الكثير من أعمال ديزني الأيقونة استمدت من أشهر الموروثات العالميّة لكن عملها الأكثر أيقونيّة (الأسد الملك) لم يؤخذ من الموروث العالمي مثل: الأقزام السبعة وعلاءالدين وهرقل وماوكلي بل من عمل كرتوني ياباني (كيمبا: الليث الأبيض) على أن ديزني مصرّة على أصالة حكايتها وأنها لم تأخذ العمل الياباني. الموضوع مثير للجدل وأجد أن للعمل أصالته رغم ما تخلله من أخذٍ واضح لبناء مختلف المشاهد والأفكار المرئية أكثر من القصة وهي أسد يملك مملكة وينظّم الحيوانات فيها كرعيّة في حين لا تشبه مملكته كثيرا مملكة (كيمبا:الليث الأبيض).
بالبداية:
منذ الصغر درج على سمعي أن الأسد ملك الغابة أما النمر سيّد الغابة -ولا أذكر أين سمعت ذلك- حينها بالكاد كنت استوعب الفرق بينهما الى حدّ وصفه بدقة، لكن مع كرتون "ماوكلي فتى الأدغال" و"شيريخان" المأخوذ اسمه من "شير" وتعني نمر باللغة الأوردية أو الفارسية و"خان" التي تعني ملك بلغة المغول والترك وكما أن العرب قديما حينما تقول ملك يختلف معناها نسبيّا عن كلمة ملك بلغة شعوب أخرى وعندما يقول المغول والترك ملك فهي تعني ملك بمفهوم خاص. خان ملك أقرب الى الملكيّة القبليّة وكأن "شيريخان" ملك النمور يختلف كليّا عن الأسد الملك الذي يعني ملكا للغابة وسكّانها من الحيوانات. شيريخان وأن عنى اسمه ملك فهو كما يوصف بالمسلسل الكرتوني "الخارج عن القانون" D: ومن غير المعقول أن يقال عن الأسد الذي هو ملك لمملكة خارج عن القانون وإن كان شريرا في مملكته وبالتالي يمكن أن نستوعب أكثر معنى أن يكون النمر ملكا بلا مملكة بل على بني جنسه ولعل اللقب الذي درج بذاكرتي "سيّد الغابة" قريب له ويعني أنه متسيّد الغابة بقوّته لا بشرعيّة مثل الأسد الملك لهذا لا يمكن تخيّل مشهد التتويج الشهير لسيمبا على طفل لشيريخان.
ملك الغابة:
بهذا الفهم يمكننا الانطلاق بقصة "كيمبا: الليث الأبيض" الذي ينظم مملكته ويشرّع قوانينها ؛ الليث الأبيض يمنع الصيد وأكل اللحوم ! D: من هذا القانون الطريف تعرف مدى طرافة حكاية الليث الأبيض والأحداث. إلا أن حكاية كيمبا معقّدة لوجود العنصر البشريّ الغائب تماما عن "الأسد الملك" لهذا سهُل فيها ابتكار القصّة وترتيب الأحداث؛ وريث للعرش يفقد عرشه بمؤامرة من عمّه ويرجع لاستعادته لاحقا. العنصر البشريّ غائب لكن الطبيعة البشريّة حاضرة وبقوّة.
مالذي أخذه الأسد الملك من الليث الأبيض؟:
إضافة الى الاسم كيمبا/سيمبا. أغلبها مأخوذات بصريّة، الصخرة المطلّة وان كانت بمشهد هامشيّ في الليث الأبيض لكنها معلم بارز في الأسد الملك وهي تشبه كثيرا صخرة ماوكلي فتى الأدغال التي يصعد فوقها زعيم الذئاب. "سكار" الأسد الأعور ويوجد أسد أعور في الليث الأبيض. قرد الماندريل مستشار الليث الأبيض وهو بهذه الصفة القريبة موجود بالأسد الملك وغيرها من المعالم البصريّة. العديد من شخصيات الليث الأبيض موجودة في الأسد الملك، الضباع الشريرة وهي غالبا بهذه الصفة في مملكة الأسد، كريهة حتى بطريقة قتلها الوحشية. كلها أشياء مثل هذه لكنها لا تؤثر كثيرا على صلب الحكاية بل دعّمتها ويمكنني القول بصورة أوضح أن "الأسد الملك" استفاد كثيرا من عمل "كيمبا:الليث الأبيض".
كيمبا: الليث الأبيض :
كليلة ودمنة عالم الكرتون الحكاية التي أدخلت العنصر البشريّ قدر الإمكان كما هو في ذهنيّة الحيوانات. كائن مدمّر وأناني وطمّاع ومرعب بآلاته. في الليث الأبيض وفي افريقيا نجد الأشكال توحي بقوّة الى الخلفيّة التاريخيّة. دائما ماكان البشر البيض في الحكاية بملابس المستعمر وبندقيّة الصيّادونجد الأشكال السمراء، الوجوه الافريقيّة بألوان ملابسها الفاقعة وأشكال توحي بالبدائية القبليّة حيث تفهمها وتعيش الحيوانات بقربها لكنها ما إن تأتي مع الرجل الأبيض كتابع أو كمسخدم لأدواته (قنابل يدويّة، بنادق، سياط) نجده ينقلب الى ذلك الكائن المرعب أو إنسان العصر الحديث، انسان أواخر القرن التاسع عشر والجزء الأول من القرن العشرين. للانسان الافريقي في حكايات الليث الأبيض بطبيعته الافريقيّة عدة حكايات يغيب عنها ذلك الطابع الملتبس والمنفّر لوجود البشر قرب الحيوانات. حلقات مثل قصّة الانسان الذي يقاتل الفهد وذريّته وزعيم القبيلة الذي رغب باصطياد الليث الأبيض -ويبدو أنه بحكم الملابس من الماساي- والكاهن الذي تكرر ظهوره في الليث الأبيض. بمقدمة الحلقة الأولى من الجزء الثاني مقدمة بليغة وصارخة عن افريقيا، تعطي أحسن فكرة عن هذا العمل.
صور من مقدمة الحلقة الأولى:
الأسد الملك :
العمل حسّي بامتياز، بصريّا لا يُنسى مشهد القطيع الذي كاد يدهس سيمبا والمشهد الأوّل والتحليق بعين الطائر "زازو" الى الاطلالة التي يقف بها "موفاسا" بانتظار حيوانات مملكة وأغنية Circle of Life بالمشهد وصولا لجملة "هاكونا ماتاتا". تلك الأدوات هي ما يميّز أعمال ديزني ويبرز الجهد والاتقان أكثر من القصّة التي وان كانت جميلة لا تذكر كثيرا بالحديث عن الفيلم بخلاف المشاهد والأغاني كقطع منفصلة بني العمل منها. لهذا مهما أخذ العمل من الليث الأبيض من أفكار بصريّة فإنّ القيمة الأكبر في اعادة انتاج ذلك بإتقان أكثر. لا تهتمّ القصة كثيرا بالقضايا الحيوانيّة مثل قصص الليث الأبيض بل إنها قريبة منّا نحن البشر وتشبه كثيرا ما أُثر من حكايات الملوك وما يحيط بهم من دسائس ورغم الغياب الكامل للشخصيّة البشريّة عن العمل إلا أن القصّة تشبه الطبيعة البشريّة كثيرا. الإخراج والمونتاج والموسيقى والتي فيها اسم لامع مثل هانس زيمر كلهّا خدمت القصّة وان طغت عليها قليلا. وتظل بداية الفيلم مع الأغنية واحدة من أشهر البدايات على الإطلاق.
بداية "الأسد الملك" :
تجسيد الحيوانات في قصص بشريّة:
صحيح يصعب تأليف قصة عن حيوانات تتحدث دون أن تشبه ولو قليلا البشر بعاطفتها -فاللغة سمة بشريّة- ويزداد الشبه بارتدائها للملابس الانسانيّة مثل الكثير من الأعمال الكرتونيّة مثل "سنجوب" وتصبح بشريّة بالكامل بوقوفها علي قدميها مثل "السبع المدهش"، إلا أن الشخصيّات في "الأسد الملك" ورغم تجريدها من الملابس - بالأساس هل هي بدونها متجردّة D: - في عاطفتها وحواراتها وأفكارها تشبه البشر كثيرا أكثر من شخصيّات "ماوكلي: فتى الأدغال" مثلا ولعل شخصيّات ماوكلي أصبحت حيوانيّة أكثر لوجود البشر بالعمل الذي خلق حدّا فاصلا في حين ساهم غياب الشخصيّات البشريّة بجعل شخصيّات "الأسد الملك" تشبه البشر أكثر واعطت العواطف فرصة أكبر للاستحواذ على اللحظات بغياب أي ازعاج من وجود عنصر بشريّ يشوب العمل، لهذا يمكن ببساطة إعادة تجسيد قصة "الأسد الملك" باستخدام شخصيّات بشريّة، سواء في مملكة غربية أو شرقيّة. الحديث عن مسألة تجسيد الحيوانات أوسع من أن ينتهي ببساطة.
بالنهاية:
قصص الليث الأبيض أجمل وأوسع، بطبيعة الحال أوسع لكونه مسلسل وحتّى لو أختزلت الحكاية في فيلم ستظل القصة أشمل وأجمل ويظل الأسد الملك يستمدّ أغلب روعته من جمال الإنتاج. "كيمبا: الليث الأبيض" فيها قصص تستحق المشاهدة كثيرا؛ غاية في العمق والغرابة وولاّدة للأفكار. حلقات كثيرة منها يمكن أن يطول ويطول الحديث عنها. الانسان فيها يمثّل بعقليّته انسان العصر الحديث (أواخر القرن التاسع عشر والجزء الأول من القرن العشرين) الذي بلغ فيه قمّة عنفه اتجاه الحيوانات؛ بسببه دفع العديد من الحيوانات نحو حافة الانقراض. ليجيء الانسان الأحدث وإن كان رحوما مقارنة بسابقه إلا أنه منذ بدأ بتحويل حدائق الحيوانات القفصيّة لحدائق سفاري بدأ يتجه لتحويل الغابات إلى حدائق/محميّات وكأنها عمليّة قتل رحيم لطبيعتها - يبقى منها إلا أعدادا تصلح كتذكار وعيّنات- والسؤال هل ستشبه هذه الحدائق مستقبلا غابة سيمبا أم الليث الأبيض؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق