الجمعة، 17 مارس 2017

سينماء عظيمة وفقيرة وسينما رائعة وغنيّة .



أحيانا يخيّل إلي إنّ أرقام بيع التذاكر السينيمائيّة لاتعكس مدى حبّ الأمريكيين للأفلام بقدر ماتعكس هوسهم بتناول "البوب كورن" والمشروبات الغازيّة. الأرقام كبيرة للغاية، تماما مثل كلّ الأرقام الأمريكيّة والتي تتعلّق بالمال التي لولا الأمريكان ربّما ماسمعناها. فحتّى الكلمة الأمريكيّة الأشهر على مستوى العالم  Google تشير الى رقم خرافيّ. 
 






لو اطّلعت لوجدت أن ميزانيّة الفيلم الأمريكي -رغما عن مخرجه الكندي- (Avatar) تساوي ربّما ميزانيّة آخر عشرة أفلام أوروبيّة فازت بجائزة "السعفة الذهبيّة" بل ربّما آخر عشرة أفلام أوروبيّة وغيرها فائزة بجائزة: الدبّ الذهبي، الأسد الذهبي، والسعفة الذهبيّة! أمّا على صعيد المبيعات فقد نقول آخر خمسين فيلما فائزا.

أعلى الأفلام دخلا والأكثر بيعا والأعلى ميزانيّة كلّها تصنيفات رقميّة اللغة المفضلة للأمريكيين. يتكلّمون عنها كثيرا ويتباهون بأفلامهم من خلالها بخلاف غيرهم. وإن الإخذ بهذا التصنيف سيجعل الأفلام الأمريكيّة بالمقدّمة لمئة سنة أخرى.

وعندما تشاهد الأرقام الخاصة بالأفلام الأوروبيّة الرائعة ستتفاجأ بمكانة الأفلام الكبيرة مقارنة بأرقامها الصغيرة. وستتساءل عن مدى الشغف الذي يجعل الأوربيّون يواصلون انتاج أفلامهم رغم هذه الأرقام التي لاتسمن ولاتغني من جوع. وهذا هو الفرق بين أن يكون عملك (مصدر رزقك) هو هوايتك المفضلة وبين أن يكون عملك (مصدر ثرائك) هو هوايتك المفضّلة. الأفلام الأمريكيّة رائعة والأفلام الأوروبيّة عظيمة. بالنسبة لي أجد أن "رائعة" تناسب الأفلام الأمريكيّة الممتعة والمدهشة والمبهرة وكلمة "عظيمة" تناسب الأفلام الأوروبيّة التي تستحقّ الإعجاب والتقدير والإشادة معا. الكثير من الأفلام الأوروبيّة أو لنقل المليئة بالأوروبيين أنتجت أو لنقل جعلت أمريكيّة وناطقة بلغتها، الأمر الذي  أكسبها أرقاما أمريكيّة. إنّها جنّة السينما فعلا، وأربابها يقومون بعملهم بجنون وشغف ولكنّه حتما لايشبه الشغف الهادئ المثابر التي تنتجه أفلام مثل الفيلم الروماني الجميل 









 4Months, 3 Weeks and 2 Days  وهو فيلم ميزانيّة لاتعادل -ربّما- ميزانيّة فيلم أمريكي قد لاتساوي عدد مشاهداته عدد المرّات التي عرض فيها! 

  لكن هل لنا أن ننتقد كلّ ذلك؟ كثيرا مايكون انتقاد الأمريكيين نابع من غبطة أو حسد. إنّنا ننتقد بشدّة المشروبات الغازيّة الأمريكيّة الغازِيَة. وننتقد الوجبات السريعة التي تنتجها لنا ونتّهمها مستندين -رغم كلّ ذلك- إلى دراسات أمريكيّــة أيضا حول خطرها! أعتقد أنّ المسألة ليست مسألة خطأ وصواب بقدر ماهي طريقة وأسلوب، قد تكون كريهة وقد تكون محبّبة. بل إنها هي، هذه هي أمريكا منذ بدأت. فقد كان رجال الأعمال الأمريكيين بعد الاستقلال يملكون أراضي واسعة تعادل مساحتها مساحة دول أوروبيّة! ومع الأيّام بدأت الأرقام تكبر أكثر وأكثر وبدأت جيوب رجال أعمالهم تبدو أكبر بكثير من جيوب رجال أعمال أوروبيين أسرهم أرباب مهن عريقة. ذلك البلد الذي كان ولازال حلمه "الحلم الأمريكي" حلما للكثيرين قد فتح عالما آخر جديدا للعالم. حدث ذلك بعد أن تمّ إبادة ٤٠ مليون هندي تقريبا، لم ينتبه الكثيرين لهم إلى الآن حتّى أنّهم عندما أرادوا أن ينتخبوا رئيسا ليكون تتويجه لحظة تاريخيّة بحكم لونه وعرقه اختاروا أمريكيّا أسمرا ولم يختاروا هنديّا! بالرغم من كثرة الأسماء الهنديّة بهذا البلد وبالرغم من أن الحديث عن الأدب الأمريكي وتاريخه عادة مايقود إلى خطب هنود مثل : لوغان وسياتل. لكن على كلّ حال أمريكا تشبه كثيرا "جون سيلفر" الكثير معجب به بالرغم من أنّه شرّير وقرصان. 

 




من فيلم Chinatown هكذا قام بالتعريف بنفسه.

 للمال معنى آخر هناك، فحتّى الفقير قد لايعتبر فقيرا لسوء حظّه بنظرهم بقدر مايعتبر فاشلا أو كسولا. هذا البلد مليء بقصص النجاح الرائعة. وعلى صعيد السينما، إن افترضنا بأنّ الأرقام هي ماتعني النجاح بالنسبة لها فلا يمكن أن تكون "هوليوود" خارج أمريكا مثلما لايمكن أن يكون "وادي السيليكون" خارجها.  

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق