الجمعة، 15 يونيو 2018

شانتال اكرمان: مايمكن أن يكون شعورا ويصعب أن يكون فيلما



"When people ask me if I am a feminist filmmaker, I reply I am a woman and I also make films"

هذا الاقتباس يمرّ كثيرا بتويتر لشانتال اكرمان، انه كافي ليقنعك -وإن لم تقرأ عنها- بأنّها إمرأة لايستهان بتفكيرها. كلامها ينمّ عن استقلاليّة واضحة في حين تبدو بعض التصرّفات النسويّة حتّى بأشدّ حالاتها تطرّفا مصممة وفق تصوّر رجل ما. أوّل فيلم شاهدته لها كان Jeanne Dielman, 23 quai du commerce, 1080 Bruxelle (1975) قد يمنحك العنوان الطويل انطباعا معيّنا لهذا الفيلم وعندما تشاهده ستدرك أنّ أيّ  تفصيل بسيط في هذا الفيلم الطويل قد صنع عمد. أوّل ميزة وجدتها بالمخرجة كانت القدرة على تصوير اللقطات الطويلة والمملة دون أن تشعرك بالملل تماما مثل بيلا تار لكنّ الفرق في أن وجهتها مختلفة عنه. شيء غريب أن تجد مملا يصنع يوما جميلا لك.






قد تصوّر الأفلام مشاهد سبق وأن شاهدت مثلها وأعجبتك أو تصوّر لك مشهدا لأمور سبق وأنّ فكّرت بها بالفعل والآن تشاهدها في فيلم وأخيرا قد تصوّر لك أشياء لم يسبق لك أن فكّرت بها ولكنّها موجودة فيك بالفعل ولهذا سيبدو المشهد مفاجئا وجميلا كالصدفة لك حال مشاهدتها في فيلم. في فيلم Toute Une Nuit (1982) تؤخذ على حين غرّة بمشاهد ليليّة لحالة تمرّ بك أو حالة موجودة بك لأنّها جزء من تكوينك كإنسان. 

أشخاص هائمون في ليلة تبدو "كسير الجري " الذي تجري فيه دون أن تمضي الى أيّ  مكان فقط الوقت يمضي ويسرق عمرك، وتشعر بأنّك بحاجة إلى قفزة للتخلّص من كلّ ذلك. كما أن الأرواح عندما تفقد الجسد تهيم بحثا عن جسد آخر كذلك الأشخاص في هذا الفيلم يهيمون أحدهم روح والآخر جسد وكلّ يبحث عن الآخر وكأنّ الوقت يخنقهم إذ أنّ بانتهاء الليل تعود الأرواح الى مخابئها وتعود الحياة طبيعيّة من جديد. شيء غير مفهوم يدفع الأشخاص لذلك، لقد قام الفيلم بعمليّة تقليب سريعة في حياة العديد من الأشخاص الذين انتابتهم هذه الحالة، كلّ مشهد بدا فوضويّا ومتداخلا ومكرّرا - بمشهد يذكّرك أحيانا بأفلام كيشسلوفسكي- لكنّ ذلك لم يكن إلا في سياق محكم بالفيلم.

مثل هذه الحالات الحديث عنها ممل بالفعل وإن كان ممكنا ويسهل الحديث عنها ولكنّ يصعب تصويرها كما هي في مشهد. هذا ما جعلني أحبّ عمل المخرجة بالضبط. أنّ تصوّر شيئا يمكن الشعور به ولكن يصعب تمثيله وتصويره كما يفعل كوبريك عكسيّا بتصوير شيء يصعب كتابته. إن ما يقوم به كل من كوبريك واكرمان هو القفز تاركين مسافة مبهمة لايمكن تفسيرها. 
كوبريك يصوّر شيئا لانتصوّره مكتوبا
اكرمان تصوّر شعورا لانتصوّره مصوّرا
شانتال اكرمان لها القدرة على جعل مشهد عابر ولاهدف له لكنه يمنحك شعورا معيّنا بحيث يكون جزءا فاعلا في سياق الفيلم. 

ولا أنسى بأنّ هذا الفيلم واحد من الأفلام التي أهدتني أغنية جميلة أعجبتني وبالنسبة لي هذا سبب كافي ليعجبني كثيرا. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق