حتما أعين كثيرة تحدّق في هذا المعتوه الذي يقف وحيدا وكأنّه بالصفّ  



 

 ________

* Gueorgui Pinkhassov



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق